لا يعول الفلسطينيون كثيراً على نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية 2016، فالنسبة لهم كلا المرشحين “هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب”، وجهان لعملة واحدة دائماً ما كنت توضع في جيب إسرائيل التي تواصل قتل وذبح وحرق الفلسطينيين وتدنيس مقدساتهم واستباحه حرماتهم.
ففوز”كلينتون أو ترامب” بكرسي الرئاسة الأمريكية، لا يعطي ولو بصيص أمل صغير للفلسطينيين على الأقل بأن الرئيس المقبل سيقول كلمة “حق” وينصر الضحية على الجلاد، كون تجارب الرؤساء الأمريكان كوتهم كثيراً، وضرب بأحلامهم وأمانيهم في عرض الحائط، كان آخرهم “باراك أوباما” ذات الأصول “المسلمة” الذي فشل طوال فترة رئاسته في تحقيق أي خطوة إيجابية للفلسطينيين حتى ولو كانت صغيرة.
فأي من المرشحين لمنصب الرئاسة الأمريكية، لن يحيد عن طريق دعم إسرائيل المالي والسياسي والعسكري، وسيواصل بيع الوهم للفلسطينيين والعرب بالسعي لحل “عادل” للقضية الفلسطينية وتحقيق سلام في المنطقة، يضمن أولا وأخيراً حماية “أمن إسرائيل” على حساب الفلسطينيين والعرب على حد سواء.
تهميش للقضية الفلسطينية
الذي كان ملفتاً للنظر خلال الدعاية الانتخابية للمرشحين الأمريكيين “كلينتون وترامب” هو غياب تام ومتعمد لقضية الصراع في الشرق الأوسط بأكملها وهي “القضية الفلسطينية” مع تأكيد كل البرامج السياسية للمرشحين على تحسين العلاقة بإسرائيل وحمايتها والدافع عنها، هذا التجاهل يفتح باب التساؤلات واسعاً ويطرح علامات استفهام كبيرة، أبرزها هل ذلك بداية لتهميش قضية فلسطين، وتشكيل مرحلة علاقات جديدة ومحورية مع إسرائيل؟
وبحسب مراقبون ومحللون، فتغيّب القضية الفلسطينية عن برنامجيّ مرشحي الرئاسة الأمريكية، على عكس ما جرت عليه العادة في السنوات الماضية، يدلل على مرحلة جديدة قاسية ستمر على الفلسطينيين، وأن قضيتهم “العادلة” لن تشهد أي اختراقه أو تقدم خلال السنوات المقبلة.
ذلك يعني، أن الفائز بالانتخابات الأمريكية، أعطى “ضوء أخضر” جديد للاحتلال والحكومة الإسرائيلية المتطرفة، لاستكمال تطبيق برنامجها العدواني بحق الفلسطينيين من قتل وذبح وتهجير وحرق، وتقسيم للمسجد الأقصى المبارك وسرقة الأراضي الفلسطينية.
وهنا يقول معن عريقات، رئيس المفوضية العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن:” القضية الفلسطينية ليست على سلم أولويات المرشحين لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية خلال الانتخابات المقبلة، لأن الحزبين الجمهوريّ والديمقراطي لا يريدان الاصطدام مع إسرائيل أو الجماعات المؤيدة لإسرائيل”.
الدعم والتودد لإسرائيل
ويضيف معن:” مواقف الحزبين وبرامجهما المعلنة في الانتخابات، تقودنا إلى عدم التعويل كثيراً على نتائج الانتخابات، لإحداث أيّ تغير أو اختراق فيما يتعلق بملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، خاصة وأنّ المواقف الأمريكية مؤيدة بشكل واضح لإسرائيل”.
معن أراد هنا الإشارة إلى نقطة هامة فقال:” الحزبين الجمهوري والديمقراطي كلاهما يتنافس على كسب ود القوى والجماعات المؤيدة لإسرائيل، وشريحة كبيرة من المؤيدين لإسرائيل ليسو فقط من اليهود وإنما من الجماعات المسيحية الأصولية”.
وبين معن، أن:” البرنامج الانتخابي للحزب الجمهوري لأول مرة لمْ يذكر حل الدولتين كأساس من أركان سياسية الحزب، علماً أن جورج بوش الابن كان أول من أعلن عن سياسة حزبه أنه يجب قيام دولة للفلسطينيين”.
رئيس المفوضية العامة لمنظمة التحرير تابع: ” المرشح الحالي عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب في بداية الحملة أخذ موقفاً متقدماً ومغايراً لمواقف الحزب الجمهوري في الانتخابات السابقة، عندما قال إن على الولايات المتحدة أن تأخذ موقفاً حيادياً تجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ولا تقف مع طرف على حساب طرف”.
علاوة على ذلك أشار، إلى أن هذا الموقف جعل ترامب يتعرضُ لهجوم من أطراف كثيرة، ما دفعه الآن إلى البدء بتغير موقفه فأصبح يرى أنه ليس بالضرورة أن يكون حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بقيام دولتين، وهنا تلميح إلى أنّ الحل ربما يكون بقيام دولة واحدة”، لافتاً إلى أن معظم مستشاري المرشح ترامب من المؤيدين لإسرائيل، إضافة إلى أن ترامب لا يمتلك البعد والخبرة السياسية في الشرق الأوسط، على عكس منافسته هلاري كلينتون.
فيما يتعلق بالحزب الديمقراطي، توقع المسئول الفلسطيني، أن يواصل الحزب في نفس الخط الذي سار عليه اوباما، فيما يتعلق من موقفه من ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ولن تأتي مرشحة الحزب بأفكار جديدة لإحداث أي اختراق في الجهود الدبلوماسية والسياسية لإيجاد حل ينهي الاحتلال وينصف الفلسطينيين.
خطوط حمراء
ورغم أن بعض الفلسطينيين، لاسيما العاملين في مجال المفاوضات مع إسرائيل، يرون أن هناك خطوطاً حمراء أمام أي رئيس أميركي لا يتجاوزها في التعامل مع الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وعلى رأسها أمن إسرائيل، لكن كلينتون حذّرت في 6 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي من تغييب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لأن البديل له سيكون تنظيم الدولة الإسلامية، في معارضة واضحة للموقف الإسرائيلي السلبي من محمود عباس.
ولعل المشكلة التي تواجه الفلسطينيين في الانتخابات الرئاسية الأميركية، أنه بغض النظر عن الرئيس الأميركي القادم، جمهورياً كان أم ديمقراطيا، فإنه سيتعامل مع الحكومة الأكثر يمينية في إسرائيل، التي يبدو أنها تمكنت من فرض رؤيتها للصراع مع الفلسطينيين على الرؤساء السابقين أوباما وبوش الابن، المتمثلة بعدم الاعتراف الإسرائيلي بإقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967، وعدم وقف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، ولا يتوقع الفلسطينيون أن يتمكن رئيس أميركيّ قادم من إلزامها برؤيته لحل الصراع مع الفلسطينيّين، في ضوء احتفاظ إسرائيل بأدوات ضغط فاعلة في واشنطن، لا سيّما منظّمة الإيباك وحلفائها في الكونغرس.
رائد نعيرات، رئيس “المركز المعاصر” للدراسات وتحليل السياسات في الضفة الغربية يقول هنا، أن “ترامب لديه خطاب عدائي تجاه الفلسطينيّين، وهذا لا يعني أن كلينتون جيدة لهم، لكنها أقل عداء، والفلسطينيون يرون فيها مرشحة مخضرمة سياسياً، لديها توازنات في خطابها السياسي، نظراً لدورها السابق كوزيرة للخارجية، ويتوقّعون منها حراكاً في حلّ صراعهم مع الإسرائيليين”.
ويبدي العرب والمسلمون اهتماماً كبيراً بما ستفضي إليه نتائج الانتخابات الأمريكية، فالعديد من القضايا الساخنة عربياً ابتعدت الحكومة الأمريكية بقيادة أوباما عنها، كما أن الاختلاف الكبير في المواقف والرؤى السياسية بين كلينتون وترامب جعل من هذه الانتخابات مهمة من أجل معرفة التوجه العام المستقبلي للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.
يذكر أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة 2016 هي فترة الانتخابات الثامنة والخمسين لرئاسة الولايات المتحدة، والذي سيفوز بها سيكون الرئيس 45 للولايات المتحدة، والمقرر إجراؤها في يوم الثلاثاء 8 نوفمبر 2016. سيقوم الناخبين فيها بتحديد المجمع الانتخابي من الرئيس ونائب الرئيس من سنة 2017 إلى سنة 2021.