ترجمة وتحرير نون بوست
تدهورت العلاقات بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي بشكل حاد، بسبب خلافات بين كل من الجهات الفاعلة حول مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011. حيث دعمت روسيا الأسد بقوة، بدعوى أن نظامه البعثي هو حصن ضد التطرف الإسلامي. ولكن في الطرف المقابل، دعمت دول مجلس التعاون الخليجي، بقيادة السعودية، الإطاحة بالأسد، للتقليل من نفوذ إيران الإقليمي.
وقد تسبب هذا الخلاف، في حرب روسية – سعودية حول أسعار النفط. مما دفع العديد من خبراء الشرق الأوسط إلى القول بأن العلاقات بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي وصلت إلى الحضيض.
وعلى الرغم من الخلافات حول الوضع السوري، عززت روسيا علاقاتها الاقتصادية مع قطر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والكويت لتحقيق التوازن ضد الهيمنة السعودية في الخليج الفارسي. وقد نجحت هذه العلاقات الاقتصادية في حل النزاعات طويلة الأمد التي أعاقت التعاون بين روسيا ودول الخليج منذ عقود.
ويلخص الانفتاح الاقتصادي الروسي تجاه قطر مدى قدرة الروابط التجارية في تخفيف العداوة المتأصلة. فقد تسبب اغتيال زليم خان يندرباييف، السياسي الشيشاني البارز في الدوحة في عام 2004، وتهديد فيتالي تشوركين، السفير الروسي، لقطر بتدميرها في عام 2012، في توتير علاقة بوتين بالنظام القطري.
ومع ذلك فقد حاولت روسيا إيجاد أرضية مشتركة مع قطر من خلال التعاون في قطاع الطاقة. وسعت شركة الطاقة الروسية العملاقة “غاز بروم” للتعاون مع شركة “قطر غاز” لإنتاج الغاز الطبيعي المسال.
وفي رد له على سؤال حول ما قاله وزير الطاقة الروسي حول قيمة التبادل التجاري السنوي بين موسكو والدوحة التي وصلت إلى 500 مليون دولار في يونيو، دعا وزير النفط القطري، محمد بن صالح السادة، إلى تدعيم التعاون الاقتصادي بين البلدين على مستوى القطاعين الحكومي والخاص. لذلك، أصبح لروسيا فرصة إقامة موطئ قدم لها في الاقتصاد الخليجي.
ويمكن ملاحظة نمط مماثل في علاقة روسيا مع دول الخليج الأخرى، ووفقا ليفغيني ساتانوفسكي، رئيس معهد الشرق الأوسط في موسكو، فإن سلطنة عمان منفصلة تجاريا عن التطورات الجيوسياسية في الشرق الأوسط. وقد سمح ذلك في تطوير العلاقات التجارية الروسية العمانية لتنمو من 13 مليون دولار عام 2010 إلى 100 مليون دولار عام 2014.
كما تعززت كذلك، العلاقات الاستثمارية بين روسيا ودولة الإمارات العربية المتحدة. فقد استثمر رجال أعمال إماراتيون في مرافق للألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في سوتشي، وساهموا أيضا في بناء ميناء رئيسي بالقرب من سانت بطرسبرغ، كما تعاونوا كذلك مع شركة “روسنفت” في مشاريع إنشاء خطوط أنابيب.
كما ساهمت هذه الصفقات المالية، وشراكة روسيا القوية تاريخيا مع الكويت إلى جانب العلاقات الوثيقة مع البحرين، في تمركز الاقتصاد الروسي في الفناء الخلفي للمملكة العربية السعودية.
وعلى الرغم من التطور الكبير في التعاون الاقتصادي بين روسيا ودول الخليج، لا تزال موسكو تكافح لتطوير شراكات أمنية وثيقة مع دول مجلس التعاون الخليجي. وقد جعلت محاولات روسيا لبناء التحالفات، صناع القرار في الرياض، يعتبرونها لاعبا هامشيا في منطقة الخليج.
وفي مقابلة أجراها مؤخرا في جامعة جورج ميسون، قال البروفيسور مارك كاتز، الخبير البارز في إستراتيجية روسيا في الشرق الأوسط، أن المملكة العربية السعودية كانت تعتبر سياسة روسيا في الخليج، قبل الأزمة السورية، بأنها سياسة مرتزقة تماما. لذلك، فإن العديد من صناع القرار في الرياض يعتقدون أن السعودية ستكون قادرة على جعل روسيا توافق على تفصيلات الرياض عن طريق تفوقها على إيران كشريك تجاري وشراء الأسلحة الروسية.
قام صناع القرار في الكرملين بإشراك دول مجلس التعاون الخليجي للتوصل إلى حل سياسي للصراع السوري الذي ينسجم مع الأهداف الروسية، ليثبتوا أن الدبلوماسية الروسية في الخليج لا تحركها المصالح الاقتصادية لموسكو فقط.
وكانت عمان والكويت الدول الخليجية الأكثر استعدادا للنظر بجدية في اقتراح روسيا للتوصل إلى حل سياسي للصراع السوري الذي يشمل الأسد. ويمكن تفسير موقف سلطنة عمان من خلال استغلال دورها في الوساطة لتدعيم نفوذها الإقليمي.
ومن جهتها رسخت الكويت دورا فريدا في الصراع السوري من خلال تبني موقف وسط بين موقفي المملكة العربية السعودية وروسيا. وتماشيا مع إجماع دول مجلس التعاون الخليجي، أعربت الكويت عن التضامن مع قوات المعارضة السورية. بالإضافة إلى ذلك، أشار دانيال ديبتريس في يوليو/تموز من عام 2013 في مقالة لصحيفة “ناشيونال انتريست”، إلى قيام الجهات المانحة الكويتية بدعم القوات المناهضة للأسد في سوريا. ولكن بحلول منتصف عام 2015، تحالفت الكويت مع روسيا من خلال دعم حل سياسي شامل للصراع السوري وانتقدت ضمنيا موقف الرياض من الرئيس السوري.
وعلى الرغم من موقف دولة الإمارات العربية المتحدة الغامض، في بعض الأحيان، تجاه سوريا، حققت روسيا بعض التقدم نحو تحقيق صفقة مع أبو ظبي على غرار الكويت وعمان. وفي 3 يونيو/حزيران من عام 2016، أشاد رئيس المجلس الوطني الاتحادي في دولة الإمارات العربية المتحدة بدور وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في دعم مفاوضات السلام في سوريا. كما عبر مسؤولون إماراتيون كبار على انفتاحهم على تسوية تشمل جميع الأطراف السياسية الفاعلة في سوريا، بما في ذلك الأسد.
لذلك يمكن القول بأن روسيا استطاعت أن تنشأ ائتلافا لتحقيق التوازن ضد الكتلة السعودية القطرية التي تهيمن على دول مجلس التعاون الخليجي، من خلال انخراط عمان والكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة دبلوماسيا في سوريا. كما ساهم تطور النشاط الدبلوماسي الروسي في تعزيز علاقات موسكو مع الجزائر والعراق ومصر.
ولزيادة عزلة السعودية، حاولت روسيا تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع البحرين، على الرغم من أن المنامة أصبحت حليفا للمملكة العربية السعودية. ويعتبر استعداد البحرين المخاطرة بلوم الرياض من أجل توقيع صفقات أسلحة مع روسيا، والتفاوض علنا مع بوتين حول مكافحة الإرهاب، انتصارا قويا لموسكو.
لذلك يجب أن تكون المملكة العربية السعودية مستعدة لتقريب وجهات النظر بشأن سوريا، وعلى روسيا اتخاذ خطوات لإذابة الجليد بينها وبين الرياض، بدلا من المواجهة العسكرية.
وتشير مفاوضات صفقة الأسلحة بين السعودية وموسكو والثناء على روسيا كـ”قوة عظمى” إلى أن الدبلوماسيين السعوديين منفتحون على الدخول في معاهدة عدم اعتداء مع روسيا.
باختصار، تستخدم روسيا توطيد العلاقات الاقتصادية والمبادرات الدبلوماسية مع دول مجلس التعاون الخليجي باعتبارها نقطة انطلاق لإعادة انخراط الدبلوماسية السعودية بشروط بوتين. وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية ترغب في إسقاط الأسد، فإن برنامج الرياض الرئيسي هو تقليل اعتماد أمنها على الولايات المتحدة والحفاظ على موقفها كدولة ذات تأثير كبير في العالم العربي. لذلك، من المرجح أن الرياض ستتعامل إيجابيا مع المبادرات الدبلوماسية الروسية.
المصدر: ناشيونال إنترست