ترجمة من الفرنسية نون بوست
بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي عاشت على وقعها تركيا في الشهر الماضي، بدا الشارع التركي مستاء وغاضبا من سياسة الإتحاد الأوروبي نحوه، وتخلى عن فكرة انضمام بلده إلى هذه الجمعية الدولية.
تعددت في الأيام الأخيرة الانتقادات اللاذعة التي أطلقها الأتراك ضد أوروبا التي وصفوها بـ”القارة العجوز” و”المعادية للإسلام” و”الأنانية”؛ فقد تغيرت حقا صورة الأوروبيين في نظر تركيا.
ومنذ أسبوعيين، اجتمع أنصار الرئيس أردوغان في ساحات اسطنبول، لمدة أسبوعين للاحتفال بفشل الانقلاب. وقد غلبت على الحاضرين، الذين يتناقشون في مواضيع مختلفة، أجواء الصدق والشفافية. وفي هذا الإطار صاح “محمد” بصوت مبحوح قائلا: “استمرت أوروبا بمماطلتنا، على مدى عقود، حول طلب عضوية بلدنا في الإتحاد الأوروبي، دون أن نلتمس أي تطور أو تقدم للمحادثات حول هذا الطلب. يبدو جليا أنهم لا يريدون تركيا، البلد المسلم، في اتحادهم. ولكن هذا ليس مهما سنحقق ما نصبو إليه وحدنا دون الحاجة إليهم.”
وفي وسط الساحة، أين يرابط الآلاف من الأتراك، تنقل الشاشة الكبيرة حفلا لتكريم “الشهداء” الذين سقطوا في ليلة 15 يوليو/تموز وقد غطت الأعلام التركية المكان. وتساءلتالمواطنة” أتيلا”، مهندسة في شركة فيوليا:”ولكن من الذي لازال يرغب في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟” ثم أضافت :”إنها قارة أنانية. فهي لا تستقبل من المهاجرين الأتراك إلا المثقفين وخريجي الجامعات. أما الباقون فترفض تواجدهم على أراضيها. بينما نرحب، نحن، بثلاثة ملايين من أشقائنا السوريين اللاجئين دون أن نشتكي من أي شيء.”
وقال رجل من أنصار حزب العدالة والتنمية، الحزب الإسلامي المحافظ للرئيس التركي أردوغان الذي يملك الأغلبية في البرلمان، بنبرة هادئة، وهو ينظر إلى ابنه “نعم، كنت أود له أن يكون من المواطنين الأوروبيين.” ولكن يبدو أن رغبته قد زالت الآن “أما اليوم، فإن جزءا كبيرا من الشعب التركي يساند ويقف جنبا إلى جنب مع الرئيس أردوغان. و بالنسبة له، لم تعد الشراكة مع أوروبا أولوية”.
وبعد إعلان الحكومات الأوروبية دعمها الغير مشروط للرئيس أردوغان على خلفية المحاولة الانقلابية، بدأت الآن تشعر بالقلق إزاء عمليات التطهير الجماعي التي شملت معظم مؤسسات الدولة. كما أن إعلان الرئيس التركي عن احتمال عودة عقوبة الإعدام قد زاد الأوضاع احتقانا. و قد أدى هذا القرار إلى إنهاء المفاوضات حول انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي التي انطلقت في عام 2005. وصرح رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر أنه “يجب على المسؤولين الأوروبيين ألا يخضعوا للابتزاز لانضمام هذا البلد إليهم”. فما كان على الوزير التركي للشؤون الخارجية، مولود تشاويش أوغل، إلا أن يجيبه قائلا: “لن تردعنا تهديداتكم”.
و منذ ذلك الحين، اندلعت معركة دبلوماسية بين الطرفين. فحتى داخل حزب العدالة والتنمية بدت فكرة الانضمام مخالفة لمصالحه. فقد أورد عزير اسيك، مسؤول بارز في حزب الإسلامي المحافظ، أن “النظام الأوروبي لا يبدي أي اهتمام بطلبنا” وأضاف متهكما ومشيرا إلى قرار بريطانيا الانسحاب من هذا الاتحاد: “انظروا، حتى البريطانيون يريدون مغادرته. لقد تغيرت تركيا. صحيح أننا تعلمنا الكثير من دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة في مجال احترام حقوق الإنسان. ولكن بلدنا لم يعد بحاجة إليه؛ فشعبنا شاب واقتصادنا قوي وسترون أنه في غضون سنوات قليلة، ستأتي الدول الأوروبية إلى تركيا راجية ومتوسلة انضمامنا إلى اتحادهم”.
إلا أن هذا الخطاب يبدو متناقضا مع نتائج استطلاعات الرأي التي كشفت أن أغلبية المجتمع التركي تؤيد انضمام البلد إلى هذا الإتحاد. فقد صرح الأمين العام لجمعية التنمية الاقتصادية والمتخصص في الشراكة بين الاتحاد الأوروبي و تركيا، جيجدم ناس، بأن “آخر استطلاع للرأي بيّن أن 75 بالمائة من الأتراك الذين شملهم الاستطلاع يؤيدون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي على الرغم من أن 35 بالمائة، فقط، منهم يعتقدون أن ذلك سيحدث في المستقبل القريب. وقد خلف ذلك شعورا بخيبة الأمل نتج عن عدم إحراز تقدم كبير في مفاوضات الانضمام. وبمجرد تهدئة الأوضاع الداخلية للبلاد، فإن الاتحاد الأوروبي سيصبح مرة أخرى أولوية بالنسبة لتركيا؛ لأن علاقاتنا مع دوله مهمة جدا لاقتصادنا.”
ويبدو أن الأمل في إحياء المفاوضات حول عملية الانضمام قد عاد للظهور ثانية. وفي مناقشات جمعتها بأنقرة بشأن قضية المهاجرين الشائكة، أعلنت بروكسل فتح مفاوضات جديدة ووعدت برفع تأشيرات الدخول للأتراك الراغبين في السفر إلى منطقة شنغن ( لفترات قصيرة ) .
وبعد خمسة أشهر، بدت مبادرة موسكو غير جدية. وقال المواطن “أحمد”، من المدافعين عن انضمام تركيا إلى هذا الإتحاد، وقت خروجه من وكالة إصدار تأشيرات سياحية إلى اليونان حاملا بيده جواز سفره وصور فوتوغرافيه: “لكي تصبح تركيا دولة أوروبية، يجب علينا انتظار تغير الوضع السياسي في بلدنا، وحاليا، نحن بعيدون عن ذلك.”
المصدر: ليبراسيون