تنوي تركيا إنشاء صندوق سيادي لدعم النمو على مدى السنوات العشر المقبلة حيث ناقش أعضاء البرلمان التركي مشروع القانون يوم الثلاثاء الماضي 2 أغسطس/آب، وبمقتضاه ستقوم الحكومة بتأسيس شركة لإدارة الثروة باسم “تركيا لإدارة الأصول” برأسمال مبدأي يقدر بنحو 17 مليون دولار يمول من صندوق الخصخصة الحكومي حيث سيتم نقل بعض الأصول من الصندوق إلى محفظة صندوق الثروة السيادي كما سيأخذ تمويلاته من حصيلة بيع أصول حكومية وفوائض مالية لمؤسسات حكومية.
وبحسب مشروع القانون فإن الهدف الاستراتيجي للصندوق هو توليد نمو سنوي بنسبة 1.5% على مدى السنوات العشر المقبلة، وقد يضطلع بتمويل مشروعات بنية تحتية وقد يُستخدم في شراء أوراق مالية تركية لتحقيق الاستقرار في الأسواق إذا لزم الأمر.
الصندوق سيمتلك عشرات المليارات من الدولارات دون أن يؤثر ذلك على ميزانية الدولة.
وبحسب تصريح سابق لرئيس الوزراء بن علي يلدريم لصالح وكالة بلومبيرغ الاقتصادية في 24 يوليو/تموز الماضي قال فيه أن الصندوق سيمتلك عشرات المليارات من الدولارات دون أن يؤثر ذلك على ميزانية الدولة.
صندوق الثروة السيادي
درجت العادة عند الدول ذات الثروات الطبيعية كالنفط والغاز…إلخ أن تؤسس صناديق ثروة سيادية، ينتج عن بيع الثروة بأسعار السوق العالمية المتذبذبة فوائض مالية عن الميزانية، تحول إلى رأس مال الصندوق الذي يدخر الأموال للأجيال المقبلة، أو قد تحول كامل الأموال المتأتية من بيع الثروة الطبيعية إلى الصندوق دون أن تدخل في حساب الميزانية المالية كما يجري في النرويج مثلًا.
ففي الدول النفطية التي تنتج وتصدر النفط والغاز الطبيعي قامت حكومات كثيرة بالاعتماد على إيرادات النفط لتمويل الميزانية المالية للدولة وقد نتج عن هذا الاعتماد ما يسمى بالمرض الهولندي، فأسعار الطاقة تخضع لآليات العرض والطلب في السوق وهذا قد يؤدي بها أن تهوي دون المستويات التي تتوازن معه الميزانية، لذا فقد عمدت بعض الدول لفصل هذه الأموال في صندوق سيادي خاص لا يكون له علاقة بتمويل الميزانية، واعتمدت أكثر على الاستثمار في شتى المجالات بهدف تنويع مصادر دعم الميزانية.
هذا المصاب (المرض الهولندي) أصاب الدول الخليجية كالسعودية والكويت وغيرها والتي تعتمد في تمويل ميزانياتها على إيرادات النفط بنسبة 80 – 90% وعند انخفاض أسعار النفط العالمية تتسبب بعجوزات مالية كما هو حاصل الآن لديها حيث أجبرت أسعار النفط المنخفضة دون سعر التوازن مع الميزانية إلى الاقتراض والخصخصة والتقشف ومشاكل هيكلية أخرى.
لذا تعد هذه الخطوة مستهجنة عند الدول التي لا تملك ثروة طبيعية، ولكن يمكن قراءتها من جهة أخرى أنها هدف طموح لدى حكومة في بلد تفتقر لإيرادات الطاقة وثروتها. ويأتي هذا في بلد كتركيا تعتمد على أموال المستثمرين الأجانب بشكل كبير للحد الذي يقلق الحكومة من أي حركة قد تزعجهم.
الهدف الاستراتيجي للصندوق هو توليد نمو سنوي بنسبة 1.5% على مدى السنوات العشر المقبلة. وقد يضطلع الصندوق بتمويل مشروعات بنية تحتية وقد يُستخدم في شراء أوراق مالية تركية لتحقيق الاستقرار في الأسواق إذا لزم الأمر
ولعل تأسيس الصندوق من وجهة نظر أخرى هدفه البدء في بناء ثروة مالية تكون عونًا للحكومة التركية في حالات الأزمات التي يسارع فيها المستثمر الأجنبي للتخارح برؤوس أمواله من البلد خوفًا من خطر محدق، وهذا الدور لو أنيط بالصندوق السيادي في فترة الأزمة فهو أمر مهم جدًا يكون على عاتقه إعادة التوازن للاقتصاد ولو نسبيًا في حالات الطوارئ، كما حصل في تركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة.
الأمر الآخر هو أن مشروع القانون جاء بعد محاولة الانقلاب الفاشلة وفرض حالة الطوارئ في تركيا والتي سببت هزة لأركان الاقتصاد التركي خرج منها سالمًا، حيث شكلت تلك الهزة هاجسًا في البداية لدى المستثمر الأجنبي للبقاء أو الخروج من تركيا إلى أن ثبتت الرؤية واستقرت الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير.
وبحسب العديد من تصريحات المسؤولين الأتراك والأجانب على حد سواء فإن الاقتصاد التركي تجاوز الأزمة وخرج منها معافى، آخرها كان تقرير لمكتب التجارة الخارجية في وزارة الاقتصاد الإسرائيلية جاء فيه أن الاقتصاد التركي بدأ يتعافى سريعًا من آثار محاولة الانقلاب الفاشلة بسبب امتلاك تركيا لقطاع إنتاج قوي ومتنوع إلى جانب وقوف الشعب التركي مع الحكومة لاحتواء الأزمة، إذ أفادت تقارير أن الشعب صرف 11 مليار دولار كأحد خطوات دعم الاقتصاد التركي بعد الانقلاب.
وبحسب تصريح نائب رئيس الوزارء التركي للشؤون الاقتصادية محمد شيشمك، قال فيه، بأن أسس اقتصاد تركيا الراسخة هي التي سرعت من عودة الأسواق إلى طبيعتها في أعقاب الانقلاب الفاشل.
كما استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الثلاثاء الماضي وفدًا من المستثمرين الأجانب لتقييم المناج الاستثماري والوقوف على مطالبهم ومعاناتهم بعد محاولة الانقلاب وهذا مؤشر بارز على وعي القيادة التركية بدور المستثمر الأجنبي في البلاد، وتعهد الرئيس خلال اللقاء بتقديم كافة التسهيلات للمستثمرين، وتوعّد بـ”محاسبة كل من يصعّب المعاملات الخاصة بالمستثمرين” وطالب بـ”تقديم اسم أي جهة تتوانى عن القيام بمهامها إلى الجهات المتخصصة للقيام بما يترتب عن ذلك من محاسبة ومساءلة”.