في يناير الماضي، أفرجت إيران عن 5 سجناء أمريكيين، وأصدرت الولايات المتحدة عفوًا عن 7 إيرانيين وسحبت مذكرات توقيف بحق 14 آخرين.
عملية تبادل السجناء هذه الأولى من نوعها بين البلدين، فقد أفرجت طهران بموجبها عن 4 إيرانيين أمريكيين وأمريكي واحد بينهم مراسل صحيفة “واشنطن بوست” جيسون رضايان في مقابل 7 معتقلين إيرانيين أطلق سراحهم في الولايات المتحدة.
بعد ساعات من هذا الإفراج المتبادل أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنه وافق على إعادة مبلغ 1.7 مليار دولار إلى إيران، بذريعة أن هذا كان موضوع أحد الاتفاقات التي تلت توقيع الاتفاق التاريخي مع الغرب حول البرنامج النووي الإيراني.
إلى هذا الحد لم يكن في هذه الأخبار ولا تزامنها ما هو ملفت للرأي العام حتى كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن المبلغ كان عبارة عن “فدية” لإطلاق سراح الأمريكيين الخمسة. وأوضحت أن جزءا من الـ1.7 مليار دولار وضع في صناديق من الخشب ونقل سرًا إلى إيران في الطائرة في شحنات لم يكشف محتواها، وكان هذا الجزء عبارة عن مبالغ بالفرنك السويسري واليورو تعادل 400 مليون دولار.
البيت الأبيض ينفي
وسط اتهامات تزايدت بعد تقرير “وول ستريت جورنال” بالافراج عن مبالغ بالفرنك السويسري واليورو تعادل 400 مليون دولار لإيران مقابل إطلاق سراح أمريكيين، أكد البيت الأبيض أن لا علاقة بين المسألتين.
وقال الناطق باسم البيت الأبيض جوش إرنست إن “هذه الـ400 مليون دولار هي في الواقع أموال دفعها الإيرانيون لحساب أمريكي في 1979 لجزء من صفقة لتسليم معدات عسكرية”. وبرر نقل الأموال جوا إلى إيران بأن “الولايات المتحدة لا تقيم علاقات مصرفية مع إيران”.
وكرر إرنست نفي الاتهامات بدفع أموال لقاء إطلاق محتجزين أمريكيين. وقال إن “دفع فدية من أجل رهائن مخالف لسياسة الولايات المتحدة”.
وأضاف إن “الناس الذين يتكهنون بذلك هم إما مضللون أو يكذبون على الشعب الأمريكي، وسأترك لهم أمر توضيح سبب عدم تحقق ما يتكهنون به”.
من جهة أخرى، قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر إن “المفاوضات بشأن التسوية القضائية لمحكمة لاهاي كانت منفصلة تمامًا عن النقاشات حول ترحيل المواطنين الأميركيين”.
وأكد أن مبلغ الـ400 مليون دولار دفع نقدًا بعملتي اليورو والفرنك السويسري لأن “إيران كانت ولا تزال منقطعة عن النظام المالي العالمي”.
الجمهوريون التقطوا الخبر
هذه الاتهامات التي جاء عبر الإعلام ليست الأولى من نوعها في هذه القضية، حيث صرح رئيس مجلس النواب الأمريكي بول راين بقوله “إن هذه المعلومات تؤكد شكوكنا منذ فترة طويلة بأن الإدارة دفعت فدية مقابل إطلاق سراح أمريكيين محتجزين ظلمًا في إيران”.
وفي هذا الإطار، طلبت لجنة من مجلس النواب الأمريكي في رسالة من وزير الخارجية جون كيري الحضور وشرح “المصادفة” بين دفع الأموال وإطلاق سراح المعتقلين الأمريكيين، وهو ما يضع الإدارة الأميركية الحالية في حرج كبير، خاصة أمام الجمهوريين الذين كانوا ولا زالوا يعارضون الاتفاق النووي مع إيران.
حيث يرون أن هذه التسريبات ستشكل حلقة جديدة في مسلسل تضليل الشعب الأمريكي من أجل الترويج للاتفاق النووي، مطالبين بتوضيح لما ذهبت إليه هذه الإدارة لمصلحة أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، بحسب تعبيرات بعضهم.
من جهته، استغل دونالد ترامب المرشح الرئاسي الجمهوري الفرصة وأدان في بيان له ما وصفه ب “منح إدارة أوباما إيران الدولة الأولى في العالم بدعم الإرهاب مبلغ 400 مليون دولار سيصل من دون أدنى شك إلى أيدي الإرهابيين”.
والسبب وراء هذه الحملة أن الجمهوريين بشكل عام يرون أن إيران ستستخدم رفع العقوبات عنها والإفراج عن المليارات المجمدة من أموالها لتمويل الإرهاب، بينما كانت وجهة نظر الدوائر المقربة من إدارة أوباما أن في هذا الطرح مبالغات كثيرة، حيث أن الأموال التي سيتم الإفراج عنها أقل بكثير مما يتحدث عنه الجمهوريون وسيخصص الجزء الأكبر منها لإصلاح الاقتصاد الإيراني المتردي بفعل العقوبات الاقتصادية الدولية.
شكوك حول تراتبية الأحداث
الإدارة الأمريكية تنفي، وإيران رسميًا في حالة صمت إلا بعض الصحف المحلية التي اقتبست أقوال مسؤولين عسكريين في إيران، بوصف المبلغ على أنه فدية لإطلاق سراح الأميركيين المحتجزين.
وما يُثير الشكوك أيضًا هو عدم إعلان الإدارة الأمريكية عن تسديد هذا المبلغ بهذه الصورة المريبة، إذ صرح الرئيس الأمريكي أوباما فقط أنه بوصول الغرب إلى اتفاقية الأنشطة النووية مع إيران، أطلق سراح الأميركيين الأربعة، وأكد أنه كان وقتًا مناسبًا لحل هذه الإشكالية، لكنه لم يعلن أمر الـ 400 مليون يورو التي تم تسديدها لإيران بالشحن الجوي.
في حين أنه كان المعلوم أن هناك مفاوضات بين الجانب الأمريكي والإيراني جرت برعاية سويسرية على هامش الاتفاق النووي الإيراني، كما أن إيران والولايات المتحدة كانا في نزاع على مبلغ 400 مليون دولار تم دفعها من قبل نظام الشاه قبل سقوطه عقب الثورة الإسلامية الإيرانية، كائتمان في صندوق نقد البنتاجون، في مقابل شراء طائرات مقاتلة أميركية، ولكن الصفقة جُمدت عقب قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في العام 1980، وطالبت إيران مرارًا بالمبلغ حتى وصل الأمر لمحكمة العدل الدولية في “لاهاي”، والتي حكمت برد المبلغ لإيران وفوائده على مدار السنوات الماضية.
إلا أن البعض يتوقع أن الفريق الإيراني المفاوض أقحم عملية رد الأموال الإيرانية المجمدة بسرعة مقابل التساهل في الإفراج عن المعتقلين الأمريكيين، وهو ما يبدو أن ذلك ما رضخت إليه الإدارة الأمريكية، لانجاز تلك الصفقة، خاصة وأن الولايات المتحدة كانت ملزمة برد هذه الأموال سواء بهذه الصفقة أو بغيرها، وعلى الجانب الإيراني أراد الإيرانيون انتزاع مكسب مهين من الأمريكان في هذه القضية، لضمان تحويل أموالهم بهذه الصورة السرية والسريعة.
وفي حين لم يفصح المسؤولون الأميركيون عن ميعاد وصول طائرة النقد إلى طهران، إلا أن إحدى الوكالات الإخبارية المقربة للحرس الثوري الإيراني وهي- وكالة التسنيم- صرحت بأن الطائرة وصلت مطار طهران في نفس اليوم الذي غادر فيه الأسرى الأميركيون، وهو ما يُثير الشكوك بقوة حول ماهية الصفقة التي حدثت في نفس التوقيت ومدى إمكانية حدوث الأمر عن طريق المصادفة كما يردد البيت الأبيض.