نون بوست : ترتيب البيت السني العراقي وإعادة إحياءه ، واحدة من أهم مطالب الحراك الشعبي في العراق ، فما المقصود بالبيت السني ؟
الدكتور منير العبيدي : هو تلك المنظومة التي تتكامل مع بعضها البعض لرعاية المكون السني في العراق والتنسيق بين مواقف أفراده وهيئاته وأحزابه لرفع الظلم المتكرر عليه ، ولإيقاف التجاوز على حقوقه والتهميش والإقصاء الذي يمارس ضده ناهيك عن الجرائم التي ترتكب بحقه مثل التهجير القسري والتمييز الطائفي وصولا الى التصفية الجسدية والإعدامات غير القانونية.
وتتكون المنظومة من أركان اربعة :
الاول : الجماهير.
الثاني : الجهة الشرعية الإفتائية .
الثالث : قوة الحماية .
الرابع : سياسي السنة وممثليهم في البرلمان والحكومة.
نون بوست : البعض يعد هذا الخطاب طرحا طائفيا يرفضه بعض السنة قبل الشيعة ، كيف تبررون ذلك ؟
الدكتور منير العبيدي : للاسف لا يعرف العراقيون معنى الطائفية ..وهذا بالاخص بالنسبة للسنة…فعندما كون الشيعة بيتهم ورتبوا أوراقهم لم يصفهم أحد بكونهم طائفيون ، وحتى الإخوة الكرد عندما شكلوا تحالفهم الكردستاني لم يصفهم أحد بأنهم طائفيون وعندما جاء الدور على السنة لبناء بيتهم وتقوية موقفهم إرتفعت الأصوات لتصفهم بالطائفية…
الطائفية هي التجاوز على حقوق الأخرين..ونحن كسنة في العراق لا نريد ان نتجاوز على شركائنا في البلد من الشيعة او الكورد او التركمان او غيرهم…واما المتجاوز فهو الطائفي الحقيقي وإن إدعى الوطنية…لذلك وصفنا حكومة المالكي بأنها ظالمة وطائفية بإمتياز…وأصبح التجاوز والجور صفة لها وبالاخص اذا تعلق الأمر بالعرب السنة.
نون بوست : توقيت طرح هذا المشروع جاء بعد عشر سنوات من إحتلال العراق ، كيف تفسرون ذلك ؟
الدكتور منير العبيدي : قبل أيام كنت في لقاء تلفزيوني..قال لي مقدم البرنامج يادكتور …أنا أستحي أن أقول أنا سني…هنا المشكلة..
تحول العراق بعد 2003 من دولة مواطنة وإن كانت ظالمة الى دولة مكونات ، فالشيعة مواطنون من الدرجة الأولى!
والكورد مواطنون درجة اولى في اقليمهم!
اما العرب السنة فهم مواطنون من الدرجة الرابعة أو الخامسة .
السنة بالذات استهدفوا في هذه العشر سنوات العجاف لانهم سنة ولم يصدقوا ذلك في بداية الأمر.. والان يبدو ان القناعات بدأت بالتغير شيئا فشيئا لشدة ماوقع على رأسهم من مصائب وجرائم تشيب لها الولدان ، وأيقنوا بضخامة المشروع الإيراني الزاحف عليهم وعلى بلدهم العراق ..فكان هذا المشروع المبارك العملاق لنصرة اهل السنة وتقويتهم ليحل التعايش بين مكونات العراق ، فلا تعايش بين قوي وضعيف ، فلذلك إعتبر الحراك الشعبي أن قمة الوطنية في تقوية العرب السنة في العراق فهم بيضة القبان لإشتراكهم مع الشيعة بالعروبة ومع الكورد بالسنية..
نون بوست : ألم تكن المقاومة المسلحة السنية ضد الإحتلال الأمريكي تمثل مشروعا قويا للسنة العرب ؟
الدكتور منير العبيدي : لقد بدأ العرب السنة قتال المحتل الأمريكي قبل ان يرسموا مشروعا للقتال….وكانت المقاومة سنية بإمتياز..فالشيعة لم يقاتلوا للفتوى المشهورة التي أطلقها مرجعهم السيستاني بعدم جواز مقاتلة الأمريكان وإعطائهم فرصة…وكذا الإخوة الكورد لم يقاتلوا ، فإنبرى العرب السنة لقتال الأمريكان وأروا الله في أنفسهم باسا وصبرا عجيبا .. ولم يتفاوضوا مع المحتل وفاوض بدلا عنهم الشيعة والحكومة فاستلموا مقاليد الامور في العراق ، وأذاقوا أهل السنة الويل والثبور ، ورغم كل التضحيات الجسام فان المستفيد من الموقف هي الحكومة والمشروع الايراني.
نون بوست : تتهمون الجهد السياسي السني وجهد المقاومة خلال الأعوام الماضية بأنه يصب في سلة ايران ! كيف ذلك ؟
الدكتور منير العبيدي : نحن لا نتهم أحدا من المخلصين الذين عملوا بجد لخلاص أهلهم ، سواء من إختار منهم الجهد المسلح أو الجهد السياسي وفي كل خير وتضحيات جسام.
ولكن للأسف كل فريق كان يرى الخلاص بيده وجهده والأخر من نافلة القول ، وهذا غير صحيح ، فاحدهما يقوي ويكمل الاخر ونحن نبرأ من التخوين والتسقيط للعاملين في الساحة السنية ، رغم أننا نعرف ان هناك من باع القضية السنية وأهله في العراق راغبا أو راهبا ، ولا عذر لهؤلاء ابدا.
ولكن أقول ينبغي ان يستثمر القتال بتقوية موقف السياسي ، والسياسي يتقوى بضربات المقاتل ، ولكن هذا لم يحصل للأسف ، وإنما تبادر التشكيك والتخوين عند الطرفين والله يثيب الجميع كل على قدر نيته .
نحن في الحراك لا نعتقد أننا نستطيع خلاص أهلنا بمفردنا لأن اليات ومقومات الخلاص ليست متوفرة لحد الأن وتحتاج الى جهد كبير فبموقف جمهورنا الضاغط بإستمرار مع حكمة ومراقبة علمائنا ومرجعيتنا الشرعية ،ومع سلاح يحمينا نسند ونقوم من يمثلنا من السياسيين السنة لإكمال بيتنا السني المتراص…وبتكاتف الجميع مع توفيق من الله تعالى أولا وأخرا ننجو إن شاء الله .
نون بوست : هناك دعوات كثيرة وأصوات عالية داخل الحراك تنادي وتصرخ بإقامة “الاقليم السني” فهل البيت السني يعني الاقليم؟
الدكتور منير العبيدي : أعتقد إنه بغير ترتيب أوراق السنة وتقوية أواصر وأركان بيتهم فلن ننجو حتى بالاقليم.
رغم ان الاقليم خطوة مهمة ومهمة جدا في أن تنحاز في مكان تستطيع فيه أن تلتقط أنفاسك لتكون نفسك وتتغلغل جذورك في الأرض شيئا فشيئا ، لان المقابل مشروعه إستئصالك وإنهائك وإزاحتك عن الأرض ، وهذه عقيدة عند الخصم للأسف رغم إنهم شركائك في البلد ، وهم أدوات في مشروع إيراني كبير سيكون شيعة العراق للأسف حطبه وهم لا يعلمون ، ايران والحكومة لا يريدون للسنة اقليم لانهم يريدون بلع العراق بأجمعه .
نون بوست : ماذا يمثل الحراك في هذا البيت السني ؟
الدكتور منير العبيدي : الحراك الشعبي في العراق يمثل الركن الركين وحجر الأساس في البيت السني ، فهو صاحب المشروع وهو الذي سينطلق بعون الله في بناءه ورفع أركانه بهمة الشباب وإسناد المد الجماهيري .
وهذه السنة الأولى من الحراك المبارك قد غيرت كثيرا في قناعات المكون السني في العراق ورغم المخاض الصعب الذي يمر به أهل السنة في محافظاتهم الست المنتفضة ، فهو والله خير ، لان الأزمة كلما اشتدت قاربت على الإنفراج…وقد ولد رجال الحراك الشجعان الذين لا يباعون بالمال ولا يبخلون بتضحية مهما كانت عزيزة لخلاص اهلهم.
وقد حصل تغير كبير في قناعات الجمهور ، فبعد ان يأس من السياسيين ومن المقاومين ومن المصلحين ومن العلماء والاكادميين ، خرج الجمهور بنفسه بصدور عارية وبحراك منضبط وحضاري أمام حكومة ظالمة وطائفية الى أبعد درجات الإجرام وإنتهاك حقوق الانسان ، وكما هو معلوم فان أسوء أنواع الديكتاتورية عندما تكون معها طائفية ، وأعتقد ان الجمهور لن يرجع عن حقوقه وقد تتغير وسائل المطالبة ولكنه لن يهدأ ، فالتغيير قادم بأذن الله.
نون بوست : تؤكدون على ان تقوية البيت السني هو ضمان للوحدة الوطنية ، كيف نفهم ذلك ؟
الدكتور منير العبيدي : التعايش لا يكون بين قوي وضعيف ، وما دام أهل السنة في العراق خطط لهم المحتل وأعوانه من ايران والحكومة أن يبقى ضعيفا ذليلا فلن يهدأ العراق.
لان القوي يأكل الضعيف في بلد يسير بشريعة الغاب ، وقد قلنا إن العرب السنة أهل البلد الأصليين ، بيضة القبان في المعادلة العراقية ، فهم يشتركون مع الشيعة كونهم عربا ويشتركون مع الكورد والتركمان كونهم سنة ، فهم القاسم المشترك بين كل العراقيين ، وإن يضطهد هؤلاء ويستباحوا بهذه الطريقة فلن تكون هناك وحدة وطنية بل لن يكون هناك عراق أصلا.
فبإستمرار نهج الحكومة ومليشياتها الإجرامية فالبلد يسير الى الاقتتال الطائفي..ثم الى حدود الدم ثم التقسيم ، ونكون بذلك عبرنا حتى خطوة الاقليم وهذا هو مشروع بايدن ذاته ، فأقول لبعض من ينادي بالوطنية ليس شرطا أن تكون عميلا لخدمة العدو بل يكفي أن تكون غبيا .
نون بوست : كيف تحافظون على الزخم الجماهيري في دعم الحراك والبيت السني ؟ وهل تعتقدون أن جمهور أهل السنة سيكون حاضنة مناسبة لهذا البيت ؟
الدكتور منير العبيدي : أعتقد ان الجمهور السني أدى دوره وزيادة ، فهو بقى ثابتا قرابة العام رغم إجرام الحكومة وملشياتها.
والجمهور السني وثق بالحراك وقياداته الشجاعة وهو يطالبها بمشروع خلاص ، ونحن سنطرح مشروعنا عليهم وأعتقد أنهم سيدعموننا ويكونون حاضنة لمشروعنا.
ونحن في بغداد رأينا تفاعل الجمهور مع حملة عراق الفاروق ، وتفاعل الجمهور بعد إستشهاد بطل الغزالية الشيخ قاسم المشهداني ، يعني أن الجمهور متحفز لأي طارئ ، وهذه حالة إيجابية على مستوى الجمهور السني.
نون بوست : في ظل تضارب الفتاوى بشأن الإنتخابات داخل الجسد السني ، كيف تنظرون لهذا الامر ؟
الدكتور منير العبيدي : وضع العراق معقد عموما ، ووضع السنة فيه أشد تعقيدا ، فلا يقبل بعد اليوم الفتوى الفردية لعالم مهما علا كعبه في العلم الشرعي وخصوصا في قضايا السياسة الشرعية التي تتقاطع فيها المصالح والمفاسد بشكل محير .
ونحن في الحراك ندعم مؤسسة الإفتاء الجماعي المتمثلة بالمجمع الفقهي العراقي مع إحترامنا وإجلالنا لكل علمائنا في الخارج.
اما الإنسحاب عن الحياة السياسية بعدم المشاركة في الإنتخابات العامة خطأ كارثي يزيد أهل السنة ضعفا الى ضعفهم ، الا في حالة مقاطعة السنة عامة للمشاركة فتفشل الإنتخابات وتكون الحكومة ناقصة التمثيل ، وهذا شيء رائع ولكنه صعب التحقيق في ظل شراء المالكي لكثير من العملاء والأذناب في الوسط السني .
ونحن نعترف ان العملية السياسية ركبت بشكل مقصود لإضعاف السنة بطريقة غير شريفة تواطئ فيها شركاءنا في البلد مع المحتل بمباركة إيرانية ، وظلم فاحش للعرب السنة في المقاعد والتمثيل ، ورغم ذلك فنرى الخلاص بعدم الإنسحاب من أي مرفق من مرافق الحياة .
ونحن مع المجمع الفقهي في تشجيع الناس على المشاركة لإختيار النزيه والشجاع في خطوة اولى لإختيار فرسان السياسة.
والحراك الممثل الشرعي والقانوني والناطق بصوت مرتفع بحقوق سنة العراق فليس من المعقول أن ينسحب من أية فقرة تتعلق بتقوية أو إضعاف السنة في العراق.
وخطوة مهمة مثل البرلمان العراقي ليس من المنطق ان ينعزل الحراك الشعبي عنها ، ولكنها عملية مريضة وضعت على اسس عوجاء ورتبت بحيث يكون الخاسر فيها العرب السنة ، وهذا ما نرفضه بدءا بتوزيع المقاعد على المحافظات بصورة مغلوطة بلا تعداد سكاني حقيقي الى تركيبة المفوضية اللامستقلة للإنتخابات الى توزيع صناديق الإنتخاب على المناطق والإنحياز الطائفي فيها الى الإنتخاب الخاص لقوى الأمن والجيش الى مشاكل عويصة في مجمل العملية.
نون بوست : بناءً على هذا التصور للمشاركة في الإنتخابات ، فهل سترشحون رموز الحراك السني أم ستدعمون مرشحين أخرين ؟
الدكتور منير العبيدي : إتفق مجلس شورى الحراك الشعبي الا يشارك بالإنتخابات البرلمانية بقياداته او ناطيقه ، وإنما يدفع المخلص والنزيه ممن ينادي بمظلومية أهلنا ووقف معنا في حراكنا المبارك ونعتقد فيه الصلح والشجاعة.
نون بوست : المجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء للدعوة والإفتاء والذي تعدوه الركن الثاني لمشروع البيت السني هل له رصيد في الأرض فعلا ؟
الدكتور منير العبيدي : قبل عام تقريبا تأسس المجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء وتم التصويت عليه في مجلس النواب كمرجعية شرعية لسنة العراق لتطوى مساحة الإفتاء الفردي لصالح الإفتاء الجماعي الذي يسير العالم بأجمعه بإتجاهه ، ورغم أن العام فترة قليلة في عمر المؤسسات ، الا أن المجمع خطى بخطوات جريئة وواقعية مثل فتواه بشرعية نظام الاقاليم ، وقراره بغلق مساجد العاصمة بغداد ، والمجمع سار بخطوات واثقة نحو الرقي والإزدهار ، ونحن في الحراك نبارك خطوات المجمع وندعمه ونسير خلفه .
نون بوست : الا يعد الركن الثالث للبيت السني (قوة الحماية والسلاح) هو دعوة لإقامة مليشيات سنية على غرار المليشيات الشيعية التي يتم توجيه الإتهام لها من قبلكم بالقتل وأحداث الفوضى في العراق ؟
الدكتور منير العبيدي : لا بد لأهل السنة في العراق من سلاح يحميهم ، وللإسف الجيش والشرطة غير أمينة على أرواح السنة في العراق لإنها مخترقة بشكل كبير من الطائفيين والمليشيات.
ونحن ننصح أهل السنة بالذهاب الى السلاح الرسمي المرخص لحمايتهم ، أقصد حرس الاقليم وشرطة الاقليم ، أي ينحاز سنة العراق باقليم يحفظ بيضتهم ودينهم وأرواحهم ، وهذا ما كفله الدستور لهم.
أما طريق السلاح غير المرخص هو الطريق الشائك الذي لا نتمناه لانه يفتح الباب للحرب الأهلية ، لكن الحكومة الطائفية الظالمة تدفع اهل السنة دفعا لهذا الخيار المر بإستمرار إستهدافها للعرب السنة وتصفية رموزهم الدينية والسياسية والجماهيرية على حد سواء ، مع التهجير القسري لهم وحرق الارض تحت أقدامهم وصولا الى حرب غير متكافئة يخسر فيها الشيعة والسنة على حد سواء.