وصلت بعثة صندوق النقد الدولي في مصر منذ فترة قريبة للمناقشة مع الحكومة المصرية بشأن مشروع قرض للحكومة المصرية بقيمة 12 مليار دولار على مدى 3 سنوات بمعدل 4 مليارات في كل سنة. وقد خرجت تصريحات من مسؤولين أن صندوق النقد سيمنح الحكومة المصرية بدون أية شروط!، بينما أكدت وزارة المالية المصرية أن مباحثات بعثة صندوق النقد الدولي في القاهرة لا تخرج عن البرنامج الإصلاحي للحكومة ومراجعتها للإجراءات التي يتضمنها والتأكيد من فعاليتها لتحقيق الأهداف المنشودة في السيطرة على عجز الموازنة العامة وتزايد الدين العام وتنشيط معدلات النمو وخلق المزيد من الوظائف للحد من معدلات البطالة والفقر وزيادة الدخل القومي.
بعثة صندوق النقد الدولي في مصر للمناقشة مع الحكومة المصرية حول مشروع قرض بقيمة 12 مليار دولار على مدى 3 سنوات بمعدل 4 مليارات في كل سنة
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي أكد في نهاية الشهر الماضي على التعاون مع بعثة صندوق النقد بهدف تعزيز الثقة الدولية في الاقتصاد المصري وجذب الاستثمارات الخارجية ومن ثم تحقيق الاستقرار النقدي والمالي لمعالجة التشوهات الهيكلية.
كما كشفت الحكومة المصرية مسبقًا عن حاجتها إلى 21 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات لتمويل برنامجها الاقتصادي الذي في صدد تنفيذه، ومن بين المبلغ فإن هناك 12 مليار دولار تستهدفها من صندوق النقد الدولي. وبحسب وزير المالية المصري فإن الوزارة تسعى أن يكون معدل فائدة القرض بين 1% – 1.5%. والجدير بالذكر أن الحكومة تعتزم جمع ما بين 3- 5 مليار دولار في السنة المالية التي تنتهي في الـ 30 من يونيو/حزيران المقبل.
بدون شروط فعلًا!
بعثة صندوق النقد لم تفرض شروطًا على مصر فحسب إنما فرضت إصلاحات هيكلية سريعة، وهذه الإصلاحات كفيلة بتسميتها أكثر من شروط، ممثلة بالتالي؛ خفض الإنفاق السنوي على دعم الطاقة والمنتجات الخدمية والسلع الغذائية ورفع الدعم عن بعض الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين بأسعار مدعومة كالكهرباء والمياه ومواد الطاقة، إذ من المتوقع حسب ما ورد في تقرير على بلومبيرغ أن تقوم الحكومة بإنهاء دعم الكهرباء للمواطن في غضون العام 2019 بالإضافة إلى رفع الدعم بشكل تدريجي عن الوقود لزيادة أسعار بعض الخدمات الحكومية علمًا أن السيسي منذ توليه السلطة في العام 2013 بدأ بتخفيض دعم الوقود.
وإعادة تقييم سعر الجنيه المصري في ظل الفجوة الكبيرة بين سعره الرسمي وسعره في السوق السوداء حيث يظهر الفارق من خلال الرسم البياني أدناه فالسعر الرسمي للجنيه الذي يفرضه البنك المركزي يبلغ 8.83 جنيه لكل دولار في حين بلغ سعره في السوق السوداء 12.57 جنيه لكل دولار.
الفجوة بين السعر الرسمي للجنيه وسعر السوق السوداء
كما تنوي البعثة خفض العجز في الميزانية المالية إلى 8% بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2018- 2019 من 11.5% في السنة الماضية 2015. وللقيام بهذا فإن الحكومة ستقوم بإعادة تقييم لبرنامجها الضريبي بهدف توسيع الوعاء الضريبي لها من خلال فرض ضريبة القيمة المضافة وفرض ضرائب جديدة فمن الخطط أن تفرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية في سوق الأوراق المالية في العام القادم، تقليص زيادة الأجور في القطاع العام، والبدء في خصخصة مؤسسات القطاع العام والبنوك وشركات البترول الحكومية، وإعطاء حرية أكبر للقطاع الخاص ليتسلم جزء مهم من إدارة موارد البلد مع التركيز على قواعد السوق الحر.
ومع كل ما قامت به الحكومة في السنتين الماضيتين من تخفيض دعم الحكومة على بعض السلع والخدمات إلا أنه لا يزال يشكل 22% من إنفاق الحكومة في السنة المالية الحالية، وهذا الرقم يعمل صندوق النقد بالتعاون مع الحكومة على تخفيضه. ويوضح الشكل أدناه الفروقات بين العجز الحكومي والإيرادات الضريبية ومصاريف خدمة القروض.
حجم العجز الحكومي بالمقارنة مع الإيرادات الضريبية ومصاريف خدمة القروض
ومن المتوقع كذلك أن تشرذم بعثة صندوق النقد الدولي السياسات الاقتصادية التي يقوم بها المركزي وتشجيعه لاعتماد ممارسات سليمة. إذ من المتوقع أن يقوم المركزي برفع سعر الفائدة مرة أخرى لهذا العام علمًا أن هذا سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض إذ سينخفض حجم القروض في السوق الإئتمانية وهذا بدوره سيقلل الطلب على السلع ويسيطر على معدل التضخم العام. ولتخفيض معدل التضخم سيحد المركزي من إقراض أو تمويل الحكومة فيما يسمى بالتمويل بالعجز بهدف تقليص حجم السيولة كسياسة لمحاربة التضخم. كما أن رفع سعر الفائدة من شأنه أيضًا أن يدفع معدل عائد السندات الحكومية لمدة عشر سنوات إلى 17.6% وهو أعلى مستوى لها منذ العام 2005.
ارتفع الدين الخارجي المستحق على مصر إلى 53.4 مليار دولار ويبلغ الدين المحلي 2.5 ترليون جنيه ليصل إجمالي الدين العام المصري إلى 99%من إجمالي الناتج المحلي المصري.
الجدير بالذكر أن مصر بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني سعت للاقتراض من صندوق النقد الدولي بقيمة 3.2 مليار دولار إلا أن القرض لم يتم ومن ثم سعت الحكومة المصرية في عهد الرئيس المصري المعزول محمد مرسي إلى اقتراض 4.5 مليارات دولار من صندوق النقد ولكن هذا الاتفاق لم يتم أيضًا بسبب حصول الانقلاب ومجيء حكومة عبد الفتاح السيسي والتي تحاول اليوم اقتراض 12 مليار دولار من صندوق النقد وإلى الآن لم يتم الإعلان عن إبرام الاتفاق بين الجانبين ولا يزال المفاوضات جارية بشأنه، ومن غير المتوقع أن يكون منح القرض بشكل يسير أو بدون شروط مسبقة ضابطة للدين العام وعجز الحكومة.
إجمالي الدين العام المصري نسبة للناتج المحلي الإجمالي
في يونيو/حزيران الماضي أعلن البنك المركزي المصري عن ارتفاع الدين الخارجي المستحق على مصر إلى 53.4 مليار دولار أما عن الدين المحلي فقد قارب 2.5 ترليون جنيه ليصل وبحسب صحيفة اليوم السابع المصرية إجمالي الدين الإجمالي المصري 99% من إجمالي الناتج المحلي.
إلا أن خبراء اقتصاد مصريون أوردوا في تحليلاتهم الشخصية أن وزارة المالية لم تذكر في حساب الدين الخارجي قرض روسيا لبناء محطة توليد كهرباء ذرية سيكلف مصر 25 مليار دولار و 7 مليار دولار لخدمة القرض أضف إلى ذلك الـ 12 مليار دولار التي تسعى مصر لاقتراضها من صندوق النقد وهناك 6 مليار دولار ديون هيئة البترول لذا فإن مجموع القروض الخارجية على مصر ستقارب ال 100 مليار دولار وبالتالي فإن إجمالي الدين الخارجي على مصر مضافًا إليه معدل الدين الداخلي سيتخطى نسبة 99% من الناتج المحلي الإجمالي بكثير.
وهذا بحسب الخبراء كفيل بدق ناقوس الخطر من حيث إجمالي الدين الذي سيتحمل تكلفته الشعب وطبقاته ومن المؤكد أن الطبقة المتوسطة والفقيرة سيكون لها النصيب الأكبر من هذه التبعات، بالإضافة إلى معدل نمو الدين وهو مؤشر خطير على سلامة الاقتصاد.
ويؤكد أحد الخبراء أن الكارثة في مصر أنها تقترض لإنها تستطيع الاقتراض بحسب تصنيفها لدى وكالات التصنيف الإئتماني الدولية حيث يقف تصنيفها الإئتماني في المنطقة “B” وليس لإنها قادرة على الوفاء بديونها، وأن الاقتراض الخارجي يتم لأغراض استهلاكية أو دعم الموازنة، وليس لسد الفجوة التمويلية بهدف تنفيذ مشروعات تنموية ومشروعات البنية التحتية مثل محطات الكهرباء والوقود والصرف الصحي وتعبيد الطرق وحفر الأنفاق وتحسين التعليم والإسكان والصحة ومشروعات تنموية أخرى.
وفيما يخص احتياطي النقد الأجنبي البالغ 17.5 مليار دولار علمًا أن من بينها 2 مليار دولار على شكل ذهب أموال غير سائلة ويسعى المركزي جاهدًا لزيادة الاحتياطي إلى 20 مليار دولار، إلا أن الدولة مقبلة على دفع ما يقرب من 8 مليار دولار مستحقات خدمة قروض وإذا دفعت مصر هذا الاستحقاق في وقته بمعنى أنها لم تأجله فإن الاحتياطي السائل سيقف عند 7.5 مليار دولار أي ما يكفي احتياجات مصر لشهر واحد فقط.
فإذا كانت أجندة الحكومة المصرية الاقتراض من أجل سداد ديون سابقة وليس من أجل تنمية الاقتصاد وقطاعات الدولة الأساسية التي تسهم في تنمية الاقتصاد وحل مشاكله، فوفق هذه المعادلة فإنه من غير المتوقع أن ينجح فريق الحكومة المصرية في إدارة القرض على النحو الذي يخططون له في البرنامج الإصلاحي بل قد يسببون في غرق الاقتصاد في الديون أكثر من إنقاذه.
والنتيجة لما سبق ذكره أن الحكومة تتعاون اليوم مع صندوق النقد الدولي وهي في توجه واضح لإيقاف من الدعم الحكومي المقدم للمصريين وغالبهم من الفئات المسحوقة، خدمةً لطبقة الرأسماليين المحليين والدوليين القادمين من خلال الاستثمارات الأجنبية بهدف الحفاظ على نمط طبقي استغلالي من الحياة في مصر، تستمر فيه نخبة محدودة من الأغنياء في التحكم بمصير عشرات الملايين من الكادحين.