ربما اعتقد البعض أن حملة ترامب ستفشل فشلًا ذريعًا بعد الهجوم الإعلامي الحاد عليها، وبخاصة هجوم مسلمي أمريكا تحديدًا وأقلياتها بشكل عام، اعتراضًا على تصريحاته المباشرة بتضييق الخناق على المهاجرين واللاجئين والمسلمين في الولايات المتحدة الامريكية في حال أصبح رئيس الولايات المتحدة القادم، ولكن على الرغم من حملات الهجوم الإعلانية المتتالية على ترامب، إلا أنه يمكن أن يكون الدرس العام الذي علّمته الحملة لغيرها من الحملات الانتخابية، أنه لا يهم أبدًا ان تفني جهودك في سبيل إرضاء كل العامة، ولكن أن تفنيها في سبيل الشريحة الصحيحة من العامة، هو مفتاح نجاح الحملات الانتخابية الحقيقة.
لم ينته الأمر عند مهاجمة المسلمين لترامب عقبًا لتصريحاته العنصرية ضد المهاجرين واللاجئين منهم فحسب، بل ازدادت حدة المعارضة عندما انتقد مؤخرًا والدي جندي أمريكي مسلم قُتل في العراق، حيث هاجمهم ترامب ردًا على انتقادهم له في خطاب ألقاه والد الجندي في إحدى مؤتمرات الحزب الديموقراطي، فقد انتقد ترامب والدة الجندي وأشار إلى أنها مقهورة وتم منعها من قِبل زوجها من الحديث أمام العامة فقط بسبب كونها مسلمة، لتشن الحملات الإعلامية حملة هجوم جديدة على ترامب كان للنساء، وبخاصة الأمريكيات المسلمات، الدور الفعّال فيها هذه المرة، بنشرهم هاشتاج انتشر لعدة أيام متواصلة على مواقع التواصل الاجتماعي وهو ” هل تستطيع سماعنا الآن” ” #CanYouHearUsNow”، نشرن عليه خطاباتهن الموجّهة لترامب، كانت منهن “إبتهاج محمد” إحدى اعضاء فريق الولايات المتحدة الأمريكية في الأوليمبيات، والتي أفادت بأنها أمريكية ولا تجد أن دينيها يجب أن يكون موضع سؤال عليها ان تجيب عليه للآخرين دومًا، وانه جزء منها ومن حياتها اليومية، ولا يجب على أي شخص أن ينعتها بالمقهورة فقط لأنها تنتمي إليه.
جاء رد غزالة خان والدة الجندي الراحل على ترامب بأنها اندهشت من ردة فعله، فكيف يمكن لاي إنسان أن يربط صمتها في خطاب زوجها في مؤتمر الحزب الديموقراطي بالدين الإسلامي ولا يعلله بأنها حزينة على رحيل ابنها، كما أنها لم أشارت إلى جهله الكامل بالدين الإسلامي وأن ما يفعله هو تغذية عقول مؤيديه بالأفكار العنصرية المليئة بالكره، والتي بان ضعفها الشديد أمام صمت امرأة مسلمة واحدة.
غزالة خان وزوجها في خطاب الحزب الديموقراطي
ما الذي تفعله حملة ترامب الانتخابية ؟
يعد سر نجاح الحملة الانتخابية أمرًا حيّر الكثيرين، فعلى الرغم من الحملات الإعلانية التي شوّهت ترامب، لدرجة وصفه بأنه المرشح الذي يلعب ليخسر بأفعاله المستمرة، إلا أنه يجب أخذ الحملة في الاعتبار بأنها أكثر الحملات الانتخابية الناجحة، والتي استطاعت أن تشق طريقها وسط الهجوم المستمر، فما الدروس الإعلامية المُستفادة من حملة ترامب ؟
فاز ترامب رسميًا بكونه مرشحًا عن الحزب الجمهوري بعدد أصوات 11 مليون صوت، أي ما يقارب 4 % من نسبة الكثافة السكانية في الولايات المتحدة الأمريكية، وإذا ألقينا نظرة على شعبيته في مواقع التواصل الاجتماعي سنجد 7 مليون متابع على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك مقابل 8 مليون متابع له على حسابه الشخصي الرسمي على موقع تويتر، وهذا يعني أنه على الرغم من الحملات التشويهية الإعلامية لترامب، إلا أنه يستطيع الوصول إلى شريحة كبيرة من متابعينه على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تكون اغلبيتهم من مؤيدينه، مع الأخذ في الاعتبار أن لمواقع التواصل الاجتماعي الآن دورًا فعّال عن المحطات الإعلامية التقليدية كالصحف والتلفزيون في التأثير بل وأحيانًا تغيير رأي العامة في السياسة والسياسيين.
“الجمهور المستهدف”، ربما يعد الدرس السابق هو أهم الدروس المستفادة من حملة ترامب الانتخابية، فترامب يعرف جيدًا إلى من يجب عليه أن يتحدث، وما الذي يرغب فيه ذلك الجمهورفي الاستماع إليه، وهذا ما يجعل حملة ترامب تربح دعاية إعلانية مجانية ، “وسائل إعلام مكتسبة”، للحملة بدون أدنى مجهود من القائمين عليها، وهذا بالضبط ما ينطبق على التسويق التجاري، وهذا ما يعرفه ترامب جيدًا بحكمه رجل أعمال متمرّس قبل أن يكون سياسي ومرشح للرئاسة.
المدهش في حملة ترامب الانتخابية أنها تُعد من أكثر الحملات ذات الميزانية الصغيرة مقارنة بحملات المرشحين الآخرين للرئاسة، بل ومقارنة بميزانيات الدعاية الإعلامية لمرشحين سابقين للولايات المتحدة الأمريكية، إذا انه من أكثر المرشحين الذي لم يهتموا بالدعاية الإعلامية له على التلفزيون.
نشرت صحيفة نيويورك تايمز إحصائيات تفيد بالمبالغ النقدية التي دفعها مرشحي الولايات المتحدة الأمريكية للدعاية الإعلامية
على الرغم من هذا، فلا يغيب ترامب أبدًا عن أعيننا في كل الوسائل الإعلامية، حتى وإن كان المتابع من معارضيه، فما يميز ترامب انه استطاع كسب الإعلام لصالحه مقارنه بنظائره من المرشحين، بل مقارنة بكل مرشحي الولايات المتحدة، وهو أفضلهم استفادة من “وسائل الإعلام المكتسبة”، أي استفادة من كل من ينشر عنه أخبار أو انتقادات او حتى سب في مواقع التواصل الاجتماعي والمجلات والصحف وشاشات التلفزيون.
نسبة ما يجنيه ترامب من الحملات الإعلانية من وسائل الإعلام المكتسبة مقارنه بالحملات التي يشتريها بالفعل
المصدر: mediaQuant
تعد شركة mediaQuant أحد أفضل العارفين بخبايا حملة ترامب الإعلامية، فهي شركة أسست خصيصًا لتعقب الحملات الإعلامية للمرشحين على مختلف وسائل الإعلام، حيث تقارنها بقيمة الدولار اعتمادًا على المؤشرات الإعلانية أو التسويقية للحملة، وما استنتجته الشركة بعد تعقب حملة ترامب أن الحملة هي أكثر الحملات الانتخابية نجاحًا على مدار تاريخ المرشحين في الولايات المتحدة الأمريكية.
يبدو أن ترامب قد أعطى درسًا جديدًا لعالم الدعاية والإعلان في المجال السياسي، فعلى الرغم من أن الكل يهرب ويتجنب الدعاية السلبية لنفسه في مختلف وسائل الإعلام، إلا أنه من الواضح أن القليل من الدعاية السلبية لن يضر كثيرًا، وهذا ما حدث مع ترامب بالفعل.