ترجمة نون بوست
رحب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مارس من السنة الماضية بالمئات من الشخصيات الأجنبية في منتجع بشرم الشيخ، وذلك بهدف طمأنتهم حول الأوضاع في مصر خاصة بعد الاضطرابات التي شهدتها البلاد في أعقاب الربيع العربي وبعد الإطاحة بالرئيس الإسلامي محمد مرسي. وقد أكّد السيسي خلال لقائه بهذه الشخصيات على استعداد مصر لتلقي المزيد من الاستثمارات الأجنبية واعدا بضمان الاستقرار في البلاد والقيام بإصلاحات اقتصادية.
ومن جهتهم، كافأ ضيوف السيسي مصر عبر تقديم العديد من القروض والقيام بجملة من الأعمال حيث اعتبرت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، أن ما قام به السيسي هو بمثابة “الفرصة”، إلا أنها سرعان ما تلاشت ممّا دفع بفريق من صندوق النقد الدولي إلى إعادة التفاوض مع مصر حول مجموعة جديدة من القروض تقدّر قيمتها بحوالي 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات.
وتجدر الإشارة إلى أن السيسي بحاجة ماسة إلى هذا المبلغ خاصة وأن حكومته تواجه عجزا كبيرا في الميزانية بلغ تقريبا 12 بالمائة و7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. كما تشهد مصر نضوبا في احتياطاتها الخارجية وارتفاعا في نسبة التضخم الاقتصادي وفي نسبة البطالة التي بلغت حوالي 12 بالمائة. وبالتالي فإن جلّ هذه المشاكل دفعت عددا كبيرا من المستثمرين إلى إعادة النظر في إرساء استثمارات داخل مصر.
إن سلسلة القروض التي يعتزم صندوق النقد الدولي تقديمها إلى مصر ستكون رهنا للإصلاحات التي تحدّث عنها السياسيون لسنوات والتي لم تدخل حيّز التنفيذ حتى اللحظة. كما أن اقتراح رفع الضريبة على القيمة المضافة، والتي من شأنها رفع الإيرادات عرض على البرلمان المصري لكنة أثار جدلا واسعا بسبب مخاوف من ارتفاع نسبة التضخم التي بلغت حوالي 14 بالمائة.
وتجدر الإشارة إلى أن مخاوف مماثلة دفعت السيسي إلى التراجع عن تنفيذ الوعد المتعلّق بإنهاء دعم الوقود الذي شرع في تقليصه منذ سنة 2014. كما أن البرلمان قرّر خلال الآونة الأخيرة تعطيل الإصلاح المتعلق بقانون الخدمة المدنية في مصر على الرغم من تعهّد السيسي فيما مضى بعدم طرد أي موظّف.
ونظرا للتحدّيات التي تواجهها مصر، قرر البنك الدولي وقف دعمه للبلاد وهو ما دفع أيضا بالبنك الإفريقي للتنمية إلى السير على خطاه. وحتى دول الخليج، التي تدعم السيسي بقوة والتي قدمت سابقا مليارات الدولارات إلى مصر، يبدو أنها فقدت الثقة في هذا النظام. كما أن الإمارات العربية المتحدة كانت قد سحبت مستشاريها من البلاد وتلكّأت في إيصال آخر دفعات المساعدات إلى مصر.
الاحتكار حرام!
وقد امتدّ عجز الحكومة ليصل إلى أكبر التحدّيات التي أصبحت تواجهها مصر حاليا؛ وهي تضخم عملتها. ففي حين أن سعر الصرف الرسمي بلغ حوالي 8.83 جنيه مصري مقارنة بالدولار، إلا أن سعر السوق السوداء أعلى بحوالي الثلث. كما أن الطلب على الدولار فاق العرض وذلك بسبب التراجع الحاد الذي شهده قطاع السياحة والاستثمار الأجنبي، اللذان يعدّان المصدران الرئيسيان للعملة الصعبة.
وبالتالي حاولت الحكومة المصرية الحفاظ على الدولار داخل البلاد عبر الحدّ من سحب الدولار من البنوك، حتّى أن الأزهر، الذي يعدّ السلطة الدينية في البلاد، أفتى بتحريم احتكار العملة الأجنبية. لكن هذه الجهود لم تلبث إلا أن أثارت مخاوف وقلق المستثمرين المحتملين والمستوردين المصريين.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك مخاوف من التداعيات السلبية التي من الممكن أن تنجرّ عن ضعف الجنيه المصري والتي تتمثّل في ارتفاع الأسعار، خاصة وأن مصر تستورد العديد من المواد الغذائية الأساسية مثل القمح. وتعدّ مصر أكبر سوق في العالم للقمح، حيث تقوم الدولة بشرائه بهدف استخدامه لصنع الخبز المدعم.
وتشتري الدولة كميّات من القمح من المزارعين المحليين اعتمادا على الفائض وذلك بهدف تشجيعه، إلا أن هذه المبادرة تتّسم بالفساد وتستنزف الخزينة العامة خاصة وأن هؤلاء المزارعين يقومون بخلط القمح الأجنبي مع المحلي ومن ثمّ بيعها بأسعار مرتفعة. كما تمّ اختراق نظام البطاقة الذكية التي من المفترض أن تتتبّع عمليات شراء الخبز، ممّا سمح لبعض الخبازين بالحصول على كميات كبيرة من الدقيق المدعم.
بعض الإحصاءات التي تتعلق بالاقتصاد المصري مثل الناتج القومي الإجمالي لكل فرد، ومعلات ارتفاع الأسعار سنويا، وعجز الموازنة، وأخيرا نسبة البطالة بين الشباب
إن النظام في مصر يقوم على الرقابة الشديدة وتضييق الخناق على كافّة الأطراف خاصة بعدما استخدم السيسي الجيش المصري في العديد من مشاريعه وفعّل دوره حتى في القطاع الاقتصادي. فلا شيء في مصر يتمّ دون رشوة حتى أنها احتلّت المرتبة 131 وفقا لتقرير ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي حيث تقوم الحكومة بإعاقة المستثمرين عبر تقييدهم بضرورة الحصول على تصاريح من 78 هيئة رسمية مختلفة قبل البدء بتنفيذ مشروع جديد.
وتجدر الإشارة إلى أن البيروقراطية هي إحدى أهم أسباب تراجع الاقتصاد في مصر حيث أن حوالي 18 مليون مشروع لا تقوم الدولة بمراقبتها أو حتى بفرض ضريبة عليها ما أدى إلى بلوغ حجم الاقتصاد غير الرسمي حوالي ثلثي حجم الاقتصاد الرسمي للبلاد.
لكن المؤسسات الرسمية تجد صعوبة في اقتراض الأموال، وبالتالي من الصعب عليها أن تحقق النموّ المرجوّ. فخلال هذه السنة، ألزمت الحكومة أن تُوجّه حوالي 20 بالمائة من قروض البنك إلى الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، ولكن ليس من الواضح بعد كيف سيتمّ التعامل مع الشركات غير الرسمية. وبالتالي، قد تواجه البنوك عدّة صعوبات لتمويل هذه الخطة وقد تواصل إقراض الأموال للحكومة.
من ناحية أخرى، فشلت مصر أيضا في تزويد شبابها بالمهارات اللازمة والمفيدة حيث أن أكثر من 40 بالمائة منهم عاطلون عن العمل. وعلى الرغم من أن التعليم الجامعي مجاني، إلا أن نوعية هذا التعليم رديئة خاصة وأن الجامعات تبذل القليل من الجهد لتعليم المهارات التي يحتاجها الشباب المصري والتي يطلبها أرباب العمل. كما أنه على الرغم من أن العديد من الأطباء يتخرّجون من الجامعات المصرية، إلا أن الكثير منهم يفضّلون الهجرة والسفر إلى المملكة العربية السعودية. أما باقي الخريجين الآخرين، فهم يأملون في الحصول على وظيفة في القطاع العام، ولكن فرص العمل أصبحت نادرة.
وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الخريجين العاطلين عن العمل نفّذوا العشرات من الاحتجاجات في السنوات الأخيرة. وفي هذا السياق، أشار عادل عبد الغفار العضو في مركز الدوحة بروكنجز، وهي مؤسسة فكرية، إلى أن هناك “علاقة مباشرة بين ارتفاع معدل البطالة بين الشباب والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للدولة”. كما أن استمرار ارتفاع نسبة النمو والضغط السكاني في مصر، من شأنه أن ينذر بانفجار آخر داخل أوساط الشباب.
لطالما عانت مصر من تاريخ طويل من الاضطرابات، فعلى الرغم من تنفيذ الرجل القوي السابق، حسني مبارك للعديد من الإصلاحات ما أدّى إلى نمو هائل بين سنتي 1990 و2000، إلا أنه لم يلبث أن طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي. وعلى الرغم من إعلان السيسي رغبته في تحقيق تقدّم أفضل في مصر، إلا أن المؤشرات الحالية تؤكّد على عدم قدرته على تحقيق ذلك.
المصدر: إيكونوميست