” الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء؛ هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل” .. “أريد أن أخدم مصر في مجال العلم وأموت وأنا عالم”.. ” شباب مصر نفسه يتعلم، ويبني بلده التي تمتلك حضارة وقوى بشرية ليست موجودة في أي بلد في المنطقة، لكن المشكلة فيمن يعوقونه!”.
رحيل هادئ
ثلاث جمل تلخص قصة حياة الموسوعة المصرية والعربية أحمد زويل، الذي وافته المنية مساء أمس الثلاثاء عن عمر يناهز الـ 70 عاما، بعد صراع طويل مع مرض السرطان استطاع أن يتغلب عليه .. قبل أن يفضل أن يرحل بهدوء وفجأة، بين أسرته في الولايات المتحدة التي أعلنت أن وصيته أن يدفن في مصر”.
استقبل العالم العربي والعالم أجمع مساء الثلاثاء الثاني من أغسطس 2016 نبأ رحيل العالم المصري صاحب جائزة نوبل في الكيمياء بنوع من الصدمة والحزن ، كون رحيله كان مفاجئا ودون مقدمات، خصوصا بعد أن استطاع التغلب على مرض السرطان، الذي حاربه كثيرا في الأعوام الماضية.
زويل لم يكن ملهما فقط لكوكبة العلماء الذين عمل معهم في الخارج قبل الداخل، لكنه كان بمثابة أيقونة النجاح للشباب المصري الباحث عن نقطة ضوء في ظلمة حالكة، تحارب كل فرصة للنجاح والإبداع، حتى أن الكثير من الشباب يحفظ له جملته الشهيرة التي قارن فيها بين الواقع في الدول الغربية، خصوصا الولايات المتحدة والواقع العربي، بقوله إن “الجميل في أمريكا، وما جعلها تتقدم على العالم علميا، هو أن الخيال لا يقتل، وليست له حدود، وكل المؤسسات تشجعه، والعالم الحقيقي المحب لعلمه لابد أن يحلم، وإذا لم يتخيل العالم ويحلم، سيفعل ما فعله السابقون ولن يضيف شيئا” ، وهو ما أوصله لاكتشافه العالمية “الفيمتو- ثانية”.
نشأته
نشأ أحمد حسن زويل، العالم المصري، وموسوعة العلم، والحائز على أشهر جائزة عالمية “نوبل” في مجال الكيمياء، في مدينة دمنهور، وتلقى تعليمه الأساسي بمدينة “دسوق” التابعة لمحافظة “كفر الشيخ” شمالي مصر، ثم أكمل تعليمه، وأنهى الثانوية العامة، وحصل على درجة البكالوريوس في العلوم من كلية العلوم بجامعة الإسكندرية، العاصمة الثانية للبلاد، بتقدير إمتياز مع مرتبة الشرف.
حصل زويل على درجة الماجيستير في بحث عن علوم الضوء، قبل أن ينهي رسالة الدكتوراه عن علوم الليزر في جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن حصل على منحة دراسية، ثم تنقل بعد ذلك إلى عدة جامعات أمريكية كجامعة كالفيورنيا، ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا “كالتيك”، وتدرج في المناصب إلى أن وصل أخيراً إلى درجة “أستاذ رئيس” في علوم الكيمياء؛ والذي يعد أعلى المناصب في هذا التخصص، ورغم ذلك كان الاحتفاء المصري والعربي به أضعف ما يكون.
ابتكار نوبل
في العام 99 نال زويل جائزة نوبل في الكيمياء بعد أبحاثه التي وصلت إلى ما يزيد عن 350 بحثاً علمياً في مجلات علمية شهيرة بأمريكا والعالم كله، كمجلة “ساينس” ومجلة نيتشر” المتخصصتان بالعلوم والكيمياء، وبعد اكتشافاته العظيمة، والتي كان من أبرزها إختراع آلية أو تقنية لتصوير حركات الجزيئات الدقيقة في تفاعلاتها وتحولاتها واندماجاتها، الأمر الذي أدى إلى ثورة علمية عالمية، حيث لم يكن يخطر في بال عالم من العلماء أن العلم سيتوصل بيوم من الأيام لمثل هذا التطور التقني الهائل، فرؤية الجزيئات وهي تتفاعل مع بعضها البعض، كان ضرباً من الخيال العلمي قبل أحمد زويل.
تعتبر الفيمتو ثانية نظامًا قادرًا على التصوير بسرعة عالية، ويعتمد على الليزر، حيث ساعد هذا النظام على مشاهدة حركة الجزيئات عند تفاعلها مع بعضها البعض، حيث تعتبر “الفيمتو سكند” هى وحدة الزمنية التى يمكن التقاط الصورة الواحدة خلالها، وهى جزء واحد من مليون مليار جزء من الثانية الواحدة، وتمكن زويل من التوصل لهذا الاكتشاف العلمى من خلال استخدام نبضات الليزر قصيرة المدى وشعاع جزيئى داخل أنبوب مفرغ، مع كاميرا رقمية ذات مواصفات فريدة، والتى يمكنها تصوير حركة الجزئيات عند ولادتها، وقبل التحاقها بباقى الجزئيات الأخرى، مما يجعل من السهل التدخل السريع ومفاجئة التفاعلات الكيميائية عند حدوثها باستخدام نبضات الليزر كتليسكوب للمشاهدة، ومتابعة عمليات الهدم والبناء فى الخلية، الأمر الذى كان بمثابة النواة للعديد من الأبحاث فى مجال الطب والفيزياء وأبحاث الفضاء وغيرها.
غيرت كيمياء الفيمتو نظريات البشر عن التفاعلات الكيميائية، فباستخدام ثانية الفيمتو أصبح من السهل رؤية تحركات الذرات كما يتم تخيلها، ويستخدم العلماء حول العالم الآن ثانية الفيمتو فى دراسة وتحليل العديد من المواد الكيميائية بمختلف أشكالها السائلة والصلبة والغازية وتفاعلاتها مع بعضها البعض.
بعد هذا الإختراع أعلنت الأكاديمية الكندية الملكية للعلوم عن فوز أحمد حسن زويل بجائزة نوبل في الكيمياء، والتي قدرها 960 ألف دولار تسلما الدكتور زويل في 10 ديسمبر عام 1999م، وهو اليوم الذي يوافق ذكرى وفاة “ألفريد نوبل”، مؤسس الجائزة ومخترع الديناميت، تقديراً لجهوده الرائدة.
مؤلفاته
بعد الجائزة اتجه زويل للتأليف ونشرت له العديد من الكتب العلمية أهمها “رحلة عبر الزمن .. الطريق إلى نوبل”، و”عصر العلم” و”حوار الحضارات” و”التصوير الميكروسكوبي الإلكتروني رباعي الأبعاد” ، و”علم الأحياء الكيميائي”.
حصل زويل إلى جانب نوبل على عدد كبير من الأوسمة والجوائز والنياشين، منها: جائزة هاريون هاو الأمريكية، وجائزة وولش الأمريكية، وجائزة هوكست الألمانية، وجائزة الملك فيصل العالمية في العلوم، وجائزة ماكس بلانك في ألمانيا، وميدالية أكاديمية العلوم والفنون الهولندية، وجائزة ألكسندر فون همبولدن في ألمانيا الغربية، وجائزة باك وتيني في نيوورك، وجائزة كارس من جامعة زيوخ، ووسام الإستحقاق الدرجة الأولى من الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وقلادة النيل العظمى، والتي تعد أعلى وسام مصري، وقلادة بريستي، وهي أرفع وسام أمريكي في الكيمياء.
وحاز زويل على عدد من الدكتوراه الفخرية من عدة جامعات عالمية منها جامعة أوكسفورد، والجامعة الأمريكية، وجامعة الإسكندرية، والعديد من الجوائز والأوسمة والمناصب، وصدر اسمه ضمن أكثر 29 شخصية بارزة بالولايات المتحدة، وحصل على الرقم 18 في هذه القائمة، والتي كان من بينها العلماء “ألبرت آينشتاين، وأسكندر جراهام بل”.
قتل الإبداع
أسس في مصر مدينة زويل للعلوم، وحاربتها الحكومة والبيروقراطية كثيرا، حتى ظهرت للنور، ليؤكد حقيقة جملته الشهيرة أن ” الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء؛ هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل”!!.
بعد حصوله على نوبل، قال زويل “عندي أمل كبير أن هذه الجائزة الأولى سوف تلهم الأجيال الشابة في الدول النامية، وتحثهم على الأخذ بأسباب العلم والاعتقاد بإمكانية الإسهام في دنيا العلوم والتكنولوجيا على المستوى العالمي”..
وحينما سئل عن إمكانية تحقيق منجزات علمية بالعالم العربي، قال جملته المشهورة “المجتمع العلمي له ثلاثة دعامات رئيسية وهي العلم, التكنولوجيا والمجتمع، فمن العلم تنشأ التكنولوجيا والتي تساعد علي تطويره، والإثنان لا يتواجدان إلا إذا كان المجتمع يقدر ويدرك أهمية العلم!!” ، مضيفا أن ” التاريخ لن يغفر لهذا الجيل أن يترك الأمة العربية في حالها الراهن، فالمرء دائما حيث يضع نفسه!!.
علاقته بالسياسة
ينتمي زويل إلي فئة من حملة ختم العلمية العالمية، مثل فاروق الباز وعصام حجي، بل وربما البرادعي أيضاً، ممن تسجل أسماؤهم في كتب التاريخ، ويتم تعيينهم كمستشارين للرؤساء غالبا، ويدلون بدلوهم في السياسة أحيانا، ويختفون مرات ثم يعاودون الظهور كلما تيسر، وعلى خلاف عالم الفضاء المصري عصام حجي، آثر زويل الابتعاد عن “دنس السياسة” كما وصفها في إحدى مقالاته بصحيفة لوس أنجلوس تايمز، على الرغم من علاقته المبكرة بالرؤساء، والتي بدأت من سن العاشرة، حينما كان مولعا بالزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ويسعى لمقابلته وأرسل إليه خطابا قصيرا فحواه “ربنا يوفقك ويوفق مصر”.. كان ذلك في بدايات العام 56، قبل أن يتلقى ردا سريعا من عبدالناصر يقول فيه “”ولدى العزيز أحمد.. تلقيت رسالتك الرقيقة المعبِّرة عن شعورك النبيل فكان لها أجمل الأثر فى نفسى، وأدعو الله أن يحفظكم لتكونوا عدة الوطن فى مستقبله الزاهر، أوصيكم بالمثابرة على تحصيل العلم مسلحين بالأخلاق الكريمة، لتساهموا فى بناء مصر الخالدة فى ظل الحرية والمجد.. والله أكبر والعزة لمصر”.
وعلق زويل على هذه الرسالة بقوله : “أتذكر مدى الإثارة والرجفة التي سرت في بدني وهزت مشاعري وقتها لرؤية أسمي وقد خطته أيدي ناصر .. وكأنه كان يتوقع مستقبلي العلمي ويحثني عليه .. ومازلت محتفظ بالخطاب إلى الآن”.
رغم هذه البداية المبكرة لم تكن لزويل أية نشاطات سياسية في المراحل التالية من عمره، واكتفى في مقابلة واحدة بالتعليق على رؤساء مصر بدءا من ناصر مرورا بالسادات ثم مبارك والدكتور مرسي وعدلي منصور، وصولا إلى السيسي.
وقال زويل عن عبدالناصر إنه كان زعيما وطنيا وعربيا بالدرجة الأولى، بدأ حلم السد والحلم النووي فى عهده، وحصلت على تعليم جيد فى عهده، ولو كان ركز على الديمقراطية لكان الحاكم العربى الأول الذى يعطى للشعب الديمقراطية الحقيقية”.
ووصف السادات بأنه بطل قومى؛ نظرا لإتخاذه قرار الحرب فى أكتوبر 1973 ، بسبب صعوبة هذا القرار، ولكن بالرغم من ذلك كان لدية أخطاء بفتح الاقتصاد، الأمر الذى أضر بالطبقات المتوسطة فى المجتمع، فيما اكتفى في حديثه عن مبارك بأنه أول 10 سنوات من حكمة قام بدوره، وأنجز ما تحتاجه هذه المرحلة ، ولكن خطأه الجسيم الذى أدى إلى نشوب الثورة هو الصراع بين الحرس القديم والحرس الجديد، وقضية التوريث، فضلا عن عدم تواجد شفافية فى الحكم، وتراجع التعليم، وانتشار الفساد والمحسوبية فى عهده .
وعلق على الرئيس الأسبق محمد مرسى بإنه كان عالمًا، لكنه لم يكن أبدًا سياسيًا ناجحًا، فيما وصف الرئيس الانتقالي عدلي منصور بأنه “قاض جليل قاد البلاد خلال مرحلة دقيقة وحرجة من تاريخها.
تأييد خافت
وخلال الفترة الماضية انبرى زويل خفية في الدفاع عن نظام الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، مشيرا خلال حديثه في المؤتمر الاقتصادي العام الماضي إلى أنه ..” هو الزعيم الذى يستطيع أن يعطينا الأمن والأمان والرؤية الخالصة، مؤكدًا أن السيسى سعى لتأسيس دولة قوية، ومشروع قناة السويس الجديدة هو أحد المشروعات القومية الكبرى ويقوم على العلم والتكنولوجيا”.
وفي لقاء آخر قال زويل :” أيدت السيسي وفوضته لمحاربة الإرهاب، وهوالزعيم العربي الوحيد الذي حارب الإرهاب، ولا زال يحاربه ودافع بماله وجسده من أجل الحفاظ على مصر واستقرارها”.
رغم ذلك يمكننا وصف زويل بأنه احتفظ لنفسه بمساحة كافية مع الجميع، فلم يحسب نفسه على المعارضة الصريحة لأى رئيس، ولم يكن ضمن ما يمكن تسميته “علماء السلطة”، ولم يسمح لأحد باستدراجه إلى ذلك، رغم حالة عدم الود التى كانت بينه وبين الرئيس الأسبق مبارك، وهو ما عبر عنها لاحقًا عندما قال إن مبارك كانت لديه ارتكاريا منه شخصياً، رغم أنه لم يشأ أن يزاحمه فى الساحة السياسة، مثله مثل العالم مجدي يعقوب وفاروق الباز، بخلاف البرادعي وحجي.
أزمة حجي
في المقابل لم يشأ عصام حجي أن تمر فترة الثورة المصرية دون أن يكون له موطئ قدم فيها، وقبل منصب المستشار العلمي للرئيس السابق عدلي منصور، قبل أن يعود ويعبر عن ندمه لقبول المنصب قائلا إن هناك مسئولين استغلوا صورة العلم للوصول لأغراض سياسية، مضيفا “لو كانت السياسة بهذه البشاعة فيجب غلق كليات السياسة والاقتصاد”، مضيفا أن ما يحدث في مصر ليس نتيجة تخبط، فليس هناك أي نية للنهوض بالتعليم ولا الارتقاء بالمواطن المصري، قبل أن يعلن رسميا مؤخرا نيته خوض الانتخابات الرئاسية عام 2018، بمشاركة عدد كبير من الخبراء والمتخصصين، وهي التصريحات التي تلقفتها وسائل الإعلام المصرية المحسوبة على النظام لتسن نصل خناجرها عليه وتتهمه بالعمالة والفشل.
الفهلوة وقصة الـ18 جنيها
في حديثه عن “مصر والعلوم” قال :”يجب أن نتحدث أولا عن المجتمع العلمي في مصر, ونسأل أنفسنا هل يستطيع العلم أن ينمو بدون مناخ علمي مناسب ؟، وبالطبع فإن الإجابة علي هذا السؤال ستكون لا, لأنه يجب أن تتوافر شروط ومتطلبات أساسية للعلم، وبدونها لن نستطيع تحقيق أي تطور أو تحسين, فالعلم ليس هبة أو منحة، ولكنه نتيجة منطقية للعمل الشاق والجاد, ولا يمكن لأي عالم في أي مجال من مجالات العلم المختلفة أن يخترع أو يكتشف أو يطور، بدون أن يوجد حوله المجتمع العلمي المناسب، وهو مناخ بعيد تماما عن الواقع بمصر”.
واستشهد على ذلك بما حدث معه في مصر حينما أنجز الماجستير في 8 أشهر فقط بدلا من عامين، ليصبح أصغر معيدا بالكلية وقتها، وحينما طلب السفر لاستكمال دراسته بالولايات المتحدة، قالوا لي إن “قانون الجامعة يقول لا سفر قبل سنتين، وأعطوني مكافأة شهرية 18 جنيها مشروطة بالأداء العلمي يوميا !!، وفي مقابل ذلك حينما وصلت الولايات المتحدة، وقررت العمل بالبحث العلمي أعطوني مبلغ 50 ألف دولار، مثلي مثل أي باحث آخر، و قالوا لي سنحاسبك بعد 6 سنوات على ما أنجزته من أبحاث، وفيم صرفت هذه الأموال، ولم يحددوا لي موضوعا، بل تركوا لي البحث بحرية، وأعطوني مكتبا ومختبرا.
وقال أيضا ” إن أي مجتمع يحتاج الي الكثير من الوقت حتي يصطبغ بصبغة العلم، ويجب أن نقفز سريعا كما قفزت الكثير من الدول من قبل ونجحت في ذلك، وتتحقق تلك القفزة بتطوير وترسيخ مراكز وأكاديميات علمية عالية المستوي، وطبقا للمقاييس والقواعد العالمية, لتحقيق نجاح متميز وعالي المستوي في جميع المجالات العلمية، على الرغم من كل المشاكل والعقبات المحيطة، مضيفا أن مناخ البحث العلمي الغربي يختلف عنه بالعالم العربي، فالباحث يتعلم بالأسلوب الصحيح، و ليس بالفهلوة، والجميع يشجعك حتى من هم أكبر سنا، ليس هناك تحاسد ولا تحطيم و لا روح سلبية بين بعضهم البعض.. ربما لأنهم ليس لديهم وقت لذلك، وربما لأن وقتهم أثمن عليهم من تضييعه في مثل هذه التفاهات، الكل يساعد الكل، فاليوم يومي وغداً يومك وهكذا.!.
ليلة الجائزة
حينما سئل زويل عن أصعب موقف واجهه في حياته قال :
“ليلة إعلان الجائزة كنت أغط في نوم عميق، بينما كان القلق والأرق ينتابان زوجتي، التي ظلت ساهرة أمام شاشة الكمبيوتر المتصل بالإنترنت في انتظار الإعلان عمن سيفوز بجائزة نوبل للكيمياء”.
وأضاف :” في الساعة الخامسة فجرا بتوقيت أمريكا الثانية ظهرا في السويد، استيقظت فوجدت زوجتي لازالت تتابع، فقلت لها الآن هي الثانية في السويد، وبالتأكيد فقد أعلن الفائز، وطالما لم يتصل بنا أحد، فالنوم أفضل، فلدينا عمل صباحا..، وهممت لمواصلة نومي، لكن تليفونا رن!!
كانت مكالمة بعيدة.
خفق قلبي.. وأمسكت بسماعة التلفون: من؟
– أنت الدكتور زويل؟
– نعم
– أعتذر بشدة عن إيقاظي لك في هذه الساعة المبكرة من الصباح.. أرجو أن تغفر لي ذلك !.. أنا سكرتير عام الأكاديمية السويدية للعلوم.
كاد قلبي يتوقف.. وضغط الدم يرتفع لأعلى معدلاته ويضرب رأسي بقوة.. وتسمرت في مكاني.. و تجمدت سماعة الهاتف في يدي.. ولم أحر جوابا.
– لقد فزت بجائزة نوبل للكيمياء لهذا العام، وفي تمام الساعة السادسة بتوقيتكم، سنضع اسمك على شبكة الإنترنت،.. أي أن أمامك ثلث ساعة من الآن، وأذكرك أن تحاول أن تنعم بآخر عشرين دقيقة من السلام في حياتك!!.
و قد كان.. فبعد ثلث ساعة وإلى الآن لم ينقطع رنين الهاتف و لا الفاكس و لا البريد و لا البريد الإلكتروني.”