في مساء الخامس عشر من يوليو 2016، خططت مجموعة من جنود الجيش التركي، وهو الجيش الخبير في تنفيذ الانقلابات العسكرية، للقيام بمحاولة انقلاب أخرى. كانت تلك هي المحاولة السابعة منذ تأسيس الجمهورية التركية، وثالث المحاولات الفاشلة. فبينما كانت طائرات مروحية ونفاثة تطير على ارتفاعات منخفضة في إسطنبول وأنقرة، كان مخططو الانقلاب يغلقون جسري البوسفور، ويحاولون السيطرة على المناطق الحيوية في العاصمة وفي إسطنبول. تحركت الدبابات في الشوارع وأغلقت الطرق الرئيسية، وهاجمت طائرات الهليكوبتر مقرات البرلمان، والرئاسة، والمخابرات، والشرطة وحتى القوات الخاصة. كذلك اقتحم مخططو الانقلاب مقرات التليفزيون الرسمي وأجبروا مذيعة على تلاوة بيان “مجلس السلام الوطني”، وهو المجلس العسكري الذي أراد حكم البلاد والذي استوحى اسمه من جملة مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك الشهيرة “السلام في الوطن، السلام في الخارج”.
لاحقا، كشفت التحقيقات التي أُجريت عن المزيد والمزيد من تفاصيل محاولة الانقلاب ما أكد الادعاءات الأولية القائلة بأن منفذو التحرك ينتمون لحركة الخدمة التابعة لرجل الدين فتح الله غولن، وهي الحركة التي صُنفت إرهابية في تركيا في 2014، والتي لا تمتلك قوة هائلة داخل مؤسسات الدولة فحسب، ولكن أيضا شبكة قوية من العلاقات الدولية.
عمر أصلان، زميل منتدى الشرق والباحث في معهد العلوم الأمنية في أكاديمية الشرطة الوطنية التركية كتب ورقة بحثية نشرها منتدى الشرق في إسطنبول بعنوان “محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا: الأسباب، التبعات، والنتائج من منظور مقارن”. في هذا العرض نقدم الملخص التنفيذي للورقة، والتي يمكنكم قراءتها باللغة الإنجليزية عبر هذا الرابط.
الملخص التنفيذي
– قامت مجموعة من الجنود داخل الجيش التركي بتنفيذ محاولة الانقلاب السابعة في تاريخ الجمهورية.
– كشفت التحقيقات التي تم إجراؤها بعد الانقلاب بالعديد من التفاصيل التي تؤكد أن تلك المحاولة تم تدبيرها بواسطة ضباط موالين لحركة غولن، وهي مجموعة سرية تنشط في مؤسسات الدولة التركية والمجتمع، وصُنفت على أنها منظمة إرهابية في عام 2014 من قبل السلطات التركية. ليس للحركة تمثيل ضخم داخل هيكل الدولة التركية فحسب، ولكن أيضا شبكة واسعة من العلاقات الدولية.
– تميزت الانقلابات العسكرية الكلاسيكية أثناء الحرب الباردة بأربع سمات رئيسية مكنتها غالبا من الإطاحة بالحكومات: السرعة، السرية، تجاوز الشرعية، وبأن الفاعلين الرئيسيين في تلك الانقلابات هم ضباط الجيش. وبما أن الجيش هو الفاعل الرئيسي الأكثر نفوذا في أجزاء مختلفة من العالم، أصبح هو الأكثر قدرة كمؤسسة على قيادة العمل ضد الحكومات القائمة غير المرغوب بها.
– أصبح من الواضح على مدار السنوات التي تلت الحرب الباردة أن الانقلابات العسكرية لم تعد تنجح إذا ما نُفذت بالطريقة القديمة.
– من جميع النواحي، كانت محاولة الخامس عشر من يوليو محاولة انقلابية عنيفة مُنيت بالفشل الذريع، وهي لا تتشابه مع أي من الانقلابات التي سبقتها.
– يبدو أن مدبري محاولة الانقلاب قد اعتقدوا أنهم بإمكانهم إنهاء الانقلاب بحلول صباح السادس عشر، من خلال عملية سريعة وقوية مثلما تُنفذ الانقلابات الكلاسيكية. وهذا هو سبب إطلاق المجلس العسكري التابع لغولن على العملية اسم “عملية الصاعقة”.
– ما أحبط هذه المحاولة الانقلابية كان قدرة المخابرات التركية على كشف المؤامرة. وفي اللحظة التي تم الكشف فيها عن خطة الانقلاب، كان هؤلاء الذين يعارضون الانقلاب يمتلكون ما يكفي من الأدوات والوقت والشجاعة للحشد وتعبئة مؤيدي الديموقراطية لمقاومة الانقلاب.
– في انقلاب عام 1980، بدأت هيئة الأركان العامة انقلابها في الساعة الثالثة فجرا، وانتهت المحاولة بنجاح قبل انبلاج الصباح، وهو ما نتج عنه عدم مواجهتهم أية مقاومة من أي جهة.
– لم يحتج مدبرو انقلاب عام 1960 أن يرسلوا سوى ضابط برتبة نقيل مع اثنين من جنود المشاة إلى محطة الراديو في أنقرة، وأن يخبروا خمسين جنديا يحرسون المكان بأنهم هنا للسيطرة على الراديو، وبأن هؤلاء الجنود عليهم أن يعودوا إلى منازلهم. لم يحتاجوا سوى عشر دقائق للسيطرة على محطة البث الرئيسية في البلاد.
– كان انتشار القنوات التليفزيونية منذ أوائل التسعينات، وارتفاع أعداد الأسر التركية المستفيدة من البث التليفزيوني سببا في الطريقة غير التقليدية التي تم بها انقلاب فبراير 1997 ضد حكومة البروفيسور نجم الدين أربكان.
– بالنسبة لمنفذي محاولة الانقلاب في الخامس عشر من يوليو، فإنهم لم يقللوا من أهمية طبيعة ونوعية وقوة الإعلام الجديد في تركيا، لأنهم لو نفذوا الانقلاب في الثالثة صباحا حسب المخطط له، فلربما كانوا قد سيطروا على الغالبية العظمى من وسائل الإعلام التركية بسهولة.
– ومع ذلك، فمجرد أن تم اكتشاف خطة الانقلاب من قبل أجهزة الاستخبارات، لم يكن لدى منفذي الانقلاب فرصة لإقناع المتعاونين معهم ورجال الجيش بأن نجاح الانقلاب سيتم دعمه من قبل جميع وحدات الجيش تقريبا، وبأقل احتمالات المقاومة، وهو عامل مهم لنجاح الانقلابات من هذا النوع.
– حقيقة أن منفذي خطة 15 يوليو استمروا في خطتهم بعد الأوامر الواضحة التي أصدرتها هيئة الأركان العامة لوقف جميع تحركات المشاه والدبابات والطائرات والشاحنات العسكرية يدل على أنهم كانوا أشخاصا عقائديين أو حتى انتحاريين مستعدين للمغامرة بالدخول في حرب أهلية من أجل السيطرة على البلاد.
– على الرغم من الدموية والعنف اللذان تبعا انقلابي 1960 و 1980 إلا أن من وقفوا وراء هذه الانقلابات كانوا مترددين في اللجوء للسلاح لإنجاح محاولاتهم للانقلاب.
– عادة ما يكون ضباط الجيش الساعين لتدبير انقلاب عسكري مدركين تمام الإدراك أن الانقلابات التي يتم تنفيذها دون تبني سردية واضحة، تجد نفسها في كثير من الأحيان تفتقر إلى الشرعية في المجتمع. فمثلا انتظر الضباط من ذوي الرتب المتوسطة والذين نفذوا انقلاب 1960 اللحظة المناسبة التي قد يرى فيها المواطنون أي تحرك عسكري شرعيا قبل أن يتدخلوا بشكل مباشر.
– كانت الفوضى السائدة في جميع أنحاء البلاد هي التي أدت بقطاع كبير من الشعب للترحيب بانقلاب 1980. لاحقا قدمت الاضطرابات التي سبقت الانقلاب العسكري السياق المناسب والذرائع الكافية لانقلاب جديد. ففي عام 1997 كانت العديد من مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، وعلى رأسهم حزب الشعب الجمهوري، قد قاموا بدعم علني وواضح للانقلاب. في الواقع، كان تعاونهم مع الجيش شرطا لا غنى عنه لنجاح الانقلاب المخطط له، فلم يكن انقلابا كلاسيكيا، ولكنه كان نوعا جديدا، تم من خلال شبكة من الحلفاء العلمانيين.
– من أبرز ملامح مؤامرة انقلاب 15 يوليو هو عدم وجود أي ادعاء بالحياد. ولذلك فلا يمكن مقارنة تلك المحاولة بانقلابات عام 1960 او 1980، لكنه ربما كان أقرب ما يمكن لانقلاب 1997، لكن بشكل أكثر تطرفا وعنفا بمراحل عدة.
– اعتمد منفذو محاولة الانقلاب أيضا على عدم الاستقرار في الاتحاد الأوروبي وعدم تماسك دوله داخليا، والمشكلات الاقتصادية والسياسية والأخلاقية التي تعصف به. الأهم من ذلك، أنهم اعتقدوا أن الولايات المتحدة لن تقوم باتخاذ خطوات جادة لفرض عقوبات على تركيا في حالة نجاح الانقلاب، لا سيما خلال الأشهر الخمسة الأخيرة لأوباما في البيت الأبيض.
– بشكل عام، تكون محاولات الانقلاب العسكري أكثر هشاشة في لحظاتها الأولى. ولذلك فإن الرسالة الأمريكية الغامضة التي تم إرسالها في الوقت الذي كانت فيه الحكومة المنتخبة ديموقراطيا تقاتل من أجل إفشال الانقلاب كان لها وقع الدعم الكامل بالنسبة لمدبري الانقلاب.
– يجب على الحكومة أن تلتفت إلى حقيقة أن الأكاديمية العسكرية التركية في أنقرة، وأكاديمية القوات الجوية وكذلك مدرسة كولالي الثانوية العسكرية في إسطنبول، جميعهم شاركوا في محاولة الانقلاب. وهذا يعني أن التعامل الذكي مع هذه المدارس في مرحلة ما بعد الانقلاب (وليس فقط في أنقرة واسطنبول، وليس فقط في الأكاديمية العسكرية)، هو المفتاح لإعادة تأهيل القوات المسلحة التركية على المدى الطويل، خاصة إذا ما علمنا أن عقلية التدخل التي تحكم الجيش تتكون أصلا من خلال المدارس العسكرية.
– يجب أيضا أن تكون الحكومة أكثر حذرا ويقظة فيما يتعلق بعدم السماح للجيش بالعودة للأساليب القديمة المتمثلة في إغلاق أبواب الانتماء للمؤسسة العسكرية أمام شرائح معينة في المجتمع. ولا ينبغي أن يُستغل تسلل أتباع غولن للجيش لتبرير منع المزيد من المواطنين من ذوي التوجهات المحافظة من دخول المدارس العسكرية أو غيرها من مؤسسات الجيش.
– وعلى الرغم من أنه قد صار في حكم المؤكد أن محاولة الانقلاب قد أُطلقت ونُفذت من قبل ضباط حركة غولن، إلا أنه لا يزال ممكنا أن يكون “الغولنيين” قد ركبوا موجة القومية الجديدة واستغلوا خطابها داخل سلك الضباط.
– بالتزامن مع الأنباء التي تقول بعودة العسكريين المتهمين في القضية التي عُرفت باسم المطرقة عام 2003 إلى مواقعهم في الجيش، وتوليهم مناصب هامة في القوات المسلحة، وهي القضية التي كان قد تم تلفيقها بواسطة أتباع غولن في الجيش للإطاحة ببعض منافسيهم، لا تصبح المخاوف الآن متمثلة في وجود انقسامات داخل الجيش، بل في عدم وجود أي توازن داخل الجيش بين الأطراف المختلفة.
– هناك العديد من الإصلاحات داخل الجيش والتي تحتاج لأن يتم تنفيذها على المدى الطويل والقصير ولذلك يجب أن تعاد إلى جدول أعمال الحكومة. حاول حزب العدالة والتنمية التعامل مع هذه المسؤولة من خلال عدة إجراءات مثل إلغاء المادة 35 من النظام الأساسي للجيش والتي يمكن أن يستخدمها العسكريون لإضفاء الشرعية على تدخلاتهم في السياسة. ولكن يجب على الحزب أيضا معالجة الأمر من خلال خطة تحول وإعادة هيكلة طويلة الأمد.