لا تزال بعثة صندوق النقد الدولي في مصر تتفاوض مع الحكومة المصرية بخصوص إقراضها 12 مليار دولار والمقرر أنه بقي لها قرابة الأسبوع من أصل المدة البالغة أسبوعين، علمًا أنها بدأت يوم السبت الماضي 30 يوليو/تموز الماضي وقد يتم إبرام الاتفاق بحلول شهر سبتمبر/ أيلول.
وكالة التصنيف الإئتماني “فيتش” قالت أن توصل مصر لاتفاق مع صندوق النقد الدولي سينعكس إيجابيًا على تصنيفها الإئتماني على الرغم من أنه لا يزال أقل من احتياجات مصر التمويلية بعشر مليارات دولار سنويًا لكن القرض سيحفز عودة الاستثمارات الأجنبية إلى مصر، إلا أن فيتش عادت ونبهت أن مصر ستظل تواجه تحديات اقتصادية عديدة.
وبخصوص أن الحكومة تتكتم على شروط النقد الدولي وما تفرضه على مصر تقدم المحامي علي أيوب بدعوى أمام محكمة القضاء الإداري المصرية تطالب بإلزام الحكومة بإعلان كافة الشروط والمعلومات والمستندات التي طلبها صندوق اللنقد مقابل منح مصر القرض على مدى ثلاث سنوات.
بينما خرج وزير المالية المصري أمس الخميس في مؤتمر صحفي لشرح ما تم التوصل إليه مع البعثة في المفاوضات الجارية حاليًا، إذ قال أن المفاوضات تدور حول بنود الموازنة للسنة المالية الحالية 2016- 2017 بهدف تحقيق الأرقام المستهدفة.
حيث تستهدف الموازنة الحالية التي بدأت مطلع شهر يوليو/ تموز الماضي نموًا حقيقيًا بنسبة 5.2% مقارنة مع 4.4% في السنة الماضية و 4.2% في 2014- 2015. مع توقع أن تنخفض نسبة العجز إلى 9.8% من الناتح المحلي الإجمالي مقارنة مع 11.5% في كل من السنتين الماليتين الماضيتين.
وبخصوص ما تواتر حول إملاء الصندوق شروط على مصر مثل تسريح مليوني موظف وتعويم الجنيه على ثلاث مراحل نفى الوزير جملة وتفصيلًا ذلك مؤكدًا أن هذا “ليس له أي أساس من الصحة”، وتوقع أن يقر مجلس النواب قانون ضريبة القيمة المضافة في نهاية أغسطس/آب الجاري أو مطلع سبتمبر أيلول، حيث كان الوزير توقع في وقت سابق أن تبلغ الحصيلة المتوقعة من تطبيق ضريبة القيمة المضافة ما بين 20 – 25 مليار جنيه في العام 2016- 2017.
ضريبة القيمة المصافة هي ضريبة مركبة تفرض على الفرق بين سعر التكلفة وسعر البيع للسلع المحلية والمستوردة.
الحكومة ستبيع أصول مالية
وفي نفس السياق أعلن الوزير أن مصر تنوي بيع أصول مالية للحكومة من خلال عرض حصص من الشركات الحكومية في بورصة مصر بهدف جمع ما يقرب من 900 مليون دولار سنويًا. علمًا أن الحصص التي تنوي الحكومة طرحها في البورصة ستتراوح بين 20% و 25% وبحد أقصى 30% مع الإشارة أن الحكومة المصرية سبق وأعلنت أنها ستطرح حصصًا من شركات وبنوك حكومية “ناجحة” على حد وصفها، في البورصة المصرية في الفترة المقبلة.
وتملك الحكومة العديد من الشركات والبنوك العاملة في مختلف المجالات؛ مثل البنك الأهلى المصري وبنك مصر وبنك القاهرة والمصرف المتحد ونحو 50% في البنك العربي الإفريقي ونحو 20% من أسهم بنك الإسكندرية.
ومن الشركات التي تمتلكها الحكومة المقاولون العرب العاملة في مجالات الإنشاء إلى جانب حسن علام وبتروجيت وإبني وميدور في القطاع النفطي ومصر للتأمين ومصر لتأمينات الحياة.
آخر طرح للشركات حكومية كان في العام 2005 عندما تم طرح أسهم المصرية للاتصالات وأموك وسيدي كرير للبرتروكيماويات.
كما وافق مجلس الوزارء لإصدار سندات دولية تتراوح بين 3 – 5 مليارات دولار وبحسب تصريح الوزير في المؤتمر قال أن الحكومة تستهدف إصدار سندات إذا وجدت السيولة في الأسواق المالية العالمية مناسبة وكانت الأجواء مواتية لذلك.
حيث سبق وأن أُرجئ تأجيل عودة مصر لسوق الدين العالمي لاضطرابات عالمية ناجمة عن تباطؤ الاقتصاد العالمي بقيادة الصين وانخفاض أسعار الطاقة العالمية والطلب عليها وارتفاع سعر الفائدة الأمريكية على الدولار، كل هذا وغيره تسبب في نضوب السيولة المتاحة لديون الأسواق الناشئة.
كل الكلام السابق يدل على توجه الحكومة إلى سوق الدين سواء من الأسواق الداخلية أو من الخارجية بشتى الأشكال، وفي نفس الوقت فإن الحكومة المصرية تتجاهل كل الأرقام والبيانات التي تعرض حجم المشكلة الهيكلية التي تعصف بالاقتصاد المصري وتذهب به إلى نفق مظلم يكون المستقبل فيه غامض.
السيسي أساء للاقتصاد أكثر مما أفاده
هذا التجاهل من الحكومة المصرية رصدته مجلة إيكونوميست في تقرير لها، فالسيسي ومن خلال ممارساته منذ جاء إلى السلطة في العام 2013 كان أكثر قمعًا من حسني مبارك، وأن النظام المصري على ما هو عليه الآن يعاني من الإفلاس ويعتمد على حُقن نقود سخية من دول الخليج وبات أكثر هشاشة، إذ بلغت نسبة البطالة بين الشباب في مصر نحو 40% والقطاع العام الذي تشرف على إدارته الحكومة منتفخ بموظفين حكوميين لا يفعلون شيء، في حين أن القطاع الخاص عاجز عن استيعاب جحافل العمال الجديدة المنضمة إلى سوق العمل سنويًا، كما أن السيسي باعتقاده أنه يستطيع السيطرة على أسعار الغذاء في الأسواق المحلية من خلال دعم الجنيه وتقييد حركة رأس المال والرقابة على الأسواق، زاد الأمر سوءًا، حيث غذت تلك الإجراءات ارتفاع معدل التضخم إلى مستوى 14% وتطور السوق السوداء وخلقت عجزًا في القدرة على استيراد قطع الغيار والماكينات، وأضر بقطاع الصناعة المحلي وأخاف المستثمرين الأجانب في البلاد.
وترى المجلة أن أي مساعدات اقتصادية لمصر ينبغي أن تقترن بشروط صارمة تبدأ بتعويم العملة وتقليص الوظائف الحكومية وإلغاء تدريجي للدعم المقترن بالفساد وتعويض الطبقات الأكثر فقرًا بدفعات مالية مباشرة.