العامل المشترك بين السوريين المقيمين في منازلهم والسوريين النازحين داخل سوريا والمهجرين في دول الجوار، هو المآسي التي تنتقل معهم من مدينة لأخرى ومن مخيم لآخر، وما مخيم “عرب رجب” في البقاع الغربي، شرقي لبنان، إلا مثال آخر عن معاناة السوريين، غير أن الرائحة فيه مختلفة عن رائحة الموت في باقي الأراضي السورية، ففي هذا المخيم لم يبقى أمام المهجرين خيار لمواجهة البرد سوى حرق أحذيتهم والتماس شيئ من الدفئ في الأدخنة السامة المتصاعدة منها.
ورغم شح المساعدات الإنسانية والطبية المخصصة لهذا المخيم، ورغم تردي الأوضاع بسبب العاصفة الثلجية ألكسا، فإن عددا من النازحات قلن لوكالة الأناضول، وهن يجلسن أرضا وسط الطين والوحل، أن المساعدات تتم سرقتها قبل أن تصل إلى المخيم، ورددن جميعا عبارة باتت مألوفة هناك: “”لعنة الله على الساعة التي جئنا بها إلى هنا.. حتى الأحذية استخدمناها وقوداً للتدفئة”.
وتقيم في مخيم “عرب رجب”، 150 عائلة سورية، معظمهم من النساء والأطفال، فأما الأطفال فلا يحملون هم المساعدات وسارقيها، وتجدهم يلعبون في الوحل ويحاربون البرد بابتساماتهم البريئة، غير مبالين بالمأساة التي هم فيها أو بأسبابها التي ربما لا يعرفها معظمهم.
بعض الأطفال وهم يلعبون داخل المخيم
والمعاناة بينة في هذا المخيم، فالنساء تطهي ما توفر من طعام، مستعينة بأوراق شجر الكينا كوقود، أما الرجال، فيقضون يومهم خارج المخيم، يبحثون داخل حاويات القمامة القريبة، لعلهم “يفوزون” بما يمكن إيجاده من بقايا طعام، أو ما يمكن الاستفادة منه من نفايات.
ويشتكي اللاجئ وليد غزاوي من “غياب المساعدات”، ومن رفض المفوضية العليا لشؤون اللاجئين له ولأولاده الثلاثة، فيقول وكله أسى : “إن شاحنات من المساعدات تصل إلى باب المخيم بين فترة وأخرى، ولكن ثمة من يسرقها”، ويتابع قائلا: “قبل يومين أتت شاحنة محمّلة بالبطانيات وأخرى بالمواقد للتدفئة أو لتحضير الطعام، إلا أن وفداً من بلدية المرج، البلدة القريبة من المخيم، استلم المساعدات، ولم يوزعها علينا”.
وتحدث وليد كذلك عن المعاناة التي طالت المخيم جراء العاصفة الثلجية “الكسا”، والتي ضربت لبنان قبل نحو أسبوع، حيث ذابت الثلوج مخلفة وراءها الطين والوحول، فيقول: “بتنا نغطس بالطين ونصعد، لا مازوت ولا مواقد..”، ثم يضيف: “هناك غياب للمساعدات بشكل شبه كامل، خلافاً لباقي المخيمات الأخرى، أفضّل العودة إلى بلدي، رغم ظروف الحرب، على البقاء في هذا الذل”.
وبدوره يؤكد محمد كريمي، القادم من محافظة إدلب، قبل نحو العام، كلام غزاوي ، ويشير إلى أن أكثر ما يعانونه في “المخيم المنسي” هو أنهم يشاهدون المساعدات بأعينهم دون أن يتلقوا منها شيئاً، حيث يتهم كريمي، وغيره من سكان المخيم، بلدية المرج بـ”سرقة المساعدات” التي تأتيهم، مضيفا: “الناس تموت في هذا المخيم جراء الصقيع … قسماً، لو متنا في بلادنا، أفضل من المجيء إلى هنا”، مستطرداً بالقول: “أولادي يعانون من التهابات بسبب قسوة الصقيع، ونحن نشعل الأحذية بالمواقد للتدفئة”.
وأما رئيس بلدية المرج، ناظم صالح، فيرفض هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً، ويقول بأن “كل ما في الأمر هو أن الجمعيات الإنسانية تتولى مسألة توزيع المساعدات، ولكن بعلم البلدية”، مؤكدا أن المرة الوحيدة التي تدخّلت فيها البلدية كانت عندما ضربت العاصفة الثلجية المنطقة، قائلا: “تحركنا باتجاه وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور، وحصلنا على نحو 150 موقدة، و400 بطانية، و300 حصيرة، تم توزيعها على النازحين”.
بعض الصور الملتقطة من داخل المخيم: