يمكن القول إننا أمام حالة من الاستمرارية في الأهمية التي باتت تحظى بها قضايا الشرق الأوسط، وقضايا العرب والمسلمين بشكل عام، في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وهذه الحالة موجودة بشكل ملحوظ منذ انتخابات الرئاسة التي جرت في 2004م، وقادت لتجديد الولاية الرئاسية للرئيس الأمريكي السابق (جمهوري)، جورج بوش الابن؛ حيث كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، عاملاً فارقًا في توجيه بوصلة اهتمام الناخب الأمريكي بشكل ما إلى قضايا الشرق الأوسط، وما يرتبط بموضوع المهاجرين العرب والمسلمين في الولايات المتحدة.
قبل ذلك لم تكن قضايا الشرق الأوسط، والشؤون الخارجية بشكل عام، في مجال اهتمام الناخب الأمريكي.
ولذلك كان تركيز مرشحي الحزبَيْن الكبيرَيْن، الجمهوري والديمقراطي، على الجوانب الاقتصادية وبرامج الضمان الاجتماعي، فيما كانت السياسة الخارجية الأمريكية تتم صناعتها في دهاليز أجهزة الأمن القومي والبيت الأبيض وبعض الأوساط المحدودة في الكونجرس، في ظل ظروف الحرب الباردة.
وربما كانت انتخابات 1992م، التي أتت بالرئيس الأسبق (ديمقراطي) بيل كلينتون إلى سدة السلطة في الولايات المتحدة استثناءً لهذه الحالة؛ حيث كانت حرب الخليج الثانية أحد أهم الأحداث التي وجهت اتجاهات التصويت بشكل أدى إلى إسقاط الرئيس الأمريكي الأسبق (جمهوري)، جورج بوش الاب، وكانت بمثابة رسالة مهمة تلقاها كلينتون؛ حيث عاد إلى مجال الاهتمام الأساسي للجمهور الأمريكي العام، وهو الاقتصاد.
اختار الحزب الجمهوري الأمريكي، الملياردير دونالد تراميب، مرشحًا له في انتخابات نوفمبر المقبل، بينما اختار الحزب الديمقراطي، السيناتور هيلاري كلينتون، مرشحةً له في الانتخابات.
ولسنا هنا في معرض مقارنة السياسة الخارجية في مفهوم كلينتون أو ترامب؛ حيث إن هذه المقارنات في غير محلها، فكلاهما من ولاية نيويورك، عاصمة الرأسمالية والعولمة في العالم، وكلاهما كذلك من مدرسة البراجماتية السياسية الأمريكية الشهيرة، ووصل إلى ما وصل إليه في عالم المال والأعمال والسياسة، من بوابة الإخلاص للقيم الأمريكية.
وبخلاف ظاهر الأمر؛ فإن هناك الكثير من أوجه التشابه فيما يتعلق بأجندة السياسة الخارجية بين كلينتون وترامب في ملفات لا يمكن أن يختلف عليها اثنان من الساسة الأمريكيين، مثل ضمان أمن إسرائيل وتفوقها على جيرانها العرب في المجال العسكري على وجه الخصوص، وهي نقطة سوف نناقشها في موضعٍ تالٍ.
حقائق السياسة وحتمياتها:
قبل أي شيء يجب أن نشير إلى حقيقتَيْن سياسيتَيْن في منتهى الأهمية لتوقُّع مسارات السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي المقبل، أيًّا كان؛ كلينتون أم ترامب.
الحقيقة الأولى تقول إن حقائق السياسة ومصالح الأمن القومي تفرض نفسها في النهاية على أي رئيس أمريكي، وبالتالي؛ فلا يجب وضع الكثير من الاعتبار لما يتم الإعلان عنه خلال فترة الحملات الانتخابية؛ حيث يتبدل كل شيء بعد تولي المنصب، ويكون الشخص الذي أصبح رئيسًا في موضع صناعة القرار؛ حيث تظهر له الأمور في وزنها الحقيقي، وبالتالي، يتغير الكثير مما قرره في هذا الملف أو ذاك.
والرئيس الأمريكي باراك أوباما ذاته أبرز نموذج على ذلك.
فالرجل وعد بسحب كل القوات الأمريكية من أفغانستان والعراق، وإغلاق معتقل جوانتنامو، وفي النهاية انتصرت حقائق الأمن القومي، وفَرَض جنرالات الجيش والمخابرات، ومستشارو الأمن القومي كلمتهم في هذا الصدد.
كذلك فإنه – داخليًّا – لم يستطع تنفيذ كل ما وعد به في مجال الضمان الاجتماعي والإصلاحات الضريبية؛ حيث اصطدم بعد أن اطلع على كل التفاصيل والخلفيات بعد توليه الرئاسة، بحقائق عدة، من بينها مصالح قوى تُعرَف في الولايات المتحدة بالمجتمع أو التجمع الصناعي – العسكري.
وهو تكتل يضم أصحاب المصالح الاقتصادية والعسكرية، وهو المتحكم الحقيقي في السياسات الأمريكية، ورموزه هم إما أعضاء الكونجرس أو كبار ممولي حملاتهم.
ويشتمل هذا التكتل على أصحاب كبريات شركات النفط والتجارة وأصحاب الملكيات الزراعية العملاقة، بالإضافة إلى شركات تصنيع السلاح والتكنولوجيا الفائقة، وغيرها من المجالات التي تمثل صلب وعصب الاقتصاد الأمريكي، وبالتالي الاقتصاد العالمي.
إذًا، يمكن توقع تغيير الكثير من المقولات والمواقف التأسيسية الكبرى التي يطرحها كلٌّ من ترامب وكلينتون في مرحلة ما بعد توليه الرئاسة.
الحقيقة الثانية التي تحكم سياسات شاغل المكتب البيضاوي في الولايات المتحدة هي أنه ينطلق من ثابت السياسة الأمريكية الوحيد، والذي تم اعتماده منذ الحرب العالمية الثانية، بعد كسر مبدأ مونرو الذي قضت بموجبه الولايات المتحدة حوالي قرنًا من الزمان في عزلة عن أوروبا ومشكلاتها، خلف الأطلنطي.
هذا الثابت يضع مبدأ السيادة والهيمنة الأمريكية على رأس أهدافه وأدواته معًا، وبالتالي فإن المصالح الأمريكية، هي المحرك الأساسي لأية سياسات خارجية لحاكم الولايات المتحدة، وفق مبدأ “أمريكا أولاً”.
بالرغم من ذلك؛ ومن خلال تحليل مضمون خطابات كلٍّ من ترامب وكلينتون، فيما يتعلق بسياساته الخارجية؛ فإنه تبقى فوارق واضحة في المواقف لدى كليهما من قضايا المنطقة العربية والإسلامية، ومن العرب والمسلمين في الداخل الأمريكي ذاته.
ولكن محتوى هذه الفوارق لن تكون حتمية الاستمرار لو تولت كلينتون أو تولى ترامب الرئاسة؛ وفق مبدأ حقائق السياسة التي تفرض نفسها عندما تتجلى للجالس في البيت الأبيض من خلال جلسات التنوير التي يعقدها معه سلفه، ومستشاري الأمن القومي ومستجدات الأحداث.
الشرق الأوسط.. قضايانا في قبضة الآخرين!:
مبدئيًّا في هذا الصدد؛ فإنه ثَمَّة خطْبٌ مهم يشير إلى أنه في حال تولي كلينتون الرئاسة؛ فإنها سوف تكون ملزمة بتبني أجندة أبعد عن مواقفها الحالية من قضايا الشرق الأوسط، وأقرب إلى مواقف اليمين المحافِظ الذي يمثله ترامب حاليًا.
ونشير إلى كلينتون خصيصًا لأنها أكدت أنها سوف تتبنى خطابًا أكثر انفتاحًا وتطورًا في التعامل مع القضايا التي تهم الأمريكيين، عن ترامب الذي تم تصويره على أنه سوف يقود الولايات المتحدة إلى الجحيم، بينما هو يده مقيدة باعتبارات عدة، أنه على أبسط تقدير لم يحصل على كامل تأييد حزبه للترشُّح في الانتخابات، بعد رفض غريمه الأساسي تيد كروز تزكيته بخلاف ما فعل بيرني سامبرز مع كلينتون، بالرغم من فضيحة الوثائق التي أظهرت أن قيادة الحزب الديمقراطي سعت لتعطيل حملته، وهو ما دعا رئيسة الحزب، ديبي واسرمان شولتز، إلى الاستقالة.
ويعود ذلك إلى الاتهامات الحالية لكلينتون بالتفريط في مصالح أمريكية حيوية، وعلى رأسها دعم الإخوان المسلمين – وهو قضية مهمة مستقلة بذاتها نناقشها في موضوع تالٍ باستفاضة – وثورات الربيع العربي بشكل عام، خلال توليها منصب وزارة الخارجية في إدارة أوباما الأولى، مما أدى إلى عواقب وخيمة على الأمن القومي الأمريكي، على رأسها فقدان واشنطن لتحالفاتها التقليدية في المنطقة، مثل نظام زين العابدين بن علي في تونس، ونظام حسني مبارك في مصر.
ويشمل ذلك أيضًا، سوء تعاملها مع أسرار الأمن القومي الأمريكي في دول الأزمات في الشرق الأوسط مما أدى إلى واقعة مقتل السفير الأمريكي لدى ليبيا، كريستوفر ستيفنز، في أكتوبر 2012م.
تُعتبر عملية مقتل السفير الأمريكي في ليبيا أحد أهم الأمور التي يستند لها خصوم كلينتون لإضعافها
وهناك سبب آخر مرتبط بهذا الأمر؛ أن كلينتون لن تريد أن توصم بذات الانتقادات الموجهة لأوباما خلال إدارتَيْه بتقاعسه عن حماية المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، بما في ذلك تحالفات واشنطن ومصالحها الحيوية مع دول الخليج العربي؛ حيث دخلت العلاقات الأمريكية الخليجية في أزمة كبيرة، بسبب ما وُصف في حينه بتخلي الولايات المتحدة عن حلفائها من الأنظمة القديمة، في مواجهة ثورات الربيع العربي، وهو ما هدد أنظمة الخليج الحاكمة، وخصوصًا التحالف السعودي – الإماراتي المتداعي حاليًا.
كما أنه في حال تركيزنا على قضايا الشرق الأوسط، وقضايا العرب والمسلمين المقيمين في الولايات المتحدة؛ فإنه لن يكون بمقدور كلينتون التحرك بعيدًا في هذه الملفات بالحرية التي يوحي بها خطابها؛ فهي قضايا مُستَقرٌّ عليها في أروقة صُنَّاع ومُتَّخذي القرار الحقيقيين في الولايات المتحدة، وهم الكونجرس والمجمع الصناعي العسكري وأجهزة الأمن القومي والتقييم الاستراتيجي.
فليس من المُتصوَّر أن يتبنى الرئيس الأمريكي سياسة مغايرة لسياسة الإدارة الأمريكية الراهنة إزاء موضوع التعامل مع تنظيم الدولة “داعش” في كلٍّ من سوريا والعراق، وفي ملف مكافحة الإرهاب بشكل عام.
وتستند الاستراتيجية الأمريكية في هذا الصدد إلى ثلاث مرتكزات أساسية، وهي هزيمة تنظيم “داعش” في سوريا والعراق، وفي سائر أنحاء الشرق الأوسط بالتعاون مع الحلفاء في المنطقة، وخصوصًا تركيا والأردن، من خلال العمل الاستخباري والقصف الجوي.
ويشمل ذلك وتفكيك البنية التحتية لشبكات التنظيم والتنظيمات “الإرهابية” الدولية الأخرى، سواء على الأرض، أو في الفضاء الإلكتروني، من أجل وقف الإمداد البشري والوارد المالي، وممارسة ضغوط على الرياض والدوحة لوقف أي دعم يُوجَّه للمنظمات المصنَّفة إرهابية أمريكيًّا، بالإضافة إلى المدارس والمساجد المتهمة بنشر الفكر المتطرف، وخصوصًا بين الشباب.
الدعامة الثالثة، هي الدفاع من الداخل، والتعامل مع المهددات الخارجية من خلال الحلفاء في أوروبا.
هذه الأمور ثابتة، ولا علاقة لها بتغير شخص الرئيس الأمريكي، وهي في المقابل سوف تفرض المزيد من الضغوط على ترامب لو تولى الرئاسة للتخلي عن بعض ما جاء في برنامجه فيما يتعلق بتقليص مستوى اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط، والتراجع في الساحة السورية؛ حيث سوف يجد نفسه ملزمًا بإرث إدارتَيْ أوباما في هذا الصدد.
هنا ترامب كذلك سوف يكون قريبًا مما تطرحه كلينتون بشأن إيران؛ فترامب لا يرغب في حرية حركة إيرانية في الشرق الأوسط، ولكنه سوف يجد نفسه إزاء تطورات موضوع “داعش” ومكافحة الإرهاب وتنظيماته الدولية، مضطرًا للتعامل مع إيران وهو ما سوف يفاقم من أزمة واشنطن مع السعودية ودول الخليج، بالرغم من أن ترامب يطرح أجندة للتعامل مع قضايا الإقليم تستند إلى تحالفات واشنطن القديمة مع دول الخليج.
وصفوة القول في هذا الاتجاه، هو أن إلحاحية الأوضاع في الشرق الأوسط، لن يسمح لكلينتون أو ترامب بالابتعاد كثيرًا عن السياسات الأمريكية الحالية في هذا الصدد.
مصير الأسد قد يمثل اختلافًا حقيقيًّا بين كلينتون وترامب حال تولي أحدهما الرئاسة
ولكن ثمة نقطة مهمة هنا في حقيقة الأمر؛ هو أن هناك تباعُد حقيقي في مواقف كلينتون عن ترامب فيما يخص التعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد؛ حيث ترامب أكثر ميلاً للحفاظ على الأسد، باعتبار أنه من أهم الأدوات التي تحقق المستهدفات الأمريكية في الحرب على “داعش”، ولا يرى ضرورة لرحيله طالما أنه مفيدٌ في هذه الناحية، بينما كلنتون لا ترى ذلك، وتدعم وجهة نظر الإدارة الأمريكية الديمقراطية الحالية، في شأن ضرورة رحيل الأسد.
العلاقات الأمريكية الإسرائيلية:
بالمثل في الموضوع الإسرائيلي والقضية الفلسطينية؛ فكلا من ترامب وكلينتون يرى أن إسرائيل هي الحليف الأول للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والذي يمكن الاعتماد عليه في أوقات الأزمات، وأنه لابد من العمل على تأمين مصالح الدولة العبرية، ودعم أمنها القومي سياسيًّا وعسكريًّا.
وفي حال فوز كلينتون؛ فإنها سوف تستمر في التعامل مع أمور بدأتها إدارة أوباما بالفعل من أجل زيادة المناعة الاستراتيجية لإسرائيل، ومن بين ذلك إجراء مناورات عسكرية بين واشنطن وتل أبيب، كان آخرها في منتصف يوليو الجاري، في صحراء النقب.
كما أننا نلحظ أن إدارة أوباما قد أتمت في نهاية عهدها – بالرغم كل ما قيل عن خلافات أوباما مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال فترتي ولاية أوباما – أمرًا لم تنجزه حتى إدارتَيْ المحافظين الجُدد في عهد جورج بوش الابن، وهو تسليم إسرائيل طائرات الـ(إف – 35) المتطورة، والتي لم تدخل الخدمة حتى في الجيش الأمريكي ذاته.
وهي خطوة لها دلالاتها السياسية والاستراتيجية وليس في الجانب العسكري فحسب؛ حيث ظلت معطلة حتى في سنوات ثنائية حكم أرييل شارون – بوش الابن، كما أنه تم تسليمها بالرغم من عدم انتفاء المبرر الرئيسي لعدم إتمامها سلفًا، وهو المشاكل الفنية في الطائرة الجديدة التي تُعتبر أهم مقاتلة استراتيجية متعددة المهام في العالم في الوقت الراهن، ولسنوات طويلة قادمة.
العلاقات مع روسيا:
بالنسبة لروسيا؛ لا يمكن القول إن هناك تغييرًا كبيرًا سوف يلحق بالسياسات الأمريكية تجاه هذا الفاعل الدولي الكبير والمؤثر.
والعلاقات الأمريكية مع روسيا الآن بسيطة للغاية في صيروراتها؛ حيث هي مأزومة، وتخضع لمقاييس صراعات الدول الكبرى، ولها أكثر من بُعد وملف، مثل الأزمة الأوكرانية؛ حيث يمكن القول إن العلاقة بين روسيا والغرب بشكمل عام وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة.
إلا أن مبدأ اعتبارات السياسة وحتمياتها – كما نؤكد دائمًا – تفرض التعاون في بعض الملفات كما هو الحال في حالة الأزمة السورية ومكافحة الإرهاب وتنظيم “داعش”.
العلاقات الأمريكية الروسية تشبه الصورة في أن كلا البلدَيْن يسير في اتجاه ولكن المصالح في النهاية تفرض التقاءهما أحيانًا
وكما تقدم فإن هذا الملف، موضوع “داعش” ومكافحة الإرهاب بشكل عام؛ سوف يفرض نفسه بقوة على الرئيس الأمريكي القادم، أيًّا كانت هويته؛ لأنه أحد ثوابت الأمن القومي الأمريكي.
وتُعتبر روسيا في هذا الإطار، أحد أهم الفاعلين الدوليين، وتتمتع في الوقت الراهن بأفضلية عن الولايات المتحدة في هذا الملف في سوريا على وجه الخصوص، وفي العراق كذلك من خلال الحليف الإيراني.
كما أن تدهور العلاقات الأمريكية والأوروبية – التركية على خلفية الموقف الأمريكي المريب من المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، وتزايد الانتقادات الأوروبية للإجراءات التي تبنتها أنقرة بعد المحاولة؛ سوف تدفع الرئيس الأمريكي المقبل إلى المزيد من التعاون مع روسيا لحين اتضاح الصورة مع تركيا، أهم حلفاء واشنطن في الحرب على “داعش” في سوريا والعراق، بعد تهديد الأخيرة بغلق قاعدة أنجرليك أو منع الطلعات الجوية للناتو منها، بسبب تورط بعض العناصر فيها في المحاولة الانقلابية.
وفي حالة ترامب على وجه الخصوص؛ فإنه من المتوقع أن يتم تعزيز هذا التعاون، ولكن ليس على حساب أمن الحلفاء الأوروبيين، ولا خطط توسيع حلف “الناتو”.
ولكن الباحثة المصرية يمنى سليمان في ورقة لها نشرها المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، في تركيا، تقول إن ترامب ينادي بتعزيز التقارب الأمريكي الروسي، “ولكن من موقع قوة لا ضعف”.
ويرى ترامب أنه على واشنطن إعادة العلاقات مع روسيا مرة أخرى والتعامل معها من منطلق أن هناك خلافات بينها وبين الولايات المتحدة وليس من منطلق العداء.
فيرى أن في التنسيق مع روسيا مكاسب كبيرة يمكن تحقيقها لأمريكا فهو يرى في نفسه القدرة على عقد الاتفاقيات التي تحقق المصلحة الأمريكية، أما فيما يتعلق بالسياسات الروسية الأخيرة سواء في أوكرانيا أو في سوريا فإنه يري أن أوروبا، وأشار إلى ألمانيا على وجه التحديد، عليها أن تتولي الأمر بخصوص أوكرانيا.
ولكن هذا لا يعني أن يتخلى ترامب عن الحلفاء الأوروبيين؛ حيث سوف يجد في دهاليز أجهزة الأمن القومي الأمريكية من يشير عليه بخلاف ذلك، بل ويضغط كما تم مع أوباما في أفغانستان والعراق وجوانتنامو.
قضية الهجرة وأوضاع المسلمين في الولايات المتحدة:
ربما يرى البعض أن هناك تباعدًا كبيرًا في المواقف بين كلينتون وترامب فيما يخص موضوع الهجرة ووجود المسلمين في الولايات المتحدة، وهي ربما المنطقة التي سوف يكون بمقدور كلينتون الحفاظ فيها على وعودها الانتخابية، ولكن بمقدار ما تسمح به حقائق السياسة وحتمياتها كذلك.
ففي حال وقوع حوادث إرهابية في الولايات المتحدة على غرار حادثة أورلاندو، وعلى النحو المتكاثف الذي تعرفه أوروبا في وقتنا الراهن؛ فإن كلينتون سوف تجد نفسها مضطرة إلى أخذ إجراءات مُرْضِية للرأي العام الأمريكي الذي بات أكثر اهتمامًا بمثل هذه الأمور في ظل وصول التهديدات إلى قلب الأرض الأمريكي مجددًا.
وبكل تأكيد يطول الحديث في هذا الأمر؛ حيث السياسة الأمريكية أكبر من أن يساعها أي حيز محدود مثل هذا، كما أن دهاليزها وملفاتها ومؤامراتها، من التعقيد بمكان أن يستطيع كاتب أو حتى مركز أبحاث كامل أن يلمَّ بها؛ لكن تبقى الثوابت حاكمة، مهما كانت شخصية الرئيس، وهو ما بدا في عهد أوباما بوضوح.
يبقى ملفٌ من أهم ما يمكن، وهو الموقف من الإخوان المسلمين وثورات الربيع العربي، ولكن لهذا حديث آخر.