مع احتدام السباق فى ماثوران الانتخابات الأمريكية بين هيلاري كلينتون، ودونالد ترامب،يدور الحديث عن الدور الذي يلعبه اللوبي السعودي المعروف بإسم “سابراك” لصالح مرشحة الحزب الديمقراطي “هيلاري كلينتون”، لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقرر إجراؤها في 8 تشرين الثاني من العام الجاري ويبدو أن توقيت الإعلان عن تشكيل “سابراك” في هذه الفترة يأتي في سياق تحولات دولية وإقليمية بارزة بينها توقيع الإتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 الذي دخل حيز التنفيذ الفعلي في 15 كانون الثاني 2016، وكذلك الأزمات التي تواجهها السعودية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ونُشرت عدة تقارير عن مصادر تمويل الحملات الانتخابية للمرشحين لخوض السباق في الانتخابات الأمريكية المرتقبة، اللافت للنظر أن أحد أبرز مصادر تمويل هذه الحملات فى أمريكا هو المال السعودي، و يواجه تمويل الحملات الانتخابية تحديات عديدة من أجل الحد من التأثيرات السلبية للمال السياسي على الانتخابات الأمريكية. ويأتي في مقدمتها؛ الارتفاع المستمر في تكاليف الحملات الانتخابية، وزيادة اعتماد المرشحين على أموال المتبرعين للفوز بمناصبهم، فضلا عن التحدي الأكبر الذي يتمثل في الدور الذي تعلبه جماعات المصالح في تمويل المرشحين، وتداعيات ذلك على المسار الديمقراطي الأمريكي.
فعلى صعيد تصاعد تكاليف الحملات الانتخابية، شهدت انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي أجريت في العام الجاري 2014 ارتفاعًا طفيفًا في تكلفة الحملات الانتخابية مقارنة بانتخابات 2010 و2012، حيث تجاوزت مبلغ 3,64 مليارات دولار الذي تم إنفاقه في 2010، ومبلغ 3,66 مليارات دولار الذي تم إنفاقه في 2012. فقد بلغت نفقات المرشحين والأحزاب نحو 2,7 مليار دولار، في مقابل 900 مليون دولار أنفقتها مجموعات خارجية، وقد تجاوزت نفقات الحزب الجمهوري نفقات منافسه الديمقراطي خلال تلك الانتخابات، حيث يُقدر إجمالي إنفاق الجمهوريين بنحو 1,92 مليار دولار، مقابل 1,76 مليار دولار للديمقراطيين.
وأفادت استطلاعات رأي بأن 85% من الأمريكيين يريدون إحداث تغييرات جذرية أو إعادة هيكلة نظام تمويل الحملات الانتخابية، بينما يرى 13% أن النظام يحتاج “تعديلات بسيطة فقط بشكل ضروري”، فيما أشارت تقارير إلى أن 0.05% فقط من الشعب الأمريكي ممن يمولون حملات المرشحين للكونجرس، وبذلك تسيطر الأقلية الغنية على الأغلبية من خلال دعمها المباشر للمرشحين أو غير المباشر من خلال جماعات الضغط “اللوبي”.
التمويل سعودي
بالعودة إلى قصة دعم السعودية لحملات المرشحين فى الانتخابات الامريكية نشر موقع “ميدل إيست آي” الاثنين 13 يونيو/حزيران مقالا عن وكالة الأنباء الأردنية قال فيه إن المملكة العربية السعودية هي الممول الرئيسي للحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون.
ووفقا لموقع “ميدل إيست آي” فإن وكالة “بترا” الأردنية نشرت أمس الأحد تصريحات خاصة عن ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تفيد بأن السعودية قد قامت بتمويل 20% من حملة المرشح المحتمل لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية عن الحزب الديموقراطي.
ويشار هنا إلى مسألة تمويل الحملات الانتخابية من قبل أجانب تعد أمرا غير قانوني في الولايات المتحدة، حيث لا يجوز لأي من المرشحين الحصول على دعم مالي خارجي من أجل التأثير على نتيجة الانتخابات.
ووفقا لموقع “ميدل إيست آي” فإن التقرير حذف فيما بعد، كما أن الوكالة الأردنية رفضت التعليق على هذا التقرير.
ونشر الموقع الإلكتروني صورة عن التقرير الذي نشرته وكالة “بترا” الأردنية للأخبار باللغة الإنجليزية قبل أن يتم حذفه.
إضافة إلى ذلك قام معهد واشنطن للشؤون الخليج بإعادة نشر التقرير الأصلي الذي نشرته وكالة “بترا” الأردنية، والتي اقتبست تصريحات للأمير محمد بن سلمان، وقال فيها: “إن المملكة لم تبخل طيلة السنوات الماضية بالدعم المالي للحملات الانتخابية الخاصة بالحزبين الديمقراطي والجمهوري، وجريا للعادة تتكفل المملكة بدفع 20% من تكلفة الحملة الدعائية لمرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الجديدة.
ولفت موقع “ميدل إيست آي” إلى أن وسائل إعلام تطرقت في وقت سابق لارتباط المملكة العربية السعودية ماليا بعائلة كلينتون. ففي عام 2008، تبرعت السعودية بمبلغ قيمته 10 ملايين دولار، ومبلغ قيمته 25 مليون دولار لمؤسسة كلينتون الخيرية التي كان يرأسها زوجها والرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية بيل كلينتون.
وأضاف الموقع الإلكتروني أنه لم يصدر أي رد من كل من حملة هيلاري كلينتون الانتخابية عن التقرير المنشور، ولا من وكالة “بترا” الأردنية، عندما طلب موقع “ميدل إيست آي” استفسارات حول التقرير المحذوف وعن أسباب حذفه.
فيما أصدر معهد الدراسات السياسية وهو أحد مراكز الأبحاث الأمريكية دراسة حول حجم الإنفاقات السعودية وقدّرها بنحو نصف مليون دولار شهرياً على شؤون العلاقات العامة إستناداً إلى البيانات المتوفرة لدى وزارة الخارجية الأمريكية.
في هذا السياق تستثمر السعودية لإستقطاب الحزب الديموقراطي الأمريكي عبر “مجموعة بوديستا” التي تقود حملة المرشحة الديمقراطية “هيلاري كلينتون” للانتخابات الرئاسية، ما يقود إلى الإعتقاد بأنّ إختيار “بوديستا” التي تتلقى نحو 200,000 دولار شهرياً من مركز دراسات الشؤون الإعلامية المرتبط بالبلاط الملكي السعودي مباشرة، بأنه يؤكّد تحمس السعوديين لنجاح كلينتون التي تعوّدت على تلقّي الأموال من الرياض والتي تقدّرها صحيفة “وول ستريت جورنال” بين 10 ملايين و25 مليون دولار، مشيرة إلى أن الرهان على هذه الأموال في تحقيق إختراقات على مستوى دوائر القرار الأمريكي هو رهان منطقي بنظر الكثير من المراقبين.
وفي هذا الخصوص أوضحت أسبوعية “ذي نيشن” المقربة من صناع القرار السياسي الأمريكي في تقرير لها أن الأموال السعودية لا تزال قادرة على شراء النفوذ في واشنطن على الرغم من تراجع إعتماد الإقتصاد الأمريكي على واردات النفط الخام السعودي.
وتترافق المساعي السعودية على الأراضي الأمريكية مع حملات تعاقد مع مراكز أخرى تتلقى أموالاً سعودية بينها معهد الشرق الاوسط Middle East Institute، مجلس سياسة الشرق الاوسط Middle East Policy Council، مؤسسة بيل وهيلاري وتشيلسي كلينتون.
جدير بالذكر أن السعودية تحتل المرتبة الأولى من إنتاج النفط على مستوى العالم، في الوقت الذي تحصد السعودية ثروات هائلة منذ السبعينيات بإنتاجها النفطي الذي وصل معدله في عام 2013 إلى نحو 9.8 مليون برميل يومياً، إلا أن ذلك كله لم يمنع الفقر من أن يتسلل إلى ملايين السعوديين.
الأرقام الرسمية التي تتناول مشكلة الفقر في السعودية نادرة، إلا أن بعض المصادر والتقديرات غير الرسمية تشير إلى نسبة الفقراء في السعودية تصل إلى 25% من السعوديين، البالغ عددهم نحو 20 مليون مواطن، أي بما يعادل 5 ملايين مواطن.
ومن الشواهد على تفشي الفقر في السعودية البيانات والأرقام الموثقة غير المباشرة، حيث جاء في بيان الموازنة العام للسعودية عن العام 2014، فمن ضمن المخصصات مبلغ 29 مليار ريال سعودي – 7.7 مليار دولار-، لبرامج معالجة الفقر والمخصصات السنوية المتعلقة بالأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة والضمان الاجتماعي.
ليست المرة الأولى!
ويبدو أن هذه ليست المرة الأولى التى تمول فيها السعودية حملات انتخابية خارج حدود الدولة فقد نشرت وثائق بنما المسربة ما يدل على تمويل ملك السعودية الملك سلمان بن عبدالعزيز للحملة الانتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وقالت إحدى الوثائق المسربة، التي تخضع للتحقيق والتدقيق من جانب 400 صحفي على مستوى العالم، إن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، موّل الحملة الانتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العام الماضي.
وحسب الجزء الثاني من وثائق بنما، التى نشرت فإن الملك سلمان أودع 80 مليون دولار لدعم حملة نتنياهو في مارس/ آذار عام 2015، من خلال وسيط، وهو سوري إسباني يدعى “محمد إياد كيالي”، حيث أودعت الأموال في حساب رجل الأعمال الإسرائيلي “تيدي ساغي”، الذي خصصها بدوره لدعم حملة نتنياهو.
ونقلا عن عضو الكنيست ورئيس حزب العمل الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ حسب الوثيقة المسربة ــ أودع الملك سلمان 80 مليون دولار لدعم حملة نتنياهو 2015 من خلال “كيالي”، في حساب شركة في جزر “فيرجن” البريطانية، التي يملكها الملياردير الإسرائيلي تيدي ساغي.
وثمة أسئلة تطرح نفسها مع هذه التسريبات والتقارير التي لم تنفيها وزارة الخارجية السعودية على خطورتها ودلالاتها؟
– هل هذه الأموال والملايين الطائلة التي تنفق هي أحد أدوات المملكة الناعمة لضمان استقرار المملكة فى المنطقة والحصول على مزيد من الدعم الصهيو أمريكي فى المنطقة؟
– ما المكاسب المتوقعةمن دعم السعودية للحملات الانتخابية فى الرئاسة الامريكية وما المكاسب التي حققتها من دعم حملة نتنياهو في اسرائيل؟
– هل هناك دول عربية أخرى تدعم الحملات الانتخابية لمرشحين خارج حدودها؟
– قد يكون من المبرر أن تدعم السعودية مرشح فى الانتخابات الامريكية لضمان علاقتها المستقبلية مع الرئيس الأمريكي القادم، لكن ما المقابل التي حصدته السعودية مقابل دعمها لمرشح فى اسرائيل؟
– هل دعمت السعودية مرشحين فى دول عربية، في ظل اتهام السعودية والامارات بدعم الثورات المضادة في المنطقة بعد ثورات الربيع العربي، وضخ عشرات المليارات لدعم الانقلاب العسكري فى مصر؟
اللوبي السعودي “سابرااك”
كتب موقع “الوقت” التحليلي عن هذه السياسات الخاطئة والمسلكيات التبذيرية للمسؤولين السعوديين ؛أنه في ظل هذه الظروف تعكف السعودية على إعادة ملء الفراغ الذي أحدثه إخراج بندر بن سلطان من لعبة المصالح مع دوائر صنع القرار الأمريكي، بعد تلمس الحاجة إلى ضرورة إستعادة التغلغل في مراكز النفوذ في واشنطن من جهة، وتحسين صورة النظام السعودي في الداخل الأمريكي من جهة أخرى، على خلفية ما تمرّ به العلاقة بين الجانبين من فتور.
و تجلت المساعي السعودية في هذا الإطار بشكل واضح من خلال إنشاء لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية – الأمريكية “سابراك” بهدف السعي لتنظيم التحرك السياسي والتغلغل إلى دوائر القرار الأمريكي، ومواصلة محاولات تحسين صورة السعودية ومواجهة الإنتقادات المتصاعدة لها في الأوساط الأمريكية. وما يجري الآن هو إستكمال للتحرك السعودي السابق الذي لم يحتج إلى كثير من العناء في الفترة التي كان فيها بندر بن سلطان سفيراً للرياض في واشنطن (1983-2005)، وليس كما يروج بعض الكتّاب السعوديين من أن “سابراك” أنشئت لمواجهة اللوبي «الإسرائيلي» في أمريكا.
لماذا تدعم السعودية هيلاري كلينتون؟
ومن الأسباب التي دعت السعودية الى دعم “هيلاري كلينتون” لتولي منصب الرئيس الأمريكي هي التصريحات التي أطلقها المرشح الجمهوري “دونالد ترامب” المنافس لكلينتون و التي وصف فيها السعودية بالبقرة الحلوب التي تدر ذهباً ودولارات بحسب الطلب الأمريكي، وطالب النظام السعودي بدفع ثلاثة أرباع ثروته كبدل عن الحماية التي تقدمها القوات الأمريكية لآل سعود داخلياً وخارجياً. وقال ترامب: متى ما جف ضرع هذه البقرة ولم يعد يعطي الدولارات والذهب عند ذلك نأمر بذبحها أو نطلب من غيرنا بذبحها أو نساعد مجموعة أخرى على ذبحها وهذه حقيقة يعرفها أصدقاء أمريكا وعلى رأسهم آل سعود.
وخاطب ترامب النظام السعودي قائلاً: “لا تعتقدوا أن المجموعات الوهابية التي خلقتموها في بلدان العالم وطلبتم منها نشر الظلام والوحشية وذبح الإنسان وتدمير الحياة ستقف إلى جانبكم وتحميكم، فهؤلاء لا مكان لهم في كل الأرض إلاّ في حضنكم وتحت ظل حكمكم، لهذا سيأتون اليكم من كل مكان وسينقلبون عليكم ويومها يقومون بأكلكم”.
كما شنّ هجوماً حاداً على السعودية، وذلك في مقابلة أجرتها معه صحيفة “النيويورك تايمز” الأمريكية حول الخطوط العريضة لسياسته الخارجية، وذلك حال نجاحه في حملته كي يكون خليفة للرئيس الحالي باراك أوباما.
وقال ترامب في المقابلة إنه ربما يلجأ إلى سياسة مقاطعة النفط من السعودية ودول خليجية أخرى. وأشار ترامب إلى أنه أنه يمكن أن يلجأ لتلك السياسة في حالة عدم قيام الرياض ودول أخرى في الخليج بإرسال قوات برية لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، أو أن تقوم تلك الدول بسداد فواتير مالية لواشنطن من أجل محاربة تلك الجماعة الإرهابية التي تهدد استقرار المنطقة العربية، وأضاف: لا أعتقد أن السعودية تستطيع البقاء إذا لم تقم الولايات المتحدة بدورها في حماية المملكة.
على صعيد متصل يرى الكثير من المراقبين أن مسارعة وليّ وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان لزيارة واشنطن، كان الهدف منه تدارك الإنهيار الدراماتيكي في العلاقات الأميركية – السعودية، والتي من المرجَّح أنها لن تكون بخير، من خلال “الخطابات الراجمة” التي تنهال على المملكة من المرشح الجمهوري دونالد ترامب والمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، حتى غدا الهجوم على السعودية ورقة إقتراع وازنة في السباق الرئاسي الأميركي، رغم الدعم المالي الذي تقدِّمه أطراف سعودية لمُرَشَّحيّ الحزبين، بحيث أن 20% من كلفة حملة كلينتون دفعتها السعودية وفقاً لما أوردته الوكالة الأردنية للأنباء “بترا” وتبرأت منه في اليوم التالي. والذى أشرنا له فى بداية التقرير.