ترجمة نون بوست
تحدثت إلى صحفي كردي، كان أسيرا عند تنظيم الدولة لمدة 10 شهور. من سوء حظه هو ورفيقه أنهم كانوا قد مروا من نقطة تفتيش تابعة لهذا التنظيم في سوريا، وسُئلوا بعدما أوقفوا سيارتهم من قبل عناصر التنظيم “كيف تصلي صلاة الظهر؟”، وعندما لم يجيبوا الإجابة المطلوبة، تم اعتبارهم غير مؤمنين، وضربوهم على رؤوسهم، ثم ركب أحد الجهاديين في المقعد الخلفي لسيارتهم، ووجه لهم السلاح وطلب منهم التوجه والقيادة الى مقر التنظيم، وكان يلبس حزام ناسف كان قد هددهم به قائلا: “إذا تحركتم أي حركة سأفجر نفسي ونموت جميعا”.
في مقر التنظيم كان الأمير أو القائد، قد فرح باعتقال اثنين من الكفار، فتوجه إلى الراديو معلننا عبره “إلى كل الوحدات، إلى كل الوحدات، لقد اعتقلنا اثنين من الصحفيين الكفار، الحمد لله، الحمد لله”. وقد أمر بتصفيد الصحفيين وتعصيب أعينهم ونقلهم إلى السجن. وكانت هذه بداية فترة من الضرب المبرح المتواصل، وتهديدات متواصلة بالقتل، انتهت بانتهاء العشرة شهور، مع مبادلة الاسرى التي اسفرت عن اطلاق سراحهما. بعد فترة من ادخالهم السجن، انضم إليهم الأمير أو القائد نفسه، الذي أمر بسجنهم بعد أن كان يتهم الأغنياء من مسلمين المنطقة بالكفر لسرقة أموالهم والاستيلاء عليها لكنه كان قد وقع في شر أعماله بعد انقلاب الطاولة عليه.
كان الأمير سوري الجنسية في نهاية العشرينيات من عمره، وكان قد تطوع مع اندلاع الثورة للانضمام للجيش الحر، ومنه انتقل إلى فرع القاعدة في سوريا “جبهة النصرة”، ومن هناك انتقل إلى داعش بعد أن اعتقد أنهم أقرب إلى الله، وبعد أن أعطوه بيتا وسيارة كذلك. يقول الصحفي الكردي: “كان يقضي وقته بالزنزانة بالاعتداء على السجناء متهما إياهم بالكفر، ولكن جل ما كان يريد التحدث عنه هو النساء”. قصة الأمير تحمل العديد من النقاط المشتركة: الرحلة من الجيش السوري الحر، مرورا بالنصرة، ونهاية بتنظيم الدولة، جشع وطمع وفساد العديدين في الثورة السورية، بمن فيهم من كان يلبس ثوب الدين – الذي انفضح مع انفضاح قصة هوس الأمير بالجنس والنساء – بهدف الوصول لأهدافهم التي تتلخص بغير ذلك.
كان سبب انضمام العديد من مقاتلي الجبهات الإسلامية لتنظيم الدولة، كونها الأقوى والأغنى والانجح في المنطقة، لكن بطبيعة الحال بعد فشلهم الحالي، يحاول المتبقي منهم لمّ الشمل، لمنع سقوط “الخلافة” التي يدعون بها، هذا السقوط الذي كانت هذه المجلة توقعت به في شهر يناير، ومن الممكن أنه بدأ بالحصول الآن. خسارتهم الاخيرة كانت مع خسارتهم لمدينة منبج المهمة استراتيجيا، المعركة لازالت مستمرة، ولكن مقاتلي القوى الكردية المتقدمة يقولون بأنّ افراد داعش بدئوا بحلاقة لحاهم، والفرار عن طريق الانضمام الى مجموعات اللاجئين، حتى أن البعض منهم كان قد تم القبض عليهم بملابس النساء. قبل شهر من الآن، وحسب ناشطين محليين كان قد تم اعدام عائلة كاملة اعداما ميدانيا بتهمة محاولة الفرار من قبل تنظيم الدولة.
بالطبع حتى بعد نهاية الخلافة، فإن الحركة ستواصل قتالها ضد القوى الغربية. كما كنت قد كتبت هنا في يناير الماضي، هذا الفعل قد يهدد الغرب كما حدث في هجمات فرنسا وألمانيا، التي قد تكون قد نفذت من قبل مجموعات منعزلة وكان قد تبناها تنظيم الدولة طبعا. الحرب الطويلة في سورية سوف تستمر، علما بأنّ داعش تشغل حيزا واحدا فقط من الصراع السوري المعقد.
الصراع يستمر بالتعقّد أكثر، ومثال ذلك، عرض أمريكا التحالف مع روسيا لضرب جبهة النصرة، حيث أنه يعتبر ضربا للقاعدة في سوريا. وقد أدى ذلك لأنْ تغيّر النصرة اسمها وتقطع روابطها مع القاعدة. لكن العديد من الجهات الرسمية الأمريكية تعتقد أن هذه خدعة، وإنْ واصل الامريكان بتوجيه الضربات لها، فسوف يكون تجسيد آخر لأمريكا، بأنها انضمت لجانبي الحرب. أما روسيا، فقد صرحت مصادرها الرسمية عن إسقاط طائرتها الهليكوبتر، عبر صاروخ تاو امريكي الصنع، كان من الفروض ان يكون الصاروخ قد اطلق من طرف داعش – اذا كان الامر صحيحا فمن غير المعروف من كان قد استولى عليه – لكن من المحتمل ان يكون أطلق من أي طرف من جهات المعارضة. تقوم روسيا بقتلهم بأعداد كثيرة كما تقوم بقتل المدنيين بأعداد أكثر سعيا منها لإبقاء الأسد في السلطة.
السياسة الأمريكية لا تزال قائمة رسميا على عزل الأسد عن السلطة، ولكنها مع دعمها لروسيا في ضرب واستهداف اقوى جبهات المعارضة المعروفة سابقا بالنصرة، فإنها سوف تسمح لروسيا باستحواذ عدد أكبر من القنابل لإلقائها على الاطراف المعارضة الأخرى والتي تدعمها أمريكا. حتى أن الجنون يمتد إلى اكثر من ذلك، سلاح الجو الامريكي يقوم بدعم المليشيات الكردية في سوريا، والمعروفة بالـ”ي بي غي”، وذلك لانها اكثر الجهات فعالية ضد تنظيم الدولة علما أن الـ “ي بي جي”، يعتبر حليفا مع النظام السوري، والذي كان قد دخل في مناوشات مع الثوار العرب المدعومين من قبل أمريكا. الجميع الآن في سباق لاحتلال المناطق التي انسحب منها تنظيم الدولة، والذي ينسحب تدريجيا في شمال سوريا، ومع تقدم الـ”ي بي جي” المدعوم من طرف أمريكا في الشمال فإنه يتعرض لنيران تركيا، والتي هي حليف أمريكا في الناتو.وفي نفس الوقت، وفي حرب ضد تنظيم الدولة بالعراق، تجد أمريكا نفسها تدعم جويا المليشيات الشيعية الممولة والمسيرة من طرف ايران.
ليست الولايات المتحدة وحدها من يعاني من التفكك الاستراتيجي. لسنوات قامت تركيا بالسماح لتنظيم الدولة بتشكيل بيوت آمنة ونقل المجندين المتطوعين وخطوط الدعم على طول الحدود معها مع سوريا، كان تنظيم الدولة يقاتل الأكراد، وباعتقاد تركيا فإن ذلك يعتبر خطوة لإبقاء القومية الكردية تحت السيطرة. ولكن تنظيم الدولة الآن يقوم بحملات تفجير مفجعة في تركيا، مع احتمال وجود العديد من الخلايا النائمة له في البلاد. وحسب مصدر استخباراتي، فقد تمكن الاكراد في سوريا، من تشكيل شيء يشبه ولاية خاصة بهم، ما يزيد من احتدام الصراع بين تركيا والاكراد على امتداد الحدود. (بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في الشهر المنصرم فان قوى الأمن والجيش التركي مشغولان بالأمور الداخلية فضلا عن حربها ضد تنظيم الدولة والأكراد).
من وجهة نظر قوى التنظيمات الإسلامية، فإن بدأ تصعيد حرب مع تركيا ليس بالشيء المنطقي إطلاقا، ويعتقد أن تنظيم الدولة قام بتنفيذ خمس إلى سبع هجمات في تركيا. الدرس المستفاد من افغانستان، وغيرها من الصراعات، أنه من المستحيل هزيمة تنظيم متمرد يحتوي على منطقة خلفية آمنة – مع أن هذا ما نفاه تنظيم الدولة بنفسه عندما قرر نقل الحرب إلى الأراضي التركية. ومن غير المنطقي تضحية تنظيم الدولة بالعديد من أفراده في حربه مع جبهة النصرة، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن كليهما قائم على نفس الإيديولوجية – إن الحرب بينهما كانت دموية، بما فيه الكفاية لتلقي بظلالها على الصراع ضد النظام.
جبهة النصرة، كما كانت تدعو نفسها، تأتي على رأس القائمة، واعتمادا على بعض التقارير، فإنها كانت قد اكتسبت ثلاث إلى أربع ألاف مقاتل لها في سوريا منذ الربيع الماضي. وكان هذا جزء من السبب الذي دفع بالولايات المتحدة لفرض الهجمة عليها. مع أنه لم تكن لتمضي سنة منذ أن صرّح الجنرال ديفيد باتريوس، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، والقائد السابق في أفغانستان، عن إمكانية عزل النصرة لتقاتل تنظيم الدولة جنبا إلى جنب مع الطرف الأمريكي. لكن توجيه الولايات المتحدة الآن ضربات ضد جبهة النصرة، سيكون على الأغلب دافعا لها للرجوع الى القاعدة.
المستفيد الكبير الآخر من الأزمة الآن، هو الرئيس الأسد، هناك تصعيد بشأن إعادة تأهيله كبديل عن الجهاديين للحكم في سوريا. لزمن طويل، كان هناك بصيص أمل عند المعارضة المعتدلة عن قيام الاسد باحتضان الجهاديين سعيا في كسب وحدة الشعب معه إضافة إلى كسب الدعم الدولي. بالفعل كان هذا ما حدث بالضبط، حدثني أحد أهم قادة المجموعات السلفية الثورية في سوريا قائلا أنه كان مسجونا قبل اندلاع الثورة، وأنه كان قد حرر هو وعدد من رفاقه بالسجن قبيل اندلاع المظاهرات في الشوارع في بداية الثورة السورية، والذين لاحقا أصبحوا قياديين في داعش والنصرة وغيرها من الجهات الجهادية.
البعض يقول أن هذا كله ذنْب أمريكا، أولا، في بداية الصراع كان الرئيس اوباما قد صرح على وجوب مغادرة الأسد للسلطة، الشيء الذي حفز العديد من قوى المعارضة، وجعلها تعتقد أنها مدعومة من قوى عظمى، وأن النصر سيكون حليفها لا محالة. ثانيا، مع فشل الولايات المتحدة من التدخل الحاسم لها في سوريا، قامت بالسماح للسعودية والكويت بوضع أموالها في تسليح المعارضة، ليتحول المقاتلون في أماكن سيطرة الثوار وقتها إلى جهاديين في العام 2013، عندما فشلت الضربة الأمريكية ضد النظام، كما كان قد هدد الرئيس اوباما الأسد بعد الهجمات الكيمائية التي نفذها في ريف دمشق. لكن هوية المعارضة المسلحة في سوريا كانت منذ البداية إسلامية، فخلال رحلاتي إلى سوريا ولقاءاتي معهم، لم أسمعهم يهتفون كصرخة حرب إلا “الله أكبر”، لم يكونوا يهتفون بالديموقراطية مثلا، فكان ذلك السبب في فشل برنامج التدريب الأمريكي للثوار، حيث أنه خرج أربع أو خمس مقاتلين ثائرين فقط، رغم صرف نصف مليون دولار على البرنامج، الشئ الذي صرح به جنرال أمريكي بإحراج إلى الكونغرس فيما مضى (نعم هذه الأرقام صحيحة).
لم تستطع الولايات المتحدة تغيير طبيعة الصراع، على الرغم من أنها لربما تمكنت من وضعه في اتجاه أكثر تطورا وحداثة، هذا بالتأكيد لن يحدث بينما يقضي اوباما أشهره الأخيرة بالرئاسة، لكن لربما رئيس آخر أكثر مشاركة، قد يجد نفسه يجادل مع القوى المشاركة في الصراع، كل الاطراف في الحرب كانت قد تورطت وفسدت واهينت بمشاركتها فيها. في الشهر الماضي كانت بعض التقارير قد عرضت عن حركة نور الدين زنكي، المدعومة من قبل الولايات المتحدة، قيامها بذبح طفل لم يتجاوز الـ11 من عمره وسط هتافات المارة، قيل عن الطفل أنه كان قد ألقي القبض عليه يقاتل مع مليشيات مؤيدة لنظام الاسد.
المأساة السورية في استمرار، ليس فقط بسبب سياسات القوى العظمى فحسب، بل بسبب أهم وهو أن قادة الثوار اللذين لم يكن لديهم شيء قبل الحرب، وأصبحوا بعد الحرب يملكون كل شيء. فقائد فصيل كان يعمل في صناعة الطوب تحت لهيب الشمس لكسب عيشه قبل الحرب أصبح الان يقود “بي ام دبليو”. اختان يزيديتان كانتا قد أخبرتاني عن الأمير الذي قد اشتراهما كعبيد جنس، كان سابقا يقوم بالاعمال اليدوية للقرية، كان يتوسل أباهما من أجل المال. أيضا لربما كان الأمير الذي قبض على الصحفيين الكرديين انتهى به الحال في السجن، ولكن يوجد مثله الكثيرون الذين يعتبرون الحرب تجارة، والتجارة مربحة.
المصدر: سبيكتاتور