مرت 4 سنوات كاملة منذ أن تولى الرئيس السابق محمد مرسي رئاسة الجمهورية المصرية، قضى من تلك الفترة 3 سنوات في محبسه بعد عزله على يد وزير دفاعه عبدالفتاح السيسي بانقلاب عسكري في 3 يوليو 2013، بعد أن قضى عامًا واحدًا لا غير من فترته الرئاسية.
عقب هذا الانقلاب اعتقل كافة من طالته يد أمن النظام المصري من مساعدي الرئيس السابق مرسي ومستشاريه ووزراء حكومته، وكل من عمل معه من قريب أو بعيد لفقت له تهمًا يُحاكم على أساسها حتى الآن بعضهم استطاع أن ينجو من الاعتقال بخروجه من مصر، والبعض الآخر أفرج عنه في ظروف غامضه، لم يتحدث بعدها كثيرًا.
وفي ظل 3 سنوات لم يسمع المصريون سوى رواية النظام الوليد بعد الانقلاب عما حدث بالضبط خلال عام من رئاسة مرسي وحتى عزله بانقلاب عسكري، وكذلك رواية بعض المنتسبين إلى التيار المدني المصري المشاركين في تحركات عزل مرسي مع السلطة العسكرية، تلك الروايات التي لم تختلف كثيرًا عن رواية الجيش في محاولة تبرير القيام بانقلاب عسكري على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر الحديثة.
وعلى الجانب الآخر كانت هناك رواية حملها بعض قيادات جماعة الإخوان المسلمين في مجملها رواية تبريرية لنزع أي اتهامات بالفشل أو الأخطاء من جانب مؤسسة الرئاسة أو داعيمها في هذه الفترة، دون أن تحمل حقائق أو وقائع بعينها، مع اتخاذ حجة اعتقال الرئيس وغالبية فريقه الرئاسي ذريعة لتغييب تاريخ تلك الفترة.
لكن ما هو مؤكد من توالي الأحداث أن ثمة من هو خارج سجون النظام ويحمل تلك (بعض أو كثير) من الحقائق المغيبة ولكنه يخفيها لأسباب مختلفة، ويظهر بعضها حينًا في مواقف ومناسبات عدة لأسباب غير معروفة أيضًا.
أحداث تنكأ الجرح
تمر مناسبات وأحداث تفتح هذا الملف باستمرار، الصندوق الأسود لهذا العام المتلاحق في أحداثه الذي انتهى بانقلاب عسكري أعقبته مجازر دموية من قبل سلطة الانقلاب بحق مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي الرافضين لعزله من قبل الجيش.
من بين تلك الأحداث الذكريات السنوية للانقلاب العسكري وكذلك الذكريات السنوية للمجازر التي تلته، حتى الأحداث الإقليمية باتت سببًا في إثارة الأمر كل حين، وآخرها المحاولة الانقلابية الفاشلة التي وقعت في تركيا ضد حكومة حزب العدالة والتنمية المنتخبة، وهو ما جعل البعض يسترجع في أذهانه انقلاب مصر، ويُقارن بين الأوضاع هنا وهناك.
وبعيدًا عن مدى صحة هذه المقارنات إلا أنها أحدثت دويًا في صفوف رافضي الانقلاب العسكري في مصر، من حيث دلالات الأحداث وخطوات المواجهة وما كان ينبغي أن يكون أو لا يكون.
لتخرج بعض الشخصيات الإعلامية والسياسية التي كانت مقربة من دوائر جماعة الإخوان المسلمين في وقت ما تلقي بشهادات غير معلومة المصدر عن وقائع ومقابلات سبقت الانقلاب العسكري في مصر بطلها الرئيس السابق مرسي وبعض الشخصيات الإقليمية التي لم تسمها تلك الشهادات.
استنتج البعض من هذه الشهادات إدانات للرئيس السابق تارة بالسذاجة وتارة بعدم امتلاك الشفافية وغيرها من التهم التي ضجت بها وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيدي المعسكر الواحد الرافض للانقلاب، وعلى جانب آخر أخذ اتجاه يُكذب هذه الوقائع وينفيها جملة وتفصيلًا، دون أن يتحدث أحد من أصحاب الشأن حملة الصندوق الأسود.
الصامتون يتكلمون
وعلى غير المعتاد خرج المتحدث السابق باسم الرئاسة المصرية في عهد الرئيس السابق محمد مرسي وهو الدكتور ياسر علي لينفي وقائع نشرها الإعلامي أحمد منصور في سلسلة مقالات عن تحذير من انقلاب عسكري من قبل شخصية سياسية إقليمية لم يأبه له مرسي.
نشر ياسر علي في حوار له شهادة جديدة عما حدث قبيل الانقلاب العسكري، بالإضافة إلى رؤية الرئيس السابق مرسي لإدارة العلاقات المدنية العسكرية بين الجيش والسلطة المنتخبة حينها، وبعيدًا عن مضمون ما صرح به الدكتور ياسر علي، والذي لم يقنع قطاعًا من رافضي الانقلاب، إلا أنه يثير جملة من الأسئلة عن الأسباب التي تدفعه للحديث بعد عام كامل من الصمت بعد خروجه من الاعتقال.
فإذا كان الدكتور ياسر علي محظورًا عليه الحديث من قبل أجهزة أمن النظام المصري، فلماذا خرج فجأة ليبرأ ساحة مرسي فقط من تهمة السذاجة، وهل زال الحظر مرة واحدة، أم أنه صمت اختياري.
هذه الأسئلة ربما لن توجه إلى ياسر علي وحده بل إلى كل فرد من مستشاري الرئيس وفريقه المعاون الذين خرجوا من مصر أو أُطلق سراحهم، والإجابة عليها فرضٌ لكي لا يُهدر حق الرأي العام والأجيال القادمة في معرفة أوجه التاريخ المختلفة، ويترك لهم حق قبول تلك الرواية ورد غيرها، أما مسألة احتكار المعلومات التي لدى الأفراد بحكم شغلهم مناصب عامة لدواعي أيديولوجية أو غيرها فهو يعد قمة الخيانة لأي تجربة أو ثورة.
أما عن إشكالية فرض الصمت عليهم من قبل السلطة فعليهم أن يحددوها هم –والحديث لمن هم داخل مصر تحديدًا- فإما أن يصمتوا تمامًا تحت هذه الذريعة التي ربما تكون مقبولة، أو أن يكفوا عن الظهور في المواقف التبريرية فقط التي تكون رد فعل على شهادة مضادة ليس إلا، فإما أن يعطوا شهادة موثقة متكاملة لأحداث هذه الفترة أو أن يترفعوا عن نشر أنصاف الحقائق والمواقف والمعلومات بدون أي داعي سوى تبييض الساحات والوجوه.
وعلى صعيد الصامتين في الخارج الذين يتعاملون بنفس هذه الاستراتيجية أيضًا، في إظهار المعلومات فقط عند الحاجة التي يحددونها، وغالبًا ما تكون على نفس وتيرة نفض الأيدي، فعليهم أن يعلموا أن قرار الصمت والحديث ليس قرارًا شخصيًا يعود إليهم، بل هو حق الرأي العام والأمة والثورة التي لا زال البعض يلوكها بلسانه.
لا أعتقد أن يرى أحدهم التاريخ وهو يزور أمام عينه، ولا زال ضميره مستكينًا بما يخفيه من وقائع ومعلومات، ولو كان كذلك فهي مشاركة متعمدة أو غير متعمدة في تزوير هذه الحقائق، لا يُعفي من مسؤولياتها حسن نية أو طيب خاطر.
إن النظام المصري الحالي يكتب تاريخ هذه الحقبة بأقلامه المشبوهة –شئنا أم أبينا- فإما أن نواجه الأجيال والتاريخ بروايات أخرى أو نصمت إلى الأبد.