يتعرض زعيم حزب العمال البريطاني جيريمي كوربين لضغوط داخلية وسط استقالات جماعية من قياديي حزبه، بعد أن قدم كل من هيدي أليكساندر، وإيان موراي، وغلوريا دي بييرو وليليان غرينوود، ولوسي باول، وكيري ماك كارثي استقالاتهم، على خلفية إقالة كوربين وزير خارجية حكومة الظل، هيلاري بين.
الحملة على كوربين ازدادت بعد فشل الحملة التي قادها للبقاء في الاتحاد الأوروبي لكن وزير الخزانة في حكومة الظل، جون ماكدونيل، قال إنه سيبقى. وعبر ماكدونيل وزملاؤه في حكومة الظل أندي بيرنام، وديان أبوت، وإميلي ثورنبيري، عن دعمهم الكامل لكوربين.
يفسر البعض هذه الحملات المتواصلة على كوربين بأن جناحًا داخل الحزب العريق في بريطانيا يسعى للإطاحة بزعيم الحزب الحالي جيرمي كوربين، حيث دعم 172 من إجمالي نواب الحزب، البالغ عددهم 230، تحركًا رمزيًا لحجب الثقة عن كوربين، بعدما حاولوا استبعاده من الانتخابات الجديدة، وهو اعتراف ضمني بأن نجاحه في جلب مئات الألوف من مناصريه إلى حزب العمال يعني أن الحزب سيعيد انتخابه.
وقد انخرطت أنجيلا إيغل وأوين سميث المعارضين الأبرز لكوربين في سجالات كثيرة، قبل أن يتفقا على أن سميث وحده سوف يترشح لزعامة الحزب أمام كوربين، وهو الأمر الذي لن يبرم حتى 24 سبتمبر، ليصبح الطريق الآن ممهد لسباق على الزعامة مطول، حيث يسلط سميث الضوء على نقاط الضعف لدى كوربين بعدم قدرته على الحصول على ثقة نواب الحزب.
دعم لـ “كوربين” أمام هذه الحملات
في هذه الأثناء طالب أعضاء النقابات العمالية عن حزب العمال الحزب برص صفوفه. ووقع 175 ألف شخص التماسًا على الإنترنت عبروا فيه عن دعمهم لبقاء كوربين على رأس الحزب.
وتقول مصادر مقربة من حزب العمال إن كوربين سيرشح نفسه مرة أخرى في حال إجراء انتخابات، وقال جون ماكدونيل إنه سيترأس حملته مرة أخرى.
ولكن الانقسام الحالي الذي يبدو عليه الحزب جعل الصحافة اليمينية تسلقه بالنقد الدائم تحت عناوني مثل “موت حزب العمال الجديد”، في إشارة إلى رفض كوربين سياسات التقشف، ما يشكل إعادة تموضع للحزب الذي قاده بلير نحو الوسط في التسعينيات من القرن الماضي، وحوله في اتجاه اقتصاد السوق.
وعقب الاستفتاء الأخير للخروج من الاتحاد الأوروبي زادت الحملة على كوربين شراسة حيث نشر نواب حزب العمال البريطاني خطابًا موجهًا إلى زعيم الحزب جريمي كوربين عبر وسائل التواصل الاجتماعي يدعونه فيها لتقديم استقالته.
يأتي ذلك في إطار استمرار الضغوط الحزبية والعامة على زعيم المعارضة البريطانية للتنحي وترك منصبه لشخص جديد.
انتخابات مصيرية في الحزب
بعد إعلان كوربين وأنصاره داخل الحزب عن إصرارهم خوض انتخابات الحزب سينافس كوربين على هذا المنصب أوين سميث.
ويأمل كوربين تجاوز نواب الحزب الرافضين له ليتوجه إلى أنصاره في نقابات العمال وأعضاء الحزب من القاعدة الشعبية الذين ساعدوا على فوزه بزعامة الحزب في العام الماضي، والذين تزايد عددهم بشكل كبير في الأشهر الأخيرة.
هذا الصراع دفع صحيفة “ديلي ميرور” اليسارية أن تكتب تقريرًا عن هذه المنافسة بعنوان “حرب غير متحضرة يمكن أن تقسم حزب العمال إلى الأبد”.
وقالت الصحيفة في تقريرها إن “السم في شرايين حزب العمال متغلغل وسام جدًا بحيث أن الجميع يرون أن هذا الوضع لن ينتهي بشكل جيد”.
ويشير خبراء أن الصراع الداخلي في حزب العمال يمكن أن يعمي الحزب عن أخطر مشاكله، وهي فشله في إقناع ملايين الناخبين من الطبقة العاملة الذين تحدوا الحزب وصوتوا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. فهؤلاء يمكن أن يتركوا خيارات حزب العمال إلى الأبد، إضافة إلى ذلك فإنه لا أحد يتحدث عن التهديد على كيان الحزب مطلقًا جراء هذه الحرب.
وإذا فاز كوربين فانه سيواجه احتمال أن يكون زعيمًا عاجزًا للمعارضة، ومن غير المرجح أن يكون له تأثير نظرًا لقلة عدد أنصاره بين نواب الحزب، ولكن على العكس يتمتع بشعبية جارفة في قواعد الحزب.
وهو ما يهدد الحزب في حالة خسارة كوربين لأن النقابات القوية والنشطاء الشباب الذين يشكلون قاعدته السياسية يمكن أن يختاروا الخروج من الحزب في حالة عدم وجود كوربين في صدارته.
تنبؤ بالانقسام
في مقاله بالصنداي تلغراف يرى الكاتب البريطاني سيمون هيفر أن “قرار محكمة يمكن التنبؤ به بإبقاء جيرمي كوربين في سباق انتخابات قيادة حزب العمال (دون الحصول على الدعم المطلوب الذي يجب أن يحصل عليه مرشحون آخرون)- قرارا كهذا يكفل ضمان نهاية ذلك الحزب كما نعرف.”، تعليقًا على فشل محاولات إبعاد كوربين عن السباق بإجباره على الحصول على ترشيح 51 على الأقل من نواب حزب العمال وأعضاء البرلمان الأوروبي.
وقال هيفر إن “الحملة المتعثرة التي يقودها أوين سميث، خصم كوربين، بدت محكوما عليها بالفشل منذ البداية؛ ومن ثم يتعين علينا افتراض أن كوربين سيفوز بأغلبية أكبر من تلك التي حققها آخر مرة، وسيدعمه في تحقيق تلك النتيجة حشد من اليسارين المتطرفين.”
واختتم هيفر قائلًا: “أتخيل أعضاء عماليين بالبرلمان -تريسترام هانت، و”ليز كندال”، و”ألان جونسون”، و”ستللا كريسي” وأمثالهم– أن يبادروا إلى تشكيل حزب جديد بمجرد إعادة انتخاب كوربين، وأن يشرعوا في إقناع معظم زملائهم من برلمانيي العمال للانضمام إليهم؛ فالبديل هو النسيان.”
فيما نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرًا لنائبة محرر الشؤون السياسية روينا ماسون، تقول فيه إن منافس جيرمي كوربين على زعامة حزب العمال أوين سميث، حذر من أن الحزب على حافة الهاوية، وأنه قد “يتفتت ويختفي”.
ويشير التقرير إلى أن عضو البرلمان العمالي، الذي استقال الشهر الماضي من حكومة الظل، قال إنه لا يريد للحزب أن ينقسم، مستدركا بأن هذا الانقسام أصبح محتملا إن استمر كوربين في زعامة الحزب.
ولكن مدير حملة كوربين جون ماكدونيل يتهم سميث بالمبالغة في خطر انشقاق الحزب؛ لتعزيز حظوظه في المنافسة، لينتظر المجهول مصير حزب العمال البريطاني بعد هذه الانتخابات.