“إنهم لا يمتلكون بيتًا ولا فريقًا ولا علمًا ولا نشيدًا وطنيًا، سنوفر لهم مسكنًا في القرية الأوليمبية إلى جانب بقية الرياضيين، وسيحملون العلم الأوليمبي في حفل الافتتاح، وسيعزف النشيد الأوليمبي تقديرًا لهم، سيكون هذا رمزًا للأمل لكل اللاجئين في عالمنا”.
بهذه الكلمات المؤثرة التي ألقاها في 3 يونيو الماضي، زف رئيس اللجنة الأوليمبية الدولية، الألماني توماس باخ، خبر تشكيل أول فريق أوليمبي يمثل اللاجئين في التاريخ، للمشاركة في أوليمبياد ريو دي جانيرو القادم، ذلك الخبر الذي ظل متأرجحًا بين الشك واليقين منذ شهر مارس الماضي، حين كشفت اللجنة الأوليمبية الدولية عن نيتها بتشكيل ذلك الفريق، بهدف إبراز أزمة اللاجئين حول العالم، والتي تفاقمت بشدة خلال الأعوام الماضية، مع تصاعد حدة الحروب والنزاعات المسلحة في الكثير من مناطق العالم، ولا سيما في منطقتي الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث سقط عشرات الألوف من الضحايا، واضطر مئات الآلاف للنزوح من منازلهم وبلدانهم، فرارًا من أتون الموت والدمار نحو مناطق أكثر أمنًا.
الألماني توماس باخ رئيس اللجنة الأوليمبية الدولية
6 رياضيين و4 رياضيات من 4 جنسيات مختلفة، بينهم 2 من سورية الجريحة و5 من السودان المفتتة، هو قوام فريق اللاجئين الأوليمبي (Refugee Olympic Team) الأول من نوعه في التاريخ، والذي سيتواجد أعضاؤه ضمن فعاليات 3 رياضات أوليمبية هي: ألعاب القوى، الجودو، والسباحة، خلال منافسات أوليمبياد الريو المنتظر، التي تنطلق في 5 أغسطس القادم وتستمر حتى الـ21 منه.
وبين مرارة التشرد واللجوء، وحلاوة التواجد في الأوليمبياد، تكمن خلف كل من الأبطال الـ 10، قصصٌ تستحق أن تروى، تحمل في طياتها ضروبًا من القهر والمعاناة عاشها أولئك الأشخاص، قبل أن تشرق في سديم حياتهم شمس الخلاص والفرج، وتزهر في فيافي قلوبهم براعم الرجاء والأمل.
أولى القصص التراجيدية وأكثرها إثارةً ودراماتيكية، كانت بطلتها فتاةٌ سوريةٌ لم تتجاوز الـ 19 من عمرها، ولدت وعاشت في العاصمة السورية دمشق، قبل أن تجد نفسها مضطرةً للجوء إلى ألمانيا مع عائلتها، بعد استعار لهيب الحرب في بلدها، إنها السباحة الواعدة يسرا مارديني، التي قررت عائلتها الفرار من دمشق في أغسطس 2015 بعد تعرض منزلهم للقصف والتدمير، فانطلقوا إلى لبنان ومنها إلى مدينة إزمير التركية، حيث كان عليهم عبور بحر إيجة الذي يفصل تركيا عن اليونان، فوجدت يسرا نفسها مع شقيقتها سارة إلى جانب 18 لاجئًا، في قارب مطاطي واهٍ لم يقو محركه على إيصالهم إلى بر الأمان، فتوقف في منتصف الرحلة، مهددًا مصير من فيه بالموت المحتم، فما كان من الأختين الشجاعتين إلا أن قفزتا من القارب، وقامتا مع شخص ثالث بعمل بطولي خارق، حين استخدموا سواعدهم الفتية لدفع القارب المعطل بمن فيه، على مدى 3 ساعات ونصف، نحو شاطئ جزيرة ليزبوس اليونانية، حيث بلغوا مأمنهم، وتابعت يسرا مع أختها رحلة المخاطر حتى وصلتا إلى مدينة برلين الألمانية، حيث التحقتا بعائلتهما بعد حصولهما على حق اللجوء في ألمانيا، وهناك ابتسمت الأقدار في وجه الفتاة الشجاعة، حين سلط الإعلام الأضواء على بطولتها النادرة، لتصبح حديث الصحف والمحطات، بعدما تلقت أكثر من 1000 طلب لإجراء مقابلات معها، مع وعد بتحويل قصتها الملحمية إلى فيلم في هوليوود!
على الصعيد الرياضي، سبق لمارديني أن مثلت بلدها سورية في بطولة العالم للأحواض المغلقة بتركيا عام 2012، وانقطعت بعدها عن المشاركات الخارجية وحتى عن التدريب بسبب ظروف الحرب في بلدها، حتى استقرت في ألمانيا في نوفمبر الماضي، حيث أصبحت تتدرب في نادي فاسر فرويندة شبانداو القريب من العاصمة برلين، على يد المدرب سفين سبانكريبس، وهي ستشارك في الأوليمبياد ضمن سباق 200م سباحة حرة.
ثاني أبطال فريق اللاجئين الأوليمبي هو الشاب السوري ذو الـ 25 عامًا رامي أنيس، الذي اضطرته ظروف الحرب، التي كانت في بداية أطوارها أواخر عام 2011، إلى الفرار من مدينته حلب مع عائلته قاصدًا مدينة إسطنبول التركية، التي مكث فيها حوالي 4 سنوات، قبل أن يقرر السفر مع أخيه طلبًا للجوء في إحدى دول أوروبا الغربية، حيث خاض الأخوان رحلةً محفوفةً بالمخاطر، نجيا خلالها من الهلاك غرقًا في بحر إيجة، أثناء عبورهما في قوارب الموت مع مجموعة من اللاجئين، حيث انقلب القارب واضطرا للسباحة أكثر من ساعة ونصف حتى بلغا بر الأمان، قبل أن يكملا رحلتهما الشاقة، التي قطعا خلالها القارة الأوروبية من شرقها إلى غربها عبر 6 دول، وصولًا إلى بلجيكا حيث استقر رامي مع أخيه، وحصلا على حق اللجوء فيها منذ أواخر العام الماضي.
وعلى الصعيد الرياضي، يحمل رامي أفضل رقم سوري في سباق 100م فراشة، وسبق له أن مثل بلده سورية في العديد من البطولات العالمية والقارية، وآخرها دورة الألعاب الآسيوية عام 2010، قبل أن ينقطع عن المشاركات الخارجية دون أن ينقطع عن التدريبات خلال فترة مكوثه في تركيا، حيث كان يتدرب في مسبح نادي غلطة سراي بإسطنبول، ومنذ وصوله إلى بلجيكا تواصل مع السباحة البلجيكية الأوليمبية كارين فيرباوفين، التي ساعدته على المشاركة في عدة سباقات ببلجيكا وفرنسا، حافظ من خلالها على مستواه المتميز، ليصبح جاهزًا للمشاركة في الأوليمبياد القادم ضمن فعاليات السباحة لمسافة 100م فراشة.
ومن بطلي السباحة السوريين، ننتقل للحديث عن خماسي ألعاب القوى السوداني، الذين ولدوا ونشأوا في جنوب السودان، وسط بلاد مزقتها الحروب والنزاعات المستمرة منذ عقود، مما دفع مئات الآلاف من سكانها للفرار بجلدهم طلبًا للأمان، حيث قصد معظمهم دولة كينيا المجاورة، وأقاموا في مخيم للاجئين في مدينة (كاكوما)، ومن غياهب مخيم كاكوما جاء أبطالنا الـ 5، وهم:
تيش بور بيل: عمره 21 عامًا، ويقيم في مخيم كاكوما منذ عام 2005 بعد أن اضطر للنزوح رفقة والدته، وهو سيشارك في الأوليمبياد ضمن سباق الجري لمسافة 800م.
جيمس نيانج تشينجيك: عمره 28 عامًا، ويعيش في مخيم اللاجئين منذ عام 2002 بعد أن اضطر للنزوح إثر مصرع والده في الحرب، وهو سيشارك في الأوليمبياد ضمن سباق الجري لمسافة 400 م.
باولو أموتون لوكورو: عمره 24 عامًا، ويقيم في مخيم كاكوما بعدما لجأ إلى كينيا منذ عام 2006، وهو سيشارك في الأولمبياد ضمن سباق الجري لمسافة 1500 م.
روز ناثيك لوكونين: عمرها 23 عامًا، فرت مع عائلتها إلى كينيا منذ عام 2006، وهي تقيم في مخيم اللاجئين إلى جانب أشقائها ال4، وستشارك في الأولمبياد ضمن سباق الجري لمسافة 800 م.
أنجلينا ناداي لوهاليث: عمرها 21 عامًا، وقد جيء بها إلى كاكوما منذ عام 2002 وهي ابنة 7 سنوات، دون أن تعرف شيئًا عن مصير عائلتها حتى اليوم، وهي ستشارك ضمن سباق الجري لمسافة 1500م.
أما ممثلا فريق اللاجئين في منافسات الجودو الأوليمبية، فهما: الشاب بوبول ميسنجا ذو الـ 24 عامًا، والفتاة يولاند مابيكا التي تكبره بـ 4 أعوام، واللذان تلتقي قصتهما في أغلب النقاط، حيث ولدا في منطقة بوكافو شرقي جمهورية الكونجو الديمقراطية، ودفعا غاليًا ثمن الصراع الدموي الذي عاشته البلاد بين عامي 1998 و2003، فعاشا حياة القهر والضياع في ميتم للأطفال بالعاصمة كينشاسا، ولكنهما وجدا متنفسًا في تعلم وممارسة رياضة الجودو، التي أتقناها وأصبحا من أبطالها على مستوى البلاد، وخلال مشاركاتهما مع منتخب بلادهما في بطولة العالم للجودو بالبرازيل عام 2013، تعرضا للمعاملة السيئة التي وصلت إلى حد الاحتجاز داخل غرفتيهما في الفندق، من قبل المشرفين على بعثة المنتخب بسبب عدم تحقيقهما النتائج المرجوة، فقاما بالهرب وطلبا حق اللجوء في البرازيل وحصلا عليه عام 2014.
وسيشارك ميسنجا، الذي يحمل برونزية بطولة إفريقيا للشباب في الجودو عام 2010، في منافسات الجودو الأوليمبية لوزن 90 كغ، بينما ستشارك زميلته ورفيقة كفاحه مابيكا في منافسات وزن 70 كغ.
ونصل إلى قصة آخر بطل من أبطال فريق اللاجئين الأوليمبي، وهو العداء الإثيوبي يوناس كيندي، أكبر أعضاء الفريق سنًا، حيث يبلغ الـ36 من عمره، ورغم موهبته الكبيرة إلا أنه حرم من المنافسة على البطولات، منذ فراره من بلده أثيوبيا التي تعاني من الفوضى العارمة جراء النزاعات السياسية، حيث هام على وجهه في أدغال إفريقيا ردحًا من الزمن، قبل أن يستقر به المقام في أوروبا، وهناك تقدم بطلب اللجوء لأكثر من دولة، حتى حصل على حق الإقامة واللجوء في دوقية اللوكسمبرج عام 2012، ومنذ ذلك الحين وهو يشارك في العديد من السباقات المحلية ويحقق الكثير من الانتصارات، دون أن تتاح له فرصة المشاركة دوليًا بسبب عدم حصوله على الجنسية، قبل أن يتحقق حلمه أخيرًا من بوابة فريق اللاجئين الأوليمبي، الذي سيكون ممثله الوحيد ضمن منافسات سباق الماراثون.
وهكذا، تحولت أحلام أبطالنا الـ 10 إلى حقيقة، وأبدلت الرياضة حزنهم وبؤسهم وقهرهم ومرارتهم فرحًا وسعادةً وبهجةً وسرورًا، لتلهم قصص معاناتهم المأساوية ملايين اللاجئين والبؤساء والفارين من ويلات الحروب وثبورها، وترسم أمام أعينهم مشكاةً تشع بالأمل والرجاء.