أصدر الرئيس محمود عباس بتاريخ 28/7/2016م مرسومًا رئاسيًّا يحدد عدد أعضاء المجلس للهيئات المحلية المقرر إجراء انتخابات لها في 8/10/2016م، وحدد المرسوم تسع بلديات، أهمها بلديتا رام الله وبيت لحم، فخصص المرسوم عدد مقاعد للمسيحيين تفوق ما خصص للمسلمين في البلديات التسعة، وجاءت المادة الثانية من المرسوم لتحسم مقعد رئيس البلدية لشخصية مسيحية.
وهذا يدفعنا إلى طرح الأسئلة التالية: ما دوافع الرئيس محمود عباس إلى إصدار هذا المرسوم؟ وما مدى دستوريته؟ وهل ينسجم المرسوم مع هوية حركة فتح التي يرأسها عباس؟
أولًا: دوافع إصدار المرسوم الرئاسي
سأعمل على حصر كل الدوافع التي من الممكن أن تقف خلف إصدار المرسوم الرئاسي، وأترك القارئ كي يحكم عقله في ترجيح أحدها:
1- الدافع الأول يتمثل في تحصين البلديات التسعة من فوز محتمل لحركة حماس فيها، فالكتلة التصويتية للمسيحيين في تلك المدن ليست بالقليلة، وإن اتحدت مع حركة فتح أو الجبهة الشعبية فستكون الغلبة لها، وما يختلف هذا المرسوم عن المراسيم السابقة بأنه حسم مقعد رئيس البلدية للإخوة المسيحيين.
2- قد يرى الرئيس تلك الخطوة رسالة طمأنة للإخوة المسيحيين، يضمن بها رضا المجتمع الدولي، ويضمن تدفق المساعدات والمنح على تلك البلديات الرئيسة.
3- محاولة استفزاز لحركة حماس كي تنسحب من الانتخابات، ورسالة إقلاق للجهاد الإسلامي لدفعها إلى عدم المشاركة خشية دعمها لقوائم تشكلها حماس.
ثانيًا: مدى دستورية المرسوم
الغريب أن العديد من المؤسسات الحقوقية التي تنتفض لحظة إصدار أي قرار في قطاع غزة حتى كتابة تلك السطور ما زالت صامتة، ولم يصدر منها أي موقف مؤيد أو معارض للمرسوم، سوى مركز حماية لحقوق الإنسان، وكان رأيه القانوني الذي لا يقبل التأويل _من وجهة نظري_ على النحو التالي:
“إن قانون انتخاب مجالس الهيئات المحلية رقم (10) لسنة 2005م وتعديلاته أعطيا الرئيس صلاحية إصدار مرسوم يخصص فيه عددًا من المقاعد للمسيحيين في بعض دوائر الهيئات المحلية، لكنهما لم يعطياه الصلاحية في اشتراط أن يكون رئيس تلك المجالس مسيحيًّا، كما ورد في المرسوم”.
ويرى مركز حماية لحقوق الإنسان أن المادة (2) من المرسوم الذي أصدره الرئيس تخالف ما تنص عليه الفقرة (3) من المادة (56) من قانون انتخاب مجالس الهيئات المحلية رقم (10) لسنة 2005م وتعديلاته التي تؤكد ما يلي: “ينتخب المجلس رئيسًا له بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، وفي حالة عدم حصول أي من المرشحين على الأغلبية المطلقة تعاد الانتخابات بين الحائزين أعلى الأصوات، ويكون المرشح الفائز بأعلى الأصوات في المرة الثانية رئيسًا للمجلس، وفي حال تساوت الأصوات يختار رئيس المجلس بالقرعة”.
ومن جهة أخرى إن وجود شرط يقضي بأن يكون رئيس المجلس مسيحيًّا يتعارض هو وحق المساواة بين الجميع, ويخالف حقًّا دستوريًّا كفلته المادة (9) من القانون الأساسي الفلسطيني التي تؤكد أن “الفلسطينيين أمام القانون والقضاء سواء، لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة”.
ثالثًا: مدى انسجام المرسوم الرئاسي مع هوية السلطة وحركة فتح
يناقض المرسوم الرئاسي الأخير كل القيم الديمقراطية والمدنية حتى القانونية والدستورية، وينسجم مع الدولة الثيوقراطية التي كانت سائدة في القرون الوسطى، فالمرسوم يعزز النعرات الطائفية؛ ففي الدولة المدنية لا قيمة لشيء سوى دولة القانون، فكلٌّ سواء، مسلم ومسيحي ويهودي وغير ذلك، لا فضل لأبيض على أسود، فلماذا نقحم إخواننا المسيحيين في هذا المربع؟!، أليس ذلك انقلابًا على الذات، يا سيادة الرئيس؟!
لا أحد يجرؤ على المساس بحقوق المسيحيين؛ ففي الانتفاضة الأولى وما قبلها لم يكن يفرق شعبنا بين المسيحي والمسلم؛ فكلنا فلسطينيون.
إن الهدف سياسي بحت، وهو متعلق بحسم نتائج بعض البلديات _ولعل أهمها رام الله وبيت لحم_ قبل أن تبدأ الانتخابات.