أيام قليلة وتنطلق دورة الألعاب الأوليمبية الصيفية لعام 2016 في نسختها الحادية والثلاثين، بمدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، والمقرر لها في الفترة من 5 – 21 أغسطس الجاري، بمشاركة 205 دولة من مختلف أنحاء العالم، وبحضور عشرات الآلاف من المشاهدين واللاعبين، مما يضع القائمين على أمن المدينة البرازيلية المزدحمة في تحد خطير حيال قدرتهم على تأمين هذه الدورة والخروج منها بسلام.
التحديات الأمنية التي واجهت الدول المستضيفة لمثل هذه البطولات، كان آخرها فرنسا والتي شهدت بعض المناوشات الجماهيرية خلال بطولة يورو 2016، فضلاً عن التوترات الأمنية التي شهدتها بعض دول العالم في الأشهر القليلة الماضية، إضافة إلى ما تعانيه المدينة المستضيفة للأوليمبياد هذا العام من تزايد في معدلات الجريمة وزيادة السخط الشعبي، يضع العديد من علامات الاستفهام حول قدرة المنظومة الشرطية والعسكرية البرازيلية في الخروج بهذا المحفل الرياضي العالمي لبر الأمان، فهل تنجح البرازيل في الاختبار؟
أوليمبياد ريو 2016
دورة الألعاب الأوليمبية أو ما يطلق عليها “الأوليمبياد” هو حدث رياضي عالمي، يشمل الألعاب الرياضية الصيفية والشتوية، يشارك فيه الرياضيون من كلا الجنسين في المنافسات المختلفة، ممثلين عن دولهم، وقد أقيمت الألعاب الأوليمبية القديمة في مدينة أوليمبيا في اليونان من القرن الثامن قبل الميلاد وحتى القرن الخامس الميلادي، وقد أسس البارون بيير دي كوبرتان اللجنة الأوليمبية الدولية في سنة 1894م عبر الكونغرس الأوليمبي، ومنذ ذلك الحين أصبحت هذه اللجنة الهيئة الحاكمة للحركة الأوليمبية، ويحدد هيكلتها وإجراءاتها الميثاق الأوليمبي.
تنظم هذه الدورة كل عامين في السنوات الزوجية، بتناوب الألعاب الصيفية والشتوية بعد أن كانت تقام كلتا المسابقتين في نفس السنة حتى سنة 1992 (على سبيل المثال أقيمت الألعاب الأوليمبية الشتوية 1994 والألعاب الأوليمبية الصيفية سنة 1996، ثم أقيمت الألعاب الأوليمبية الشتوية سنة 1998، ثم الألعاب الأوليمبية الصيفية سنة 2000)، وقد توقفت في فترة الحرب العالمية الأولى وكذلك في فترة الحرب العالمية الثانية.
تعد دورة الألعاب الأوليمبية الصيفية 2016 هي النسخة رقم 31 لهذه البطولة العالمية، والتي ستعقد في مدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل، في الفترة من 5 – 21 أغسطس الجاري، بمشاركة ما يقرب من 12500 رياضي في مختلف الألعاب، من حوالي 205 دولة من مختلف دول العالم، وتعد مشاركة دولتي كوسوفو وجنوب السودان هي الأولى لهما في هذه البطولة.
وجاء اختيار ريو دي جانيرو لإقامة الأوليمبياد هذا العام خلال الدورة الأوليمبية التي عقدت في كوبنهاجن بالدنمارك في 2009، بعد منافسة شرسة مع عدة مدن منها: مدريد، وشيكاغو، وطوكيو، لتصبح ثاني مدينة في أمريكا اللاتينية تستضيف دورة الألعاب الأوليمبية الصيفية بعد مكسيكو سيتي والتي استضفتها في عام 1968، والأولى منذ 2000 التي ستعقد في نصف الكرة الجنوبي.
وكشفت عدة تقارير تناولت تكلفة إقامة هذه البطولة العالمية، عن أن الميزانية الفعلية التي تحملتها البرازيل استعدادًا لإقامة أوليمبياد هذا العام تراوحت بين 11.5-12 مليار يورو، حيث نشرت وكالة “فرانس برس”، على حسابها الرسمي على شبكة التواصل الاجتماعي “تويتر”، تفاصيل تكاليف الدورة الصيفية.
وقالت الوكالة إن تكلفة الأشغال العامة في المناطق الحضرية وقطاع النقل ستصل إلى 6.7 مليار يورو، في حين أن تكاليف الأمور التنظيمية تبلغ 2 مليار يورو، بينما ستصرف البرازيل على بناء وتطوير المباني والملاعب الرياضية 1.9 مليار يورو، فيما ستصل تكاليف الأمن والإجراءات الأمنية ما يقارب 800 مليون يورو.
تكلفة دورة الالعاب الاولمبية #ريو_2016#افب #البرازيل pic.twitter.com/34JIJQF6OT
— فرانس برس بالعربية (@AFPar) July 30, 2016
ريو دي جانيرو على صفيح ساخن
حالة من القلق تسود أوساط الشارع الرياضي والأمني البرازيلي قبيل انطلاق الأوليمبياد، حيث شهدت المدينة المستضيفة حزمة من الأحداث والجرائم والإضرابات تهدد إقامة البطولة، وتضعها في مهب الريح، بما يمثل كارثة بكل المقاييس على كافة الأصعدة.
خلال الأسابيع الماضية شهدت مدينة ريو دي جانيرو عشرات الإضرابات نتيجة تأخر صرف الرواتب لاسيما في الجامعات والمستشفيات، نتيجة استنزاف موارد الدولة لصالح الإنفاق على المنشآت الرياضية والاستعدادات الخاصة لإقامة البطولة العالمية، وهو ما اعتبره البعض “كارثة”، مؤكدين أن حكومة ريو دي جانيرو أوشكت على الإفلاس بما يهدد حياة المواطنين بها.
وتعاني البرازيل في الآونة الأخيرة واحدة من أسوأ فترات الكساد الاقتصادي في تاريخها، وهو ما يعني تراجع حجم العائدات الضريبية، فضلاً عن تراجع عائدات النفط بشكل هائل، وهو ما دفع سلطات الولاية لإعلان حالة الطوارئ المالية، والإلحاح في مطالبة الحكومة الاتحادية بتقديم مساعدات تبلغ 2.9 مليار ريال برازيلي (900 مليون دولار) إلى الولاية، ورغم هذا، لم يتضح بعد بشكل تام إذا كان هذا كافيًا لسداد كافة الرواتب المتأخرة لعشرات الآلاف من الموظفين والعاملين في القطاع العام، كما أن جزءًا من هذا التمويل سيوجه إلى الأعمال المتبقية في خط المترو.
فرانسيسكو دورنيليز حاكم ولاية ريو دي جانيرو قبل عدة أيام أثار موجة من الجدل عندما صرح لإحدى الصحف المحلية البرازيلية قائلاً: “نستطيع استضافة دورة ألعاب مثيرة، لكن الأوليمبياد سيكون إخفاقًا هائلاً إذا لم نتخذ بعض الخطوات”، ويظل الإنفاق على الشرطة أحد أبرز المعضلات التي تواجه سلطات المدينة، وهو ما أكد عليه حاكم المدينة بقوله: “إن سلطات الولاية يمكنها فقط سداد قيمة الوقود الذي تستهلكه سيارات الشرطة حتى نهاية الأسبوع، وتبلغ ميزانية تأمين الولاية 940 مليون ريال (290 مليون دولار) شهريًا، لكن هذا المبلغ سيقفز بشكل هائل خلال فترة الأوليمبياد.
البرازيليون متفائلون
عبر البرازيليون عامة وسكان مدينة ريو بصفة خاصة عن أمانيهم في نجاح استضافة بلادهم للبطولة، والخروج بمظهر مشرف يساهم بشكل كبير في تحسين صورة بلادهم في الخارج، حيث أظهرت نتائج إحدى الدراسات التي أجرتها مؤسستان غير حكومتين، أن 61% من سكان مدينة ريو دي جانيرو يثقون في أن دورة الألعاب الأوليمبية ستحقق نجاحًا كبيرًا، وطبقًا لاستطلاع الرأي، ترى نسبة مماثلة من سكان ولاية ريو ككل أن الدورة الأوليمبية ستأتي بنتائج طيبة على الاقتصاد البرازيلي والبرازيليين بصورة عامة.
هل ينجح الأمن في الاختبار؟
بالرغم من تصريحات مسؤولي الأمن البرازيلي بشأن قدرتهم على تأمين الأوليمبياد بصورة جيدة، واطمئنانهم للإجراءات الأمنية المتبعة للتعامل مع مجريات البطولة، إلا أن القراءة السريعة لبعض الأحداث والجرائم التي وقعت مؤخرًا في المدينة المستضيفة تضع العديد من علامات الاستفهام حول مدى صحة هذه التصريحات.
ففي الوقت الذي خرج فيه حاكم ولاية “ريو” لطمأنة العالم بسلامة الإجراءات الأمنية، كان رجال الشرطة ينبشون جثة مقطوعة الأوصال دفنت على الشاطئ الأوليمبي المخصص لمسابقة كرة الطائرة الشاطئية في الألعاب الاولمبية، كما أن تصريحات اطمئنان رجل الشرطة لسير الأحدث تتعارض مع خسارة حوالي 50 منهم هذا العام، فضلا عن لجوء البعض الآخر للتظاهر من أجل زيادة مخصصاتهم المالية، فكيف يقومون بمهامهم دون الحصول على رواتبهم؟
التقارير الأمنية تشير إلى أن الولاية شهدت خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام 2083 جريمة قتل، بزيادة قدرها 14% عن العام الماضي خلال الفترة الزمنية ذاتها، كما ارتفعت بكثرة عمليات السلب والنهب والخطف.
ومن المضحكات المبكيات في هذا الشأن، سرقة شاحنة مليئة بمعدات تصل قيمتها إلى 400 ألف دولار تم استيرادها إلى البرازيل من قبل تلفزيون ألماني من أجل نقل الألعاب الأوليمبية، لكن المسؤولين حافظوا على ماء الوجه بعدما تمكنوا من إيجادها واسترجاعها مرة أخرى بعدما تم نشر الخبر في جميع وسائل الإعلام بما يعكس حالة من الفوضى الأمنية.
أضف إلى ذلك نشاط العصابات وتجار المخدرات والمسلحين في مختلف مناطق المدينة المستضيفة، في ظل تراجع دور جهاز الشرطة عن أداء واجبه جراء حالة السخط المسيطرة عليه لعدم تقاضيه راتبه.
وبالرغم من حيادية السياسة الخارجية البرازيلية حيال القضايا الدولية الحساسة، إلا أن استضافة حدث بحجم الأوليمبياد يضم ما يقرب من نصف مليون أجنبي من مختلف دول العالم، ومنها الدول المعادية لتنظيم الدولة الإرهابي “داعش” يجعل منه وجبة دسمة سهلة للعمليات الإرهابية الانتقامية، وهو ما يمثل عبئًا إضافيًا على القائمين على أمور الدولة في البرازيل، خاصة وأن الاستخبارات البرازيلية كشفت يونيو الماضي عن رسائل تهديديه باللغة البرتغالية من قبل “داعش” تتوعد فيها بعمليات إرهابية، ولا يتعلق الأمر بالدلائل وحسب، بل التهديد كان واضحًا بعد اعتداءات باريس في نوفمبر الماضي، حيث إن أحد المتطرفين الفرنسيين غرد على تويتر بأن البرازيل هي “الهدف التالي”.
فبعد ساعات قليلة تنطلق فعاليات أكبر بطولات العالم، فهل تنجح البرازيل في فرض كلمتها وتأمين البطولة بصورة جيدة والخروج بمظهر مشرف أمام الجميع، بما يحقق أحلام وطموحات البرازيليين، أم سيكون للتنظيمات الإرهابية رأي آخر؟