في 20 يوليو 2016 اندلعت المعارك مجددًا، على الشريط الحدودي بين المملكة العربية السعودية والحوثيين وقوات موالية للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، بشكل مفاجئ بعد أسابيع من التهدئة قادها زعماء قبليون في مارس الماضي، وأثمرت عن توقف المعارك ونزع مئات الألغام الأرضية، وتبادل للأسرى من الجانبين.
وفي 30 يوليو2016 كرر الرئيس السابق لليمن “صالح”، طلبه بحوار مباشر مع المملكة العربية السعودية التي تقود حربا واسعه ضده وحلفائه الحوثيين دعما لشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي منذ نحو 16 شهرا، وترى أن المشكلة هي “يمنية -يمنية” رافضة أن تدخل في أي حوار مع اليمن.
وقال صالح في اجتماع بقيادة حزب “المؤتمر الشعبي “الذي ظهر كما لو أنه استعاد السلطة “نمد أيدينا إلى الأشقاء في السعودية ونحن على استعداد للحوار معهم سواء في عمان أو الكويت أو أي مكان آخر”، في تأكيد لمساعي الرجل نحو صفقة سياسية بعيدًا عن الأمم المتحدة التي تضعه ونجله أحمد تحت طائلة العقوبات الدولية وفقا للبند السابع.
وفي 2 أغسطس 2016 رفعت المملكة العربية السعودية شكواها مما وصفته بخروقات الحوثيين على حدودها مع اليمن إلى الأمم المتحدة بالتزامن مع تواجد وفد عسكري سعودي بالكويت يفاوض وفد الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام لإعادة تفعيل التهدئة بين الطرفين.
ستحاول المملكة العربية السعودية تكثيف هجومها العسكري على مناطق ومحافظات يمنية كانت قد خففت من شن هجمات جوية عليها خلال الهدنة التي أعلنتها الأمم المتحدة في منتصف أبريل الماضي
لكن يبدو أن الحرب اشتعلت أكثر وزاد سعيرها بعد توقيع اتفاق بين المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه والحوثيين على تشكيل مجلس سياسي أعلى في اليمن، وهو ما يعني تواجد قيادة واحدة مشتركة لإدارة الحرب والحكم في البلاد، و يعزز ذلك جبهتهما الداخلية ويفشل الآمال التي كانت تسعى إليها المملكة العربية السعودية في شق صف التحالف “الحوثي وصالح” ونشر بينهما الخلاف من شأنه يضعف قوتهم، ويسهل ذلك على التحالف إجبارهم على الاستسلام.
ويتحدث مغردون سعوديون على مواقع التواصل الاجتماعي تويتر إن الحوثيين يتقدمون في مناطق عدة في الحد الجنوبي للملكة العربية السعودية وهو ما دفع الأخيرة إلى تنفيذ تهجير قسري للسكان في تلك المنطقة، وإن كان ذلك يحدث بالفعل فإن الرياض ستتعامل مع الواقع عسكريًا وإن لم تفلح سياسًا ودبلوماسيا.
التعامل العسكري
ستحاول المملكة العربية السعودية تكثيف هجومها العسكري على مناطق ومحافظات يمنية كانت قد خففت من شن هجمات جوية عليها خلال الهدنة التي أعلنتها الأمم المتحدة في منتصف أبريل الماضي، ودفع بالمزيد من القوات العسكرية إلى الحدود وستطلب من شركائها في التحالف مزيدًا من القوات العسكرية لحماية حدودها وهذا ما يعني دفع ثمنه الكثير من الجانبين.
وقد تضغط أكثر على المقاومة الشعبية اليمنية كي تتقدم في مناطق يسيطر عليها الحوثيين وقوات صالح، لتخفيف الضغط العسكري عليها، مع غطاء جوي كثيف ستعمل عليه، لكن ذلك يكلفها الكثير من النفقات المالية الهائلة على هذه الحرب، والتي تقدرها بعض الاوساط بمليارات الدولارات شهريا، تشمل تغطية نفقات القوات العربية المشاركة فيها، وتعويض المعدات والذخائر والغارات الجوية لأكثر من مئتي طائرة، وبلغ عددها نحو تسعة آلاف طلعة جوية، وتقديم مساعدات مالية لحكومة هادي.
يبدو أن الحرب اشتعلت أكثر وزاد سعيرها بعد توقيع اتفاق بين المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه والحوثيين على تشكيل مجلس سياسي أعلى في اليمن، وهو ما يعني تواجد قيادة واحدة مشتركة لإدارة الحرب والحكم في البلاد
السعودية لا تبدو قادرة على مواصلة الحرب من خلال محاولات لها عدة بتهدئة الحرب على حدها على عكس ما كانت عليه سابقًا عندما ضغطت على الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي بعدم التحاور مع الحوثيين وصالح، وأن يكون الحسم العسكري هو الفيصل الوحيد لهذه الحرب، إلا أن خسائرها المتلاحقة في الحد الجنوبي سمحت لهادي بالتحاور مع الحوثيين في جنيف والكويت.
ومع استمرار الحوار بين الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام مع الحكومة اليمنية، لم تنته حينها المعارك على الحدود وهو ما جعلت السعودية تتحاور مباشرة مع الحوثيين بوساطة عمانية وقبلية أفضى ذلك إلى تهدئة استمر لما يقارب الثلاثة الأشهر، لتندلع الحرب مجددًا لكنها أكثر ضراوة من سابقتها.
الحل السياسي
ولأن السعودية غير قادرة على مواصلة الحرب على حدودها التي تعد بمثابة “حرب الاستزاف” ضد قواتها، وهو ما يشكل خطرًا حقيقيًا على اقتصادها وأمنها القومي، فإنها دائما تلجأ إلى الحلول الدبلوماسية والسياسية، وهذا ما لوحظ من خلال الكوى التي رفعها مندوب المملكة العربية السعودية في مجلس الأمن “مما وصفه بخروقات الحوثيين على حدود بلاده مع اليمن، خلال جلسة للمجلس ناقشت تقرير الامم المتحدة حول تورط التحالف بقتل الاطفال في اليمن بالتزامن مع الموعد الذي خصص للسعودية لتقديم ادلة براءتها من التهمة التي قيل أنها غير كافية.
وستواصل أيضًا الضغوط على سلطنة عمان لكي تخرجها من الحرب الدائراة من خلال تأثيرها على صالح والحوثيين إن المملكة العربية السعودية تنفذ القانون الدولي بالتدخل في الشأن اليمني بطلب من الرئيس هادي لإعادته إلى الحكم، وما يؤكد ذلك حديث وزير الخارجية العمانية يوسف بن علوي لقناة روسيا اليوم، على هامش القمة العربية التي عقدت في نواكشوط الشهر الماضي بقوله: “ليس من المقبول لدولة عربية أن تتورط في حرب دون أن تتشاور معنا، والآن تطالبنا بإخراجها من الحرب”، وهو ما يعني أن العمانيين غير مستعدين لاستماع إلى السعوديين على الأقل خلال هذه الفترة، ليس بسبب ما قاله بن علوي عدم التشاور معهم قبل الحرب، وإنما لسبب رفض السعودية أن يكون أي دور عماني في الحلول السلمية سواء في الحوار على أراضيها أو القبول المبادرات التي قدمتها عمان في وقت سابق.
وستعمل المملكة العربية السعودية مزيدًا من الضغط على الأمم المتحدة لإجبار الحوثيين وصالح على القبول بالعرض التي قدمته لحل الأزمة اليمنية على مرحلتين (قدمها المبعوث الأممي إلى الأطراف المتنازعة على السلطة باعتبار أنه عرض أممي) لكن ذلك سيقابل عراقيل عدة، أهمها رفض طرفي صنعاء به، وكذلك أطراف في مجلس الأمن، لأنه لن ينه المشكلة من أساسها وإنما يعطي الكفة للطرف الحكومي وهو بمثابة استسلام للحوثيين وصالح، ولابد أن يكون الحل شامل وجذري لا تخديرها.
لكن مع إعلان “تأسيس المجلس السياسي الأعلى” في اليمن بين الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام، قد يعقد فرص المملكة في فرض شروطها أو عروضها لحل الأزمة اليمنية، لما يبدو عليه أن الحرب على الحدود السعودية هذه المرة عنوانها كسر العظام، وإرغام أحد الطرفين بالاعتراف بالواقع ومستجداته التي تطرأ عليه، وهو ما يعطي كفته لطرفي صنعاء نتيجة لتمرسه لهذه الحرب تحت القصف الجوي الشديد لما يقارب العام ونصفه، وعدم قدرة التحالف على حسم أبسط منطقة على الحدود اليمنية السعودية (ميدي الساحلية) رغم استخدام التحالف فيها مختلف أنواع الأسلحة الحديثة، فكيف للحدود الجبلية الوعرة التي يجيد الحوثيين وقوات صالح التحرك فيها كما يشاؤون ويقتحون قرى ومدن سعودية في جيزان ونجران وعسير وكذلك مواقع عسكرية مطلة على تلك المدن.
الحوار المباشر
في الحقيقة أن السعودية تواجه ضغوطًا هائلة من المجتمع الدولي ومن الاقتصاد، مع تصلب الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام على أن يكون الحل في اليمن حلًا سياسيًا شاملًا غير مجزأ ، مع اقتراب تحالف “عاصفة الحزم” التي تقودها السعودية من وصولها العام والنصف دون تحقيق أي من النتائج التي انطلقت من اجلها، وبات قصف طيرانها لاهداف مدنية يعطي نتائج عكسية تماما محليًا ودوليًا.و تصاعد الانتقادات للغارات السعودية في اليمن، والحصار الموازي لها في أوساط الدول الغربية، وإتهام البرلمان الاوروبي للمملكة بارتكاب جرائم حرب، ومطالبته حكومات بلاده بفرض حظر على بيع أسلحة للسعودية، وإداراج التحالف في قائمة العار (التي تنتهك حقوق الطفل)، إضافة إلى تصاعد حالة “التململ” في الداخل السعودي من جراء إطالة امد الحرب في اليمن، وتحولها الى حرب استنزاف عسكري ومالي وبشري.
وما يؤكد “التململ” ما تحدث به المغرد الشهير “مجتهد” عن تقارير قال إنها “موثقة” تكشف عن تهجير إجباري جماعي لمئات الآلاف من سكان المناطق المحاذية لليمن دون توفير سكن بديل ولا تعويض مالي، ونشر وثائق لرسائل قال إنها وصلته من أصحاب الشأن، وتدل على استرخاء في الظلم واحتقار الشعب.
وتحوي إحدى الرسائل فرض حصار سعودي على مناطق آل زيدان وعموم قبائل بني مالك التي تقطن أقصى شرق جبال جيزان، بعد قيام حرس الحدود بمحافظة الداير بتغيير مسار الشبك، من محاذاة الحدود الدولية إلى عمق الأراضي السعودية.
أيضًا ظهور تنظيمي “الدولة الاسلامية” و”القاعدة” كقوتين رئيسيتين في الساحة اليمنية، خاصة في المناطق الواقعة خارج سيطرة قوات “الحوثي الصالحي” في جنوب اليمن، فمدينة عدن باتت تعيش حالة من الفوضى الدموية بعد “تحريرها”، مع تزايد وتيرة الحرب في الحدود السعودية اليمنية، وانسداد أفق أي حل سياسي يكون طرفه الحكومة الشرعية، قد تلجأ المملكة العربية السعودية إلى الحوار المباشر مع الحوثي وصالح، يفضي إلى حل سياسي في اليمن واحتضانها للحكومة كما احتضنت من قبل أسرة ” ال حميد الدين”.
في نهاية المطاف قد يفقد الحوار بين الأطراف اليمنية المتناحرة صبغته اليمنية بما أن أحد أطراف النزاع، الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، طالب في اجتماعه باللجنة العامة لحزب المؤتمر الشعبي أن تكون السعودية طرفه المقابل في المشاورات المقبلة بدلا من الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي.
ستعمل المملكة العربية السعودية مزيدًا من الضغط على الأمم المتحدة لإجبار الحوثيين وصالح على القبول بالعرض التي قدمته لحل الأزمة اليمنية
وهذا قد يكون هو الحل الأخير ربما، بعد أن تنفد كافة الأوراق التي تقلبها المملكة العربية السعودية الرامية إلى الخروج بأي نصر ساسي أو عسكري، ولعل العرض الذي قدمته المملكة لحل الأزمة اليمنية على فترتين وتوقيع الأول منه في الكويت والآخر في مكة -يشير إلى نيتها التخلي عن شرعية الرئيس عبده ربه منصور هادي خلال تسليمه كافة الصلاحيات إلى نائبه الجديد-، هو أمرٌ يلوح في الأفق عنا إمكاينة حوار مباشر بين الرياض والحوثيين وصالح في نهاية المطاف.
إن تصاعد وتيرة الحرب في الحدود السعودية اليمنية لا يمكن أن يدفع عملية المفاوضات لتحقيق السلام في اليمن، وإنما يزيد من تعقيداتها، لأنه “أي الحرب” قد تخرج عن السيطرة، لاسيما بعد أن توحدت الجبهة الداخلية للحوثيين وصالح”، وهو ما قد يزيد من تعقيدات المشهد وزيادة الحرب وضحايها، ووسط الضغوط الدولية قد تلجأ السعودية للحوار المباشر بين الحوثيين وصالح، يفضي إلى حل سياسي شامل.