رئاسيات 2004: الرئيس المترشح حينها، عبد العزيز بوتفليقة، وفي لقاء مع قناة “أبو ظبي” الفضائية، في إطار الحملة الانتخابية، توعد “مُواربا”، بتسوية المشهد الإعلامي الجزائري.
الرئيس تعهد ضمنيًا، بضرورة كتم الأنفاس، في أفق الالتزام بثوابت مهنية وأخلاقية، بوتفليقة وفي نفس اللقاء، أكد أن مسعاه ذلك يأتي اقتداءً وأسوةً بدول عريقة في حرية التعبير كفرنسا، والتي قال إنها تضبط تعاطي الإعلام مع الشأن السياسي، حماية للأمن القومي، على حد تعبيره، مشددًا على أهمية توخي معايير انتقاد بناءة.
وقد تجسدت وعود الرئيس، وإن بمعالم غير سافرة، بداية من عهدته الرئاسية الثانية.
مايو 2013: السلطات الجزائرية تحظر صدور صحيفة “جريدتي” الناطقة بالعربية، وصحيفة “مون جورنال” الناطقة بالفرنسية، وذلك بتهم المساس بأمن الدولة، والوحدة الوطنية، والسلامة الترابية.
تهم ثقيلة، على خلفية نشر أخبار متداولة، حول صحة الرئيس، المتواجد يومها، بمشفى فال دوـ غراس بفرنسا، استدعت استنفارًا قضائيًا لملاحقة مالك الصحيفتين هشام عبود.
فبراير 2016: توقيف صحفي بقناة الجزائر الثانية “كنال ألجيري”، الموجهة للجالية الجزائرية في الخارج، بجريرة عدم “تعظيم” الرئيس أثناء قراءته لنشرة الأخبار.
مايو 2016: ضغط ممنهج على مجمع “الخبر” الجزائرية، بدعوى عدم شرعية صفقة تجارية، مع مجموعة “سيفيتال”، لرجل الأعمال المغضوب عليه أسعد ربراب.
جوان 2016: حصار أمني مكثف لمقر جريدة “الوطن” الناطقة بالفرنسية، بزعم تعدي المقر الجديد للجريدة، على قطعة أرض مجاورة، وهي تابعة لأملاك الدولة.
وفي سياق حملة السلطات الجزائرية الشعواء على وسائل الإعلام، مدير قناة “الخبر” المعروفة اختصارًا بـ “كا بي سي” يُودع السجن، ولأن تباشير الخير “السلطوي”، تنزل دفعة واحدة، أمر الوزير الأول عبد الملك سلال بغلق 50 قناة تلفزيونية خاصة، وغير معتمدة، القرار كان قد سبقه في العامين الأخيرين، اقتحام، وغلق قناتي”الوطن” و”الأطلس”.
عبد الملك سلال برر الإجراء المنظور، بقيام تلك القنوات الخاصة بالتشهير والتحريض وإهانة ذوات فوق مستوى الشبهات، مما ساهم في اختلال المجتمع الجزائري.. الله أكبر ولله الحمد…
أما بعد:
اعتداءات السلطات الجزائرية، على وسائل إعلام بعينها، أثبتت ريادة في مهنيتها، يُمهد الطريق، للانقضاض على مكاسب وتضحيات الصحافة الجزائرية، على مدار أكثر من عقدين.
الرئيس ومحيطه على وجه التحديد، ينشدون إعلامًا على المقاس، إعلام يُكابد، ليطعن أبجديات العمل الصحفي، وفق أجندات سياسية موجهة، لا تريد بالمرة، توازنًا ومصداقية وموضوعية، تُحرج القيادة ومن سار في فلكها.
نظرة بتسيب ومكابرة، بإثم يدهس مواثيق الشرف الصحفي، تمنح الإعلام القبيح المدفوع بناصية الأجر الفصيح، مهام الدفاع وتصدر القواعد من أبواب غثاء السيل ونفخ الخواء.
مستقبل جزائري تصنعه خفافيش، بوصاية وشاية الفتن، التي تخدم سادتها، ودعايات ساديتهم.
خوض إعلامي هجين، لا يقارع أسياد الفكر والحكم والقرار، ولا يؤاخذ أصول الحكمة والبصيرة، وكله بثمن بخس، اغتراف من موائد، ولعق زوائد، تكسب بلا ضمير، وعبودية خرقاء.
أقلام، ومنابر شاذة ومغفلة، تُشيد بالإنجازات الوهمية، وتُقزم”حقائق” استنزاف الخزائن.
غربان ناعقة، ترفع من شأن النواكر، ولا تُغرم من يشهد لهم التاريخ، وتخر لهم اللسانيات، برشاد السياسات والمخططات التنموية.
ما تسعى له السلطات الجزائرية، تمكينٌ لرايات إعلامية، تُوظف بالفري والمزايدة، مقاربات الاجتماع على كلمة سواء، منازلةً لعقائد المردة، من المعارضين السياسيين “الأصوليين” ـ حسب توصيف السلطة وأبواقها ـ، ومسالك هيمنة وسائط نفوق السيادة والذمم، ودفاعًا عن استقرار اجتماعي وسلم أهلي، أضحى نموذجًا يُحتذى عالميًا، حسب ما أدلى به وزير الداخلية نورالدين بدوي مؤخرًا.
السلطات الجزائرية ماضية في حربها وغيها، وما ترويجها لإعلام الإفك المُساند لسفهاء القوم، وأشرارهم، إلا مطية لإثراء الفساد والاستبداد.
مشروع وإن لم يجد صدورًا عارية صادة، فآخر الكلام، السلام على هيبة وسلطة الإعلام.