ترجمة وتحرير نون بوست
إنّ أمارات الحرب السورية تبدو واضحة عندما نشاهدها من الجانب الإسرائيلي لهضبة الجولان المحتلة، التي تشهد يوميا قصفا للقرى الحدودية، وتضم مخيمات للاجئين وغابات من الأشجار أُحرقت عن بكرة أبيها. لكنها رغم كل ذلك تعكس تناقضا غريبا يجمع بين الهدوء والخراب.
تستطيع أن تدرك حجم الخراب الذي حلّ بسبب الحرب، عندما تنظر إلى مشهد إحدى القرى الحدودية في الجولان التي أصبحت خالية سوى من راعي وأغنامه أو بضعة سيارات تكسر حاجز الصمت عند عبورها.
لقد تغير هذا المشهد مقارنة بالسنوات الماضية، عندما جلست دولة الاحتلال إلى جانب دول أخرى تشاهد أعمدة الدخان المتصاعدة بسبب قذائف الهاون، أصوات إطلاق النار، وأحيانا هجمات المعارضة السورية.
خلال بداية الحرب السورية، كانت إسرائيل تكتفي بمراقبة ما يحدث في سوريا من فوق هضبة الجولان، من خلال مناظير تطلّ على “مختبر الإرهاب”، حسب تعبير ضابط إسرائيلي. لكن هذه “التجارب” تجاوزت أحيانا الحدود السورية في اتجاه إسرائيل بعد أن امتدت إليها الصواريخ وقذائف الهاون التي أدت إلى إصابة عدد من الجنود الإسرائيليين بجروح متفاوتة الخطورة ومقتل إسرائيلي.
تسببت بعض القذائف الطائشة والاستطلاعات التي قامت بها طائرات مجهولة على الحدود السورية الإسرائيلية في توتر الوضع الأمني في إسرائيل، وكانت تلك الفترة من المرات النادرة التي تأثرت فيها إسرائيل بما يحدث في الحرب السورية منذ بدايتها قبل سنوات، رغم أنّ جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، وتنظيم الدولة يتمركزان في مناطق لا تبعد كثيرا عن الحدود السورية الإسرائيلية.
ذكر أحد كبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي أنّ “لبنان قد يكون الساحة الإقليمية الأكثر توترا، لكن غزة أكثر إلحاحا والجولان أكثر ديناميكية”. ويمكن أن تفسر هذه الديناميكية كيف يمكن لمنطقة الجولان بعد سنوات من الفوضى والحرب التي شهدتها سوريا أن تتحول إلى جحيم بالنسبة لإسرائيل التي تشعر بتهديد الجماعات السورية المعارضة عليها، سواء المعارضة المعتدلة، أو الجهادية أو حتى تنظيم الدولة. ويمكن أيضا لهذه الديناميكية أن تفسر فترات الهدوء المتقطع والتغيرات الحذرة للإستراتيجية الإسرائيلية فيما يتعلق بهضبة الجولان المحتلة.
تتخذ الديناميكية في هضبة الجولان بالنسبة للجيش الإسرائيلي أشكالا عديدة، لكن أبرزها ما يتعلق بتل الحارة الذي يبعد بضع كيلومترات عن هضبة الجولان داخل الأراضي السورية. وقد مثّل تلّ الحارة لعقود نقطة إستراتيجية لتمركز الجيش السوري ونقطة اتصال رئيسية لمخططي الحرب الإسرائيليين.
ذكر أحد الضباط الإسرائيليين أنه كان يتم التخطيط منذ سنوات للسيطرة على تلك الهضبة التي كانت تدريباتهم تدور حول كيفية السيطرة عليها، “لكن المعارضة السورية تمكنت بعشرات المقاتلين من السيطرة عليها في سنة 2014”.
بعدما احتلت إسرائيل مرتفعات هضبة الجولان في حرب 1967 ظلت تلك المنطقة من أكثر المناطق هدوء في تاريخها لأكثر من 40 سنة، عندما أشرفت قوات مراقبة فض الاشتباك التابعة للأمم المتحدة على مراقبة المنطقة منزوعة السلاح.
حافظ بشار الأسد مع إسرائيل على حالة السلام في منطقة الجولان في السنوات التي سبقت الحرب السورية، بينما كانت المنطقة تشتعل بالتوترات الإقليمية بين إسرائيل ولبنان أو فلسطين.
بدت إسرائيل أقرب إلى توقيع معاهدة سلام مع سوريا في العقدين الماضيين، وقد كانت على استعداد للتضحية بالجولان مقابل تطبيع كامل للعلاقات مع سوريا. وكانت تسعى في ذلك إلى إرضاء الدروز والإسرائيليين الذين كانوا ممتنين لهذه الجهود التي تقوم بها الحكومات الإسرائيلية المتعابقة، وكانوا يعتقدون أنها يمكن أن تؤدي إلى دعم موقف إسرائيل.
كانت القوات الإسرائيلية تستعد لسيناريوهات أسوأ في الجولان عند بداية الحرب السورية، خاصة وأن هذه المنطقة تمثل أفضل ساحة للمناورات القتالية والمعارك الإستراتيجية، وقد ذكر أحد السكان المحليين ساخرا “يوجد في الجولان ألغام أكثر من البقر، وبقر أكثر من البشر”.
عملت إسرائيل على تعزيز نفوذها وتواجدها في هضبة الجولان بما يتيح لها مراقبة ما يحدث هناك بدقة، وقد قامت في سنة 2014 بتركيز وحدة قتالية تتكون من الوحدات المدرعة والمدفعية، وعناصر من المخابرات والنخب القتالية قبل أن تضيف إليها فرقة تتكون من المظليين في الفترة الأخيرة. وقد قامت إسرائيل باستبدال السياج الحدودي المتهالك بسياج الكتروني مزود بأجهزة استشعار فائقة الحساسية ومعدن أكثر سمكا.
لم تعد القوات الإسرائيلية تنظم دورات مكشوفة بالقرب من السياج الحدودي مع سوريا في هضبة الجولان خلال الفترة الأخيرة، وهو ما يعكس تغيرا حقيقيا في موقف القيادة الإسرائيلية وإستراتجيتها في التعامل مع تطورات الوضع السوري، فقد أصبحت الدوريات أكثر عرضة للهجمات باستعمال قذائف الهاون والعبوات الناسفة. وقد تم تسجيل 6 عمليات استهدفت الدوريات الإسرائيلية منذ بداية الحرب السورية في سنة 2011.
أصبحت إسرائيل تشعر بتهديد أكبر على أمنها بسبب ما يحدث في سوريا، وتحديدا على بعد كيلومترات من هضبة الجولان السورية، ولذلك أصبحت تعول على اتخاذ الإجراءات العسكرية الروتينية على الحدود السورية وكثفت من مجهوداتها الاستخباراتية، لجمع أكبر قدر من المعلومات حول التطورات بالقرب من مرتفعات الجولان لتفادي أكبر مخاوفها التي تتمثل في هجوم بسيارات مفخخة مثلما حدث على الحدود المصرية الإسرائيلية عندما قامت خلية تنظيم الدولة في سيناء بهجوم انتحاري بسيارة مفخخة سنة 2012. وقد قدمت التطورات الأخيرة على الحدود الأردنية السورية مبررات كافية لإسرائيل لاتخاذ التدابير الضرورية في مواجهة تهديد مماثل، ففي شهر يونيو/حزيران قامت سيارة مفخخة قادمة من الجانب السوري باختراق الحدود السورية الأردنية بسرعة فائقة وتوجهت مباشرة نحو حاجز أمني أردني، ما تسبب في مقتل ست جنود.
لقد أصبحت القوات الإسرائيلية أكثر حذرا في تحركاتها على الحدود الثنائية مع سوريا في منطقة هضبة الجولان، ولذلك قامت بتركيز حواجز ترابية وتعزيز تواجدها العسكري بدبابات الميركافا التي تمتلك قدرة على اختراق الحواجز الترابية وتعقب السيارات الرباعية الدفع التي يتم استعمالها لتنفيذ التفجيرات الانتحارية بالسيارات المفخخة.
تسعى إسرائيل إلى إغواء السكان المحليين في سوريا من خلال استغلال الوضع المتردي، لتقديم المساعدات والأغذية للسكان المحليين الذين يمكن أن تعول عليهم إسرائيل إذا نجحت في كسبهم إلى جانبها.
تطلق النخبة العسكرية في إسرائيل مصطلحات رمزية للإشارة إلى الأطراف المتدخلة في الحرب السورية، فبينما تطلق على المجموعات الصغيرة من مقاتلي المعارضة في الجنوب السوري “الظلال السوداء الخمسون”، و”الأسود” في إشارة إلى تنظيم الدولة والجماعات التابعة له، في حين تطلق على المعارضة السورية الأكثر اعتدالا “المتمردون”.
تراقب إسرائيل تطورات الحرب السورية بكل حذر، فبعد أن نجحت جبهة النصرة في اغتيال أحد قادة جماعة “شهداء اليرموك” الذي يدعى “الخال”، أصبحت المخابرات الإسرائيلية تعتقد أن جبهة النصرة ومن وراءه تنظيم الدولة أصبحا يتحكمان في المعطيات الميدانية بطريقة أكثر وضوحا وقد يدفعهما ذلك إلى تغيير إستراتيجيتهما باستهداف إسرائيل أو الأردن.
تمتلك جبهة النصرة قدرة أكبر على كسب ثقة الأهالي والسكان المحليين، وتشكيل تحالفات إستراتيجية وقوية في وقت قياسي، أي أنها تستطيع تقسيم إحدى القرى إلى أطراف متنازعة بفضل قدرتها على إقناع الجميع أنها أقل شرا من تنظيم الدولة.
عموما، تعتبر مرتفعات الجولان من أخطر المناطق الديناميكية التي يمكن أن تشهد تغييرات جذرية في أي لحظة نتيجة لتطورات المعارك السورية، فمنذ بداية الحرب تعاقبت عديد الأطراف في السيطرة على المناطق القريبة من هضبة الجولان، وقد أثر ذلك في موقف إسرائيل وإستراتيجيتها الدفاعية على الحدود السورية.
المصدر: ديلي بيست