لا تزال الحكومة المصرية تكافح من جراء انخفاض رصيد العملة الأجنبية في خزينة الدولة وما يلحقها من تبعات على سعر صرف الجنيه والاستثمارات الأجنبية ومؤشرات الاقتصاد العام، وبات من أولى أولوياتها هو إعادة الثقة في الاقتصاد المصري.
ومن أجل الحصول على المال تبذل الحكومة الغالي والنفيس، ولكن المشكلة إذا أصبح الغالي رخيصًا والنفيس بخسًا، في ذلك الوقت من أين ستحصل الحكومة المصرية على المال!
ففي خطوة جديدة اعتمدت الحكومة المصرية على تعديل قانون الجنسية المصرية؛ حيث يسمح بمنح الجنسية المصرية للأجنبي مقابل دفعه مبلغًا ماليًا في صورة وديعة لمدة خمسة سنوات بذريعة جذب الاستثمارات الأجنبية إلى مصر.
اصطلح على تسمية فئة الأجانب الذين سيقرر منحهم الجنسية مقابل الوديعة أنهم الأجانب ذوو الإقامة بوديعة.
وقد انقسم البرلمان المصري بين مؤيد ومعارض لتعديل هذا القانون بين من اعتبر الوطن ليس للبيع وقائل أن هكذا خطوة تسهم في تنشيط الاقتصاد معتبرين أن كل الحكومة جربت كثير من الإجراءات وإلى الآن لم تفي بالغرض لذا فإن هذه الخطوة أشبه بــ”المضطر يركب الصعب” بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد في الفترة الحالية. بينما أكد نواب آخرين أن مجرد طرح موضوع بيع الجنسية من أجل المال لهو أمر مزعج وغريب في نفس الوقت ويثير في النفس الريبة والتخوف حتى ولو كانت أهدافه نبيلة. ولازال يؤكد بعض النواب أن هناك العديد من الإجراءات والبدائل الكثيرة للنهوض بالاقتصاد بدلًا من التلاعب بالجنسية فالقرار سيثير بلبلة في الشارع برأي أحد النواب.
الجدير بالذكر أنه ظهرت قبل عامين مطالبات ببيع الجنسية المصرية بمقابل مالي للعرب والأجانب الغير معادية لمصر بهدف تنشيط الاستثمارات الأجنبية والاقتصاد المصري بالعموم.
والواقع أن تنازل الحكومة المصرية عن بعض الثوابت في الفترة الماضية كتخفيض الدعم عن المواد الأساسية وتخفيض قيمة الجنيه المصري إلى قيم جديدة على الإطلاق ينم عن ضعف وقد لا يؤتي بالنتيجة المرجوة التي تأملها الحكومة، فصاحب المال أو المستثمر لن ينجر لجنسية بلد، الحكومة فيها منفصلة عن شعبها ولا تمثل احتياجاتهم ورغباتهم ولا تحقق نجاحات ولا معدلات نمو ولا رفاه ولا تقضي على الفقر والبطالة والفساد وتحقق الاستقرار في القطاعات الاقتصادية في الدولة.
غالبًا ما ينشد المستثمر لجنسية البلد التي تتمتع باقتصاد مستقر وقوي وبحالة سياسية جيدة وتشهد معدلات نمو عالية وتحقق الرفاهية لشعبها عند ذلك المستوى فإن المستثمر يسعى أن يستقر في ذلك المجتمع ويحصل على جنسيته لإنه ينظر إلى المستقبل.
أما في المجتمع المصري الذي لا يتمتع بقدر حقيقي من الاسقرار الاقتصادي ويعد المستقبل من الأمور الغامضة التي ليس لأحد أن يفكر فيها بسبب التقلبات الكثيرة، لذا فإنه من المستبعد أن يأتي المستثمر إلى مصر ويضع وديعة لأجل خمس سنوات ليحصل على الجنسية، وهو يعلم تمام اليقين أنها لخدمة الحكومة بسبب الاستنزاف المالي لذي تعانيه ليس إلا.
وبالحديث عن المستقبل ففي مقابلة مع عالم الفضاء المصري عصام حجي قال فيها أنه لا يعنيه أن يكون الواقع في مصر صعبًا ولكن المهم أن يكون هناك مستقبل والآن مصر ليس لديها مستقبل، فالحكومة تقول للناس أن عليهم أن يعيشوا في كابوس ولا يتطلعوا لواقع أفضل، وأكد أن كرامة المصري في مستقبله وليس في ماضيه مشددًا على ضرورة تخصيص ميزانية أكبر للتعليم لإن الاستثمار في العقول أفضل من الاستثمار في بناء المنشآت على حد تعبيره.
إذن يظهر جليًا من خلال هذا القانون أن الحكومة المصرية مستعدة بكل ما أوتيت من صلاحيات أن تفعل المستحيل من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية ومحاولة دفع عجلة الاقتصاد للأمام بعدما استنفذ المركزي مما لديه من أدوات ليضبط الأسواق المحلية.
كرامة المواطن المصري في مستقبله وليس في ماضيه ومن الضرورة بمكان تخصيص ميزانية أكبر للتعليم لإن الاستثمار في العقول أفضل من الاستثمار في بناء المنشآت، حسب تعبير عصام الحجي.
واتضح أن كل ما يجري؛ هو تطبيع مع صندوق النقد الدولي للوفاء بشروطها والحصول على قرض ضخم وفق برنامج مالي يمتد على ثلاثة سنوات لسد الفجوة المالية التي يعاني منها الاقتصاد المصري.
حيث عكست الإجراءات الأخيرة التي اتبعتها الحكومة المصرية أنها تعود للإجراءات اللازمة للإصلاح الهيكلي الذي فرضه صندوق النقد والتي من ضمنها إصلاح منظومة الدعم، وإقرار قانون الخدمة المدنية وزيارة المعاشات وترشيد إنفاق الحكومة وخفض الواردات وزيادة الصادرات وإصدار سندات دولية في الأسواق العالمية.
وقد أمر رئيس الوزراء شريف اسماعيل بضرورة أن يتمخض عن التعاون مع صندوق النقد الدولي برنامج مساعدة لتعزيز الثقة الدولية في الاقتصاد وجذب الاستثمارات الخارجية ومن ثم الاستقرار النقدي والمالي ومعالجة التشوهات الهيكلية واستهداف 7 مليارات دولار سنويًا لتمويل البرنامج المالي على مدى 3 سنوات.
الأجانب ذوو الإقامة بوديعة
هكذا اصطلح على تسمية فئة الأجانب الذين سيقرر منحهم الجنسية مقابل تلك الوديعة حيث جاء تعريفهم في مشروع القانون أنهم “الأجانب الذين يودعون وديعة نقدية”.
وبحسب المادة التي توضح مشروع القانون فقد جاء أنه انطلاقا من السياسة التي تنتهجها الدولة في تشجيع استثمار الأموال العربية والأجنبية في المشروعات الاقتصادية وتيسيرًا على الأجانب ذوي الارتباط الطويل والقوي بمصر والعمل على خلق جو من الثقة والاستقرار ليطمئن المستثمرون على أموالهم ومشروعاتهم وتحقيقًا للاستقرار العائلي لهم. لذا فإن الأجنبي الذي سيودع وديعة نقدية المحددة في أحد البنوك المصرية التي تحدد لاحقًا لمدة خمسة سنوات على الأقل يسمح لهم بعد ذلك بالحصول على الجنسية المصرية.
وقد اعتبر مشروع القانون أنه تقديرًا من الدولة المصرية لدور الأجانب والعرب في المساهمة في تنشيط الاستثمار ودعم الاقتصاد الوطني فقد اعتبرت أن إقامتهم في مصر لمدة لا تقل عن 5 سنوات أمرًا يشكل نوعًا من الوفاء والانتماء إلى الدول المصرية ولذلك يجوز منحهم الحق في طلب التجنيس بالجنسية المصرية.