ترجمة وتحرير نون بوست
في أعقاب محاولة الانقلاب العسكري العنيفة التي استهدفت الحكومة التركية في 15-16 يوليو/ تموز، أثيرت أسئلة ملحة حول مدى مسؤولية رجل الدين الذي يعيش في المنفى، فتح الله غولن، المقيم في سيلسبيرغ في ولاية بنسلفانيا، بهذا الانقلاب.
وعلى الرغم من أن غولن ليس نموذجا لأولئك الذين يدعون للتطرف علنا، حيث لا توجد له أشرطة فيديو لاذعة على الإنترنت تدعو إلى العنف مباشرة أو تكشف عن جدول أعماله ومخططاته، إلا أنه في الواقع أكثر ذكاء وأكثر خطورة من ذلك.
ولسنوات، عمل فتح الله غولن مع تسلسل هرمي واسع من الموالين له، عملوا خلف أبواب مغلقة في بيته في جبال البوكونو، حيث أنشأ أكثر من 160 مدرسة مستأجرة (عن طريق شركات وهمية سرية)، و55 ألف من الشركات في جميع أنحاء العالم، التي تضم الآلاف من المواليين له المندسين في قطاع الإعلام التركي وجيشه وحكومته.
لكن الشعب التركي لم ينخدع بحيلة غولن فعندما وقع الانقلاب الفاشل، غمر المواطنون الأتراك الشوارع وخاطروا بحياتهم ليس للترحيب بغولن بل لمقاومة الانقلابيين وإعادتهم الى ثكناتهم. وقد أصبحت قضية تورطه في هذه المحاولة للإطاحة بالرئيس أردوغان مسألة توافق عام في الآراء لأن الجميع بما في ذلك أولئك الذين يعارضون الرئيس رجب طيب أردوغان أقروا بتورط ومسؤولية فتح الله غولن في هذه الجريمة.
ولكن هنا في الولايات المتحدة، تسرد قصة مغايرة تماما عما يحدث في تركيا للأسف، حيث أن العديد من ممثلي وسائل الإعلام وكذلك الكثير من السياسيين الذين يستفيدون من سخاء تبرعاته يقولون بسذاجة إن غولن يمثل”الإسلام المعتدل” وتشكك في إثباتات تورطه مباشرة في أنشطة إجرامية.
وقد كتب أحد مؤيدي غولن في الولايات المتحدة الأمريكية وهو ضابط وكالة المخابرات المركزية السابق غراهام فولر، في صحيفة هافينغتون بوست الأمريكية يوم 22 يوليو/ تموز، تقريرا وصف به شبكة الخدمة الغولانية بأنها “واحدة من أكثر الوجوه تشجيعا للإسلام المعاصر في العالم”، مؤكدا أن ذلك لعب دورا رئيسيا في حماية غولن من مأزق الترحيل.
وعندما تم رفض طلب غولن للحصول على البطاقة الخضراء في عام 2007، ناشد غولن دعم الموالين له. وكان المحامون الذين يمثلون حكومة الولايات المتحدة متشككين جدا من طلب غولن لدعم موقفه ولكن عند دراسة الأدلة المقدمة من مدعي غولن بعناية، اكتشف أنه ليس عالما وعمله ليس تربوي بحت كما كشفت إنه شخصية دينية وسياسية تحاول شراء المدارس من خلال دفع النقود للناس للكتابة عنه”.
وعلى الرغم من الشكوك التي كانت حائمة حوله، إلا أن غولن تمكن من الفوز بالإقامة الدائمة في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2008 ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى دعم فولر له، بالإضافة إلى تمكنه من استمالة مؤيدين آخرين له داخل جهاز الاستخبارات الأمريكي.
كما يوجد العديد من الأشخاص الذين شككوا في مصداقيته مثل الصحفي مصطفى أكيول في صحيفة نيويورك تايمز، الذي كتب أن “الحركة الغولانية تملك جانبا مظلما، وعدد قليل من أعضائها يعرفون حقيقتها”.
وقبل سنوات من وقوع محاولة الانقلاب، أمر غولن أتباعه بالتغلغل سرا في مؤسسات الدولة الرئيسية، وبالتحرك في شرايين النظام دون أن يلاحظ أحد وجودهم، إلى أن تتمكن الجماعة من الوصول إلى جميع مراكز السلطة”. كما أمرهم بإنكار أي علاقة معه في حين تم اكتشاف أمرهم.
ويصف بعض الأكاديميين ممارسات منظمة غولن بأنها تتسم “بالغموض الاستراتيجي” أي أنها دائما تحاول إخفاء كافة اتصالاتها وعلاقاتها باستمرار. وكمثال جيد عن هذا الغموض الاستراتيجي نجد حادثة إغلاق ثلاث مدارس لغولن في جورجيا بعد سلسلة من عمليات التدقيق الشرعي التي كشفت استخدام المدارس كواجهة لأغراض أخرى.
وعندما تم التحقيق في الأنشطة غير المشروعة للمدارس المستأجرة لغولن في الولايات المتحدة، وجد العديد من المخبرين والمعلمين السابقين الذين وصفوا تنظيم غولن بالطائفة الدينية.
وقد كشف المعلمون السابقون عن المعاملة السيئة التي يتعرض إليها المواطنون الأتراك الذين يعملون كموظفين في هذه المدارس، حيث يتم الاستيلاء على جوازات سفرهم، وتقيد تحركاتهم وتراقب حياتهم الاجتماعية ويحرمون من حرياتهم الأساسية.
وأشار هؤلاء المخبرون إلى المستوى المتطور من أنظمة التحكم التي تملكها هذه المنظمة، بما في ذلك التركيب إجباري لبرمجيات التتبع على أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف لمنع أعضاءها من إفشاء أسرار المنظمة. وقد تعرض أحد الذين اكتشفوا فساد هذه المنطمة للترحيل من دولة أوروبية بعد البدء في التحدث عن النشاط غير القانوني لمنظمة غولن.
ولكن على الرغم من كل الاتهامات الموجهة لهذه المنظمة والحقائق التي تم الكشف عنها، لا تزال بعض الشخصيات الأمريكية المؤثرة مثل فولر تدعم غولن، حيث يمثل دعم فولر مثالا غريبا عن الدعم الذي يقدمه العديد من السفراء ووكلاء الولايات المتحدة السابقين لغولن، والذين يتغاضون ويتغافلون عن مخططات احتياله الواسعة، والذين يواصلون تقديم دعمهم لغولن على الرغم من العديد من التحقيقات الجنائية الجارية.
علما وأن هذه الطائفة اعتبرتها تركيا سابقا منظمة إرهابية حاولت إسقاط حكومة منتخبة ديمقراطيا، وهي تعمل اليوم بسرية تامة على تشغيل 160 من المدارس الأمريكية المستأجرة محاولة بذلك التأثير على العلاقات الدولية للولايات المتحدة، ولهذا يجب النظر في أنشطة تلك المدارس لأننا نعتقد أنه يتم تشغيل تلك المدارس من قبل خلايا من أتباع غولن التي تقوم باستغلال قطاع التعليم العام لصالح شخص واحد فقط، وهو غولن.
ولهذا تملك تركيا الحق في التساؤل عن موقف الولايات المتحدة في هذه المسألة، مثلما تقوم الولايات المتحدة بالتشكيك في بعض الأحيان في موقف بعض الدول الأخرى التي تستضيف منظمات إجرامية مماثلة. ومثلما نطالب تركيا بإثباتات عن الإدعاء بأن منظمة غولن هي وراء الانقلاب، علينا أيضا أن نطلب من الحكومة الأمريكية لماذا ما زالت توفر الملاذ الآمن لهذه الطائفة الخطيرة على الرغم من التحقيقات والأدلة العديد التي أثبتت ارتكاب منظمة غولن لمخالفات القانونية.
المصدر: بريت بارت