يتظاهر مئات البرازيلين الغاضبين من التكلفة العالية لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية “دورة ريو دي جانيرو” المقامة في البرازيل، والتي من المقرر افتتاحها بعد ساعات.
حيث تواصلت الاحتجاجات خاصة في مدينة ريو دي جانيرو، على تنظيم الألعاب الأولمبية، في وقت تعاني فيه البلاد من ركود غير مسبوق منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وهو ما دفع برازيليون للتظاهر في إحدى الضواحي الفقيرة في مدينة ريو دي جانيرو، بالتزامن مع عودة الشعلة الأولمبية إلى المدينة عشية افتتاح دورة الألعاب بحفل يستضيفه ملعب ماراكانا الشهير، مساء الجمعة. واستخدمت شرطة مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل لتفريق المتظاهرين.
فعندما وصلت الشعلة الأولمبية التي يحملها الرياضي البرازيلي ريكو دي سوزا، المتخصص في منافسات ركوب الأمواج إلى ريو دي جانيرو على متن قارب بعد جولة استمرت ثلاثة أشهر في المدن البرازيلية، وحمل رئيس بلدية ريو، إدواردو بايس، الشعلة في وسط المدينة.
ظهرت حشود من الناس، بما في ذلك العديد من الأسر والأطفال الذين خرجوا لمشاهدة الشعلة، ولكن لم يكن جميعهم كذلك، حيث قالت الشرطة البرازيلية لوسائل الإعلام المحلية إن عددًا من السكان رفضوا مغادرة إحدى حارات الطريق المخصصة لنقل الشعلة كما اتفق عليه في وقت سابق وسدوا الشارع في مكان واحد.
موجات رفض للأولمبياد بسبب الوضع الاقتصادي
ليست هذه المرة الأولى التي يحتج فيها مواطنون على طريقة تنظيم الأولمبياد في ظل التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد، وكذلك الاضطراب السياسي، كما كانت هذه الاحتجاجات حاضرة أيضًا على مدار الأعوام الماضية التي استعدت فيها المدن البرازيلية لاستضافة الحدث الرياضي الأبرز في العالم.
حيث بدأت هذه الاحتجاجات خلال فترة بناء الملاعب والمنشآت، التي ستجرى فيها المنافسات قبل أن تتوسع لتشمل عدة قطاعات، من بينها الجمارك ووسائل النقل، وكذلك طالت هذه الاحتجاجات تنظيم كأس العام لكرة القدم في صيف عام 2014، وكان أبرزها إضراب عمال مترو مدينة ساو باولو عن العمل، خلال استضافة البطولة الأبرز كرويًا، إلى حين استجابة الحكومة لمطالب بزيادة الأجور.
وعل خطهم قامت السلطات البرازيلية بإجراء مفاوضات عسيرة مع عمال مترو ريو دي جانيرو، لثنيهم عن خوض إضراب عن العمل، اليوم الجمعة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يهدد بشل المدينة تمامًا.
العمال البرازيليون يطالبون برفع أجورهم بنسبة تواكب غلاء الأسعار الناجم عن ارتفاع التضخم في البلاد. وفي محاولة لامتصاص غضب المحتجين على استضافة هذه الألعاب، قرر المنظمون تخفيض ميزانية حفل الافتتاح بحوالى 50% قياسًا بآخر أولمبياد أقيم في العاصمة البريطانية لندن عام 2012، حيث بلغت تكلفة حفل افتتاحها 42 مليون دولار.
وبالرغم من هذا التقشف اعترف المنظمون، في وقت سابق، بأنهم يواجهون صعوبات في توفير الموارد المالية الضرورية لإنجاح هذه الألعاب في ظل الركود، الذي يضرب البرازيل حاليًا، إلى جانب هذا يقول المنظمون إن أكثر من مليون بطاقة دخول لم تبع حتى الآن.
وعلى وقع معاناة البرازيل حاليًا من ركود اقتصادي عميق وأزمة سياسية كبيرة، فمن المتوقع أن يكون هناك مزيد من الاحتجاجات قبيل حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية اليوم، وكذلك أثناء إقامة البطولة على الأراضي البرازيلية.
هذه الاحتجاجات الشعبية تعترض بالتحديد على حجم الإنفاق المخصص لتجهيز الملاعب واستضافة الجماهير، الذي بلغ 12 مليار دولار، فيما تعاني البلاد من أسوأ حالة ركود اقتصادي مرت به من قبل.
تحدي أمني إلى جانب الاقتصاد
فيما اضطرت السلطات البرازيلية في وقت سابق إلى نشر ألف جندي من الجيش و200 من قوات المارينز، للسيطرة على أعمال العنف التي اجتاحت ولاية ريو جراندي دي نورتي، بسبب حرب العصابات هناك، حيث فرضت حظر التجول ومنعت المواصلات العامة، بعد إحراق 26 حافلة وإطلاق النيران على أربعة مبانٍ حكومية وانفجرت أربعة قنابل في أنحاء البلاد.
إلى جانب هذا عملت الشرطة البرازيلية على ملاحقة العصابات المسلحة المتمركزة في الأحياء الفقيرة، منذ عام 2008، لكن يبدو أن جهودها بدأت في الانهيار مع استقبال دورة الألعاب الأولمبية الجديدة، وارتفاع معدلات الجريمة من جديد، بعد تراجع التحقيقات الجادة بسبب تدهور الأحوال الاقتصادية السياسية التي تهدد نظام الدولة بالكامل.
وقبل أسابيع قليلة من افتتاح “ريو 2016″، أعلنت الحكومة في مدينة ريو دي جانيرو”حالة الكوارث العامة”، نظرا لمرورها بأزمة مالية قبل أقل من 50 يومًا على استضاف دورة الألعاب الأولمبية، إلى جانب تحذيرات من أن تتسبب الأزمة في انهيار كامل لقطاعات الأمن العام والصحة والتعليم والتنقل والإدارة البيئية.
وكذلك قبل أسابيع قليلة على انطلاق دورة الألعاب الأولمبية 2016، كان عمدة مدينة ريو دي جانيرو قد صرح بأن الأولمبياد قد يشهد “فشلا ذريعا” جراء الأزمة المالية التي تعاني منها المدينة، والبرازيل بشكل عام.
وما يعكس حجم الأزمة المالية التي تعاني منها البرازيل، أن عددًا من رجال الأمن رفعوا يافطة في مطار ريو دي جانيرو، احتجاجًا على عدم دفع رواتبهم، كتب عليها “أهلا بكم في الجحيم”، وتحت هذا “الترحيب الحار” الفريد من نوعه كتب أيضا “رجال الأمن ومكافحة الحرائق لم يتسلموا رواتبهم، وأي سائح زائر لمدينة ريو دي جانيرو لن يكون آمنا”.
كما انتشرت صورة أخرى لجسر خط عليه كتابات مثل “أهلا بكم.. ليس لدينا مستشفيات”، وهو ما يُثير مخاوف المشاركين على حياتهم بسبب انتشار فيروس “زيكا” في البرازيل في الفترة الماضية.
إلا أن الرئيس البرازيلي المؤقت ميشال تامر، صرح إنه متيقن أن الألعاب الأولمبية “سوف تجعل البرازيليين يكتشفون شعورهم الطبيعي بالسعادة مرة أخرى.”، وأضاف أنه بالرغم من الأزمة السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، فإن هذه الألعاب ستثبت قدرة البرازيل على تخطي الصعاب.