تكررت قرارات حظر النشر تحت طائلة المسؤولية الصادرة عن نيابة محكمة أمن الدولة لعدد من القضايا والملفات الساخنة التي شغلت الرأي العام على الساحة المحلية لحين الانتهاء من مجريات التحقيقات بحجة الحفاظ على سريتها والحفاظ على المصلحة الوطنية العامة.
الأمر الذي أرغم وسائل الإعلام بكل أنواعها، وحتى مواقع التواصل الاجتماعي على التوقف عن متابعة مجريات تلك القضايا والملفات التي يترقب نتائجها الشارع، في الوقت الذي تثير فيه القرارات التي تحظر نشر الأخبار تساؤلات عن حقيقة وهدف هذه القرارات، وهل فعلا تأتي في سياق المصلحة العامة والوطنية، أم هي طريقة لتقييد حرية الإعلام الذي شهد مؤخراً تعديلات لقانون المطبوعات والنشر وقانون الجرائم الإلكترونية، والتي زادت من معناته.
بناء على ذلك ثمة أصوات ترفض هذه التعليمات العسكرية، وتعتبرها بمثابة الاعتداء الصارخ على حرية الإعلام خاصة وأن حق النشر والحصول على المعلومة حق دستوري لأي مواطن وأن أي اعتداء عليه يعتبر انتهاك يجب وقفه.
وفي أبرز تلك القضايا التي صدر فيها قرارا بحظر النشر، نستذكر قضية حادثة اختطاف الطيار معاذ الكساسبة من قبل تنظيم داعش، وطالت القرارات أيضا قضية انتحار الشقيقتين ثريا وجمانة السلطي نهاية العام الماضي من أعلى سطح عمارة مهجورة في إحدى ضواحي العاصمة عمان.
كما أعقب ذلك قرار مماثل مطلع آذار/مارس العام الحالي بحظر نشر أي أخبار تتعلق بمداهمات إربد التي أسفرت عن مقتل الرائد راشد الزيود ومقتل سبعة من عناصر داعش واعتقال 13 منهم.
وكان آخر قرارات حظر النشر ما صدر حول استهداف مكتب مخابرات البقعة التي أودى بحياة خمسة من مرتبات الجهاز، واعتقال منفذ الهجوم، وغيرها من القضايا.
بيد أن القضية لها بعد آخر، فالصحفي الذي ينشط ويجتهد في جمع معلومات حصرية حول القضية بهدف نشرها أمام الرأي العام لقرائتها والاطلاع عليها، يتفاجأ أثناء ذلك بصدور قرار حظر النشر، الأمر الذي معه يذهب جهده وتعبه سدى من غير فائدة.
صحفيون: حظر النشر خيبة أمل لنا
في هذا الصدد، رأى الزميل الصحفي علاء علان أن الصحفي المجد والمجتهد دائما ما يسعى إلى متابعة الخبر وما وراءه والحصول على المعلومات الجديدة الحصرية التي تضيف قيمة نوعية للقارئ وللسجل المهني للصحفي ذاته، وعليه فإن حظر النشر يخلق لدى الصحفي شعور بالخيبة بعد التعب وجمع المعلومات وتفريغها.
وقال علان الذي يعمل صحفيا في صحيفة الأنباط اليومية إنه “سبق وأن قمت بإعداد تقرير للصحيفة عن حادثة شغلت الرأي العام وبعد انتهائي من العمل صدر قرار بمنع النشر وعلى إثر ذلك لم تر المادة طريقها للقارئ، وهو أمر مؤسف ومحزن بالنسبة للصحفي والوسيلة التي يعمل فيها”.
وفي إجابته على تساؤل إن كان قرار حظر النشر يعتبر بمثابة الاعتداء الصارخ على حرية الإعلام خاصة وأن حق النشر والحصول على المعلومة حق دستوري وأن أي اعتداء عليه يعتبر انتهاك يتوجب توقفه؟، أجاب علان بقوله “بالطبع حق الحصول على المعلومة هو حق دستوري والمعلومة الواضحة المبكرة من قبل الجهات الرسمية هي الحصانة الوحيدة للمجتمع من الشائعات خاصة في ظل الثورة التكنولوجية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تعرف حظرا في النشر ويصعب السيطرة عليها بشكل كامل كوننا نعيش في فضاء مفتوح”.
وأردف الزميل علان قائلا “أرى في النهاية أنه يتوجب على الصحفي مراعاة المصلحة العامة في المقابل، بحيث يجب عليه توفير المعلومة الرسمية والرواية الشافية الصحيحة لأي حدث أو قضية تشغل الرأي العام”.
“رايتس ووتش”: التهم الموجهة لصحفيين خضعت لمزاج أحكام فضفاضة
يشار إلى أن منظمة هيومن رايتس ووتش الأميركية، انتقدت في تقريرها السنوي للعام 2015 ممارسة السلطات الأردنية التضييق على الحريات خاصة المتعلق بحرية الإعلام، وذلك عبر الاعتقال وتوجيه اتهامات بحق ما لا يقل عن 9 صحافيين وكتاب وفقاً لقانون المطبوعات والنشر المعدل للعام 2013 ، وأحيانا بموجب قانون مكافحة الإرهاب الذي وسع من تعريف مفهوم الإرهاب.
وبحسب التقرير فإن الحكومة فوتت فرصاً للإصلاح إضافة إلى تقليص حرية التعبير عقب اعتقالات طالت نشطاء وصحافيين ومعارضين لسياسة الدولة والحكومة، ووجهت لهم تهما خضعت غالبيتها لمزاج أحكام فضفاضة وغامضة.
ورأى تقرير المنظمة الأممية أنه “ينبغي ألا تترجم المخاوف الأمنية الأردنية على الصحفيين والمعارضين والنشطاء بوصفهم يشكلون تهديدا أمنيا لمجرد التعبير السلمي”، في الوقت الذي طالب فيه “بمراجعة قانوني مكافحة الإرهاب والعقوبات للتخلص من الصياغة الغامضة المستخدمة للحد من الخطاب السلمي”.
وبمواصلة استطلاع آراء الزملاء الصحفيين في قضية حظر النشر، تحدث الزميل حمزة أبو رمان قائلا “باعتقادي أن حجب المعلومة في بعض الأحيان قد يكون مبرر، ومثال على ذلك حادثة حرق الطيار الشهيد معاذ الكساسبة حيث حدث أن إحدى المواقع الإخبارية سربت معلومة تتعلق بتسليمه واستبداله بالإرهابية ساجدة الريشاوي، بينما كان الشارع الأردني يشتعل جراء تناثر المعلومات غير الصحيحة التي من شأنها أن تخلق حالة من البلبلة والتوتر”.
لكن الزميل استدرك بقوله “حجب المعلومات وحظرها من قبل الجهات القضائية بشكل عام، لا يمكن تعميمها واعتمادها قاعدة في ذلك”.
وقال أبو رمان الذي يعمل صحفيا في موقع خبرني إن “مواقع التواصل الاجتماعي قزمت من الدور الرقابي الذي قد يؤثر سلبا على وضع المواطن من حيث حصوله على صورة الأخبار الهامة والعاجلة، ومثال على ذلك حادثة استشهاد أفراد مخابرات البقعة، إذ تداول النشطاء صورا للجاني على أوسع نطاق وكانت المعلومة متاحة للجميع وبالتالي قرار الحظر لم يؤثر على وصولها للقارئ”.
أما عن دور بعض المواقع الإخبارية السلبي في تضليل القارئ ونشر أخبار غير صحيحة، الأمر الذي يدفع الجهات القضائية إلى إصدار قرار حظر النشر، فقد اعتبر الزميل أبو رمان أن ذلك يعتبر حالات فردية ولكن هذا لا يمنع من تقنين عمل هذه المواقع، بحيث لا تؤثر على حقوق الإنسان من حيث حصوله على المعلومة ومنحه حرياته العامة”.
خبراء ومشرعون: الحظر لا يتعارض مع الحريات
وطبقا للتقرير السنوي الحادي عشر حول حالة حقوق الإنسان لعام 2014، فإن تعميم هيئة الإعلام المرئي والمسموع الموجه إلى محطات البث الفضائي والإذاعي المرخصة ومحطات البث الفضائي والإذاعي المعتمدة والمواقع الإلكترونية بعدم نشر وتداول أي من الأخبار أو المعلومات المتعلقة بشؤون الأمن العام ومنتسبيه إلا بطلب مباشر وصريح من المصادر المسؤولة في مديرية الأمن العام، والامتناع عن قبول ونشر أي من المقالات والتعليقات إلا في نطاق المعلومات والأخبار المنشورة بصورة مشروعة، ودون المساس أو التعرض لهيبة الأمن العام ومنتسبيه بأي صورة، سواء مباشرة أو غير مباشرة، وذلك استنادا إلى أحكام المادة 20/ل، من قانون هيئة الإعلام المرئي والمسموع رقم 71 لسنة 2002م والمادة (5) من قانون المطبوعات والنشر رقم (8) لسنة 1998م وتعديلاته، وذلك تحت طائلة المسؤولية القانونية، يكرس مفهوم الرقابة الذاتية لدى الكُتّاب والصحفيين والإعلاميين والقراء أصحاب التعليقات، ما يحدّ في النهاية من حرية الرأي والتعبير.
من ناحيتهم، يجمع خبراء التشريعات الإعلامية ومحامو الحريات على قانونية حظر النشر كونها تنفيذا لأحكام قضائية لا تتعارض مع حق الجمهور في الإطلاع والمعرفة.
الباحث القانوني مؤيد المجالي يشير في هذا الموضوع إلى أن مواقع إلكترونية تنشر معلومات في القضايا الحساسة التي تشغل الرأي العام دون التحقق من صحتها.
وقال المجالي “قانون المطبوعات والنشر في المادة 28 الفقرة الأولى تحظر نشر معلومات عن أي تحقيق قائم فالأصل الحظر”.
ورأى المجالي أن نشر الأخبار المتعلقة في مرحلة التحقيق يتسبب في إعاقة سير العدالة”، مشيرا إلى أن “المادة 39 من قانون المطبوعات والنشر تجعل من التحقيق الذي تجريه النيابة العامة في القضايا سريا، حيث لا تملك الجهات القضائية إلا أن تمنع النشر حفاظا على حقوق المتهمين والخشية من ضياع الأدلة وحماية الشهود”.
أما المحامي محمد قطيشات فلا يرى وجود تعارض ما بين حق الجمهور في المعرفة وبين الحفاظ على سرية التحقيق الذي تجريه النيابة العامة؛ إذ إن سير العدالة وحقوق المتهمين وحماية الشهود والأدلة أولى بالرعاية من حق الجمهور في المعرفة والإطلاع وفقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان وأحكام الدستور.
وقال قطيشات في دراسة له أنه “منذ انتهاء التحقيق يغدو من حق وسائل الإعلام نشر كل ما يتعلق بالمحاكمات أمرا واقعا، إذ إن المحاكمات علنية من حيث الأصل وبالتالي يتمكن الجمهور من معرفة تفاصيل تلك القضايا.
ويخلص قطيشات إلى القول إن “منع وسائل الإعلام من نشر التحقيقات أو تحقيقات النيابة العامة ليس منعا مطلقا بل هو تأخير لهذا الحق إلى حق آخر أولى بالرعاية”.
المصدر: أردن الإخبارية