ملحمة حلب الكبرى: الهجوم خير وسيلة للدفاع

h_3

حوصرت آخر معاقل الثورة السورية مدينة حلب من قبل قوات النظام السوري مدعومة بقوات روسية غازية ومليشيات من كل حدب وصوب بغية إخماد آخر أصوات الثورة السورية وإخضاعها بالحصار، ومن ثم اللعب بهذه الورقة على طاولة المفاوضات الدولية لتسوية ملف الثورة السورية إلى الأبد.

ولكن كان لثوار سوريا في مدينة حلب رأي آخر، بعدما أحكمت قوات النظام السوري الحصار على أحياء حلب الشرقية بعد سيطرتها الثلاثاء الماضي على مجمع الكاستيلو شمالي المدينة، وتمكنت قوات النظام مدعومة بمليشيات أجنبية من التقدم والسيطرة على عدة نقاط متقدمة في بلدة الليرمون بينها منطقة الكراجات، وسيطرت على طريق الكاستيلو بشكل كامل، إثر هجوم واسع شنته من جهة مزارع الملاح الجنوبية.

ويعد طريق الكاستيلو المنفذ الوحيد لأحياء مدينة حلب الشرقية -الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة السورية- مع ريف المدينة ليطبق الحصار بشكل كامل على الأحياء التي يقطنها أكثر من 300 ألف نسمة.

انطلاق معركة فك الحصار

وعلى خلفية الوضع الميداني أعلنت المعارضة السورية المسلحة متمثلة بغرفتي عمليات “جيش الفتح” و”فتح حلب” عن بدء معركة لفك الحصار عن الأحياء المحاصرة في مدينة حلب، مؤكدة أنها تمكنت من السيطرة على عدة مواقع جنوب المدينة وتدمير آليات تابعة لقوات النظام بالقرب من بلدة الحويز.

خط المعركة وفقًا لخطة المعارضة التي أعلنت على لسان أكثر من قيادي بجيش الفتح يمتد لنحو 20 كلم، ويبدأ من ساتر السابقية جنوب مدينة حلب وينتهي بمدرسة الحكمة، وتشترك جميع فصائل جيش الفتح في هذه المعركة.

وكانت وكالة الأنباء الألمانية نقلت عن قيادي في قوات المعارضة السورية المسلحة أن “التحضير لعملية فك الحصار عن حلب سوف يتم من خلال إشعال كل الجبهات في المدينة”، مشيرًا إلى أن المعركة ستشهد استخدام كل الإمكانيات المتاحة من أسلحة ثقيلة وقذائف صاروخية.

وعلى إثر ذلك انطلقت غارات انتقامية من قبل سلاح الجو الروسي على مدن وأحياء حلب، استهدفت حي الهلك بحلب، كما استهدفت الغارات أحياء مساكن هنانو والحيدرية والشيخ فارس، وشملت الغارات بلدة عندان شمالي حلب، ما أدى إلى دمار في الممتلكات، وذلك بعد يوم من استهداف طائرات روسية لمستشفى في البلدة وتدميره.

فيما أعلن وأعلن الدفاع المدني في حلب حالة الطوارئ بالمدينة وريفها الغربي، وطالب المواطنين في بيان بعدم التجمع خشية استهدافهم بالغارات الانتقامية.

تقدم باتجاه أحياء حلب الغربية

بعد ساعات من استنفار كتائب المعارضة المسلحة في سوريا ودخولها في اشتباكات مع قوات النظام والميلشيات التابعة له على أكثر من جبهة، أعلن جيش الفتح وفصائل في المعارضة السورية المسلحة سيطرتهم على مواقع في مدينة حلب وبالتحديد أحياءها الغربية، بعد تقدمهم في عدة مواقع جنوبها وغربها، وذلك في إطار العملية التي أطلقت لفك الحصار عن المدينة.

وقد أكدت فصائل المعارضة السورية المسلحة أنها تمكنت من السيطرة على مواقع لجيش النظام جنوبي مدينة حلب شمال سوريا، أهم 3 نقاط بين المشرفة وتلة المحروقات جنوبي حلب، حيث أفاد ناشطون من الأرض بأن قوات المعارضة تمكنت من تحرير نقاط بين المشرفة وتلة المحروقات وهي معمل الزيت ومبنى القوس و المبنى الأحمر بريف حلب الجنوبي.

ليتمكن بهذا قوات المعارضة السورية من السيطرة على إجمالي تلال مؤتة والمحبة والجمعيات وأحد وكتيبة الصواريخ ومدرسة الحكمة وعدة نقاط في المنطقة، وسط قصف عنيف من قبل الطائرات الحربية التابعة لسلاح الجو الروسي والنظام، كما نجحت المعارضة في السيطرة على تلة السيرياتل الاستراتيجية وقرية العامرية.

من جهة أخرى أعلنت غرفة عمليات حلب عن انطلاق المرحلة الثانية من المعركة أمام النظام في حلب، والتي أطلق عليها نشطاء “ملحمة حلب الكبرى”، والتي تهدف لفك الحصار عن المدينة وتحرير أجزاء واسعة من المناطق التي يسيطر عليها النظام.

دعم شعبي للمعركة

جابت التظاهرات الشعبية الأحياء المحررة من مدينة حلب، بعد الإعلان عن بدء معركة فك الحصار، دعمًا لكتائب المعارضة المسلحة، وسط التكبيرات والهتافات التي حيا فيها المتظاهرون الثوار جراء الإعلان عن الانتصارات المتتالية وتحرير العديد من المواقع الاستراتيجية.

هذا وقد خرجت تظاهرة كبيرة من حي بستان القصر جابت أحياء الكلاسة والسكري والمرجة وصولًا إلى حي الشعار، ورفع الآذان في جميع مساجد الأحياء المحررة، وسط تكبيرات الأهالي.

وشوهد الدخان الأسود الكثيف ينبعث من كل بقعة في المدينة، بهدف تضليل الطيران الحربي الذي يحوم فوقها، وقد قام بهذه المهمة وتولاها مجموعة من أطفال المدينة بإشعال الإطارات المطاطية في مناطقهم للتشويش على الطائرات عن طريق إحداث دخان كثيف للتخفيف من حدة الغارات الانتقامية.

وفي الوقت الذي تحقق فيه المعارضة المسلحة تقدمًا على عدة جبهات في الريف الجنوبي من مدينة حلب، حاولت الطائرات الروسية التخفيف عن النظام والضغط على مقاتلي المعارضة عبر قصف الأحياء السكنية في المدينة، ما أوقع عشرات القتلة والجرحى في صفوف المدنيين.

وعلى صعيد آخر شهدت المعركة الأخيرة لفك الحصار عن أحياء حلب المحررة دعمًا إعلاميًا قويًا على صفحت مواقع التواصل الاجتماعي بنشر أخبار تقدم كتائب المعارضة المسلحة، والمؤازة عن طريق فضح استهداف النظام للمدنيين ردًا على إخفاقه في المعارك العسكرية أمام المعارضة.

حيث اعتبر الكثير أن هذه المعركة هي دفاعًا عن آخر معاقل الثورة السورية التي شهدت فترات متقلبة بين التقدم والتقهقر على مدار أكثر من خمس سنوات، إلا أن تقدم المعارضة هذه المرة فتح الأمل أمام الثورة للصمود مرة أخرى أمام الآلة العسكرية النظامية والروسية.

هل دعمت قوى إقليمية التقدم الاستراتيجي الأخير للمعارضة؟

دائمًأ ما كانت المتغيرات على الأرض في الثورة السورية مرتهنة بتحولات إقليمية مجاورة، وهو ما طرح تساؤلات عن إمكانية وجود دعم إقليمي من بعض الدول لتحركات المعارضة الأخيرة على الأرض للزود عن آخر معاقل الثورة السورية.

لا توجد إشارات أو دلالات قوية حتى الآن على ذلك الأمر، ولكنه من غير المستبعد في الفترة القادمة أن يشجع تقدم ثوار سوريا على الأرض بعض القوى الإقليمية للرهان مجددًا على خيار المقاومة المسلحة أمام نظام الأسد الذي كاد أن يقترب من حسم الصراع لصالحه خاصة مع التواطؤ الأمريكي الروسي أمام المجازر التي تحدث بحق المدنيين على يد الآلة العسكرية النظامية بمليشياتها والروسية أيضًا، بهدف تركيع حلب أيًا كان هذا الثمن.

في حين يمكن تحليل هذا التقدم الأخير للمعارضة في إطار استراتيجية “الهجوم خير وسيلة للدفاع” بعد أن حوصرت قوات المعارضة السورية من أكثر من جانب، قررت أن تشعل الجبهات كلها في وقت واحد دفاعًا عن أحياء حلب الشرقية المحاصرة، ومن ثم الهجوم على مناطق النظام لإجباره على التراجع خطوات إلى الخلف من شأنها أن تفك الحصار عن المدنيين، وتعيد طرق الإمداد الاستراتيجية إلى سيطرة المعارضة.

شاركنا برأيك: