يبدو أن العلاقات الأمريكية الإيرانية باتت على المحك، بعد أن قررت الإدارة الأمريكية فجأة فتح ملف وجود القاعدة في إيران، وأعلنت عن ضم ثلاثة من قيادات التنظيم المقيمين في إيران إلى القائمة السوداء.
الموقف الأمريكي أثار الكثير من تساؤلات المحللين حول توقيت التصعيد، وسبب صمت واشنطن عن وجود أعداد كبيرة من عناصر القاعدة في إيران، لسنوات عدة مضت منذ حادث برجي التجارة في العام 2001، على الرغم من قيام واشنطن طوال سنوات بشن حربا شعواء على التنظيم، وطاردت قياداته في أنحاء متفرقة من العالم، لكن خططها لم تشمل أبدا قيادات تقيم على الأراضي الإيرانية.
فضيحة “الصناديق الخشبية”
الدوافع الأمريكية خلف التصعيد المفاجئ تجيب سريعا على تلك التساؤلات، خصوصا بعد أن كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال”، عن الفضيحة الأسوأ لإدارة أوباما، والتي تمثلت بشحن مبلغ 400 مليون دولار في صناديق خشبية، وعبر الجو إلى النظام الإيراني في يناير الماضي، وبعد يوم واحد من تسلم الحرس الثوري للأموال أفرجت السلطات الإيرانية عن أربعة أمريكيين كانوا يقبعون في السجون الإيرانية بينهم الصحفي في “واشنطن بوست” جايسون راضايان، وفي المقابل قامت الولايات المتحدة بتسليم 7 سجناء إيرانيين إلى نظام طهران، وفي الأسبوع عينه تم توقيع الاتفاق النووي بين طهران والغرب، على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي وصفته الصحيفة بصفقة مشبوهة بين إدارة الرئيس الأمريكي والنظام الإيراني.
الدوافع الأمريكية خلف التصعيد المفاجئ تجيب سريعا على تلك التساؤلات، خصوصا بعد أن كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال”، عن الفضيحة الأسوأ لإدارة أوباما، والتي تمثلت بشحن مبلغ 400 مليون دولار في صناديق خشبية، وعبر الجو إلى النظام الإيراني في يناير الماضي
بعد ساعات من الفضيحة سارعت إدارة أوباما للإعلان عن ضم ثلاثة عناصر من التنظيم يعيشون في إيران إلى القائمة السوداء، وقالت إنهم يمدون التنظيم في ميدان القتال بالمال والإمدادات، وإنهم يتوسطون لصالحه لدى السلطات الإيرانية، محددة بالاسم السعودي فيصل جاسم محمد العمري الخالدي، وهو مسؤول رفيع في القاعدة وكان أميرا لأحد كتائبها، وحلقة وصل بين مجلس الشورى في تنظيم القاعدة، وفرع في حركة “طالبان باكستان”، والمصري محمد إبراهيم بيومي، وهو عضو في التنظيم منذ 2006 ويعيش في إيران منذ العام 2014، وكان له دور في 2015 في إطلاق سراح عناصر من القاعدة في إيران، وقبل عام من ذلك جمع تبرعات للتنظيم، لإرسالها إلى تنظيم “جبهة النصرة”، ذراع القاعدة في سوريا، بالإضافة إلى أبوبكر محمد محمد غمين، مسؤول التمويل والشؤون التنظيمية لعناصر القاعدة الموجودين في إيران، والذي كان يعمل ضمن جهاز الاستخبارات التابع للقاعدة بباكستان قبل انتقاله لطهران.
محاولة للتبرير
ورغم نفي الولايات المتحدة ما أثير حول الصفقة باعتبارها تسوية مالية ما بين طهران والولايات المتحدة الأمريكية؛ بسبب نزاع قديم ومستمر منذ عقود بشأن صفقة أسلحة فاشلة، أبرمها شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي؛ للحصول على طائرات أمريكية قبل سقوط حكمه عام 1979، لكن تزامنها مع صفقة الإفراج عن السجناء، وتوقيع الاتفاق النووي، يفحم هذا التبرير، كما أن مصادر أخرى تؤكد أن هذه التسوية تبلغ قيمتها مليار و700 مليون دولار، ومبلغ الـ 400 مليون تُعتير الدفعة الأولى فقط منها.
الأزمة الحالية بين الجانبين – وفقا للمحللين – جاءت للتغطية على الفضيحة الأساسية الخاصة بأموال الحرس الثوري، والتي وضعت إدارة أوباما في مأزق ربما يطيح بمرشحة الديمقراطيين هيلاري كلينتون من سباق الرئاسة المشتعل، أمام منافسها الجمهوري دونالد ترامب.
مأزق العراق
جانب آخر من المحللين يربط بين التحركات الأمريكية الأخيرة، والتحالف الأمريكي – الإيراني بالعراق، المستمر منذ غزو البلاد في 2003، خصوصا بعد أن زج إيران بالآلاف من عناصر الحشد الشعبي، ممن تدربوا على أيدي قادتها العسكريين ليفرضوا أنفسهم الطرف الأقوى في الحرب على داعش، وهو ما دفع بواشنطن لإلغاء قرارها السابق بالانسحاب من بغداد، واستدعاء المزيد من جنودها ومستشاريها، ودعم الحشد الوطني “السني” والبيشمركة الكردية، للعب دور أكبر في حرب استعادة الموصل من سيطرة تنظيم داعش.
يعود تاريخ العلاقة المعلنة بين القاعدة وإيران، إلى أواخر عام 2001، عندما لجأ إليها كثير من قياداتها إثر انهيار نظام طالبان في أفغانستان مع بدء الغزو الأمريكي
الخطوة الأمريكية جاءت اتساقا مع مواقف مؤسسات مختلفة بداخل واشنطن، تعارض أيّ تقارب أو تنسيق مع إيران في ملفات الشرق الأوسط، خصوصا مع تزامنها مع اقتراب رحيل أوباما بنهاية العام الحالي، مع التأكيد على ضرورة ألا يتم ربط الاتفاق النووي بإطلاق أيدي طهران في المحيط الإقليمي، وهو الأمر الذي هز الثقة بين الولايات المتحدة وحلفائها بالخليج.
علاقة تاريخية
يعود تاريخ العلاقة المعلنة بين القاعدة وإيران، إلى أواخر عام 2001، عندما لجأ إليها كثير من قياداتها إثر انهيار نظام طالبان في أفغانستان مع بدء الغزو الأمريكي، ونجحت طهران فيما بعد في توظيف قياديين بالقاعدة لخدمة أجندتهــا في العراق، خاصة أبومصعب الزرقاوي، الــذي سمحت له بالتسلل إلى العراق أكثر من مرة، قبل أن يستقر بها، وينفذ عمليات طائفيــة خدمت خطــة إيران في تحويل وجهة الحرب نحو الطائفية.
من بين من توجهوا إلى إيران أيضا أسرة أسامة بن لادن، ومسؤول الأمن في التنظيم سيف العدل، وكذلك ياسين السوري، الذي كان يعرف بأنه مسؤول الإمدادات والتجنيد في التنظيم، ومحمد المصري الذي كان أحد مخططي الهجمات على السفارات الأمريكية في شرق إفريقيا عام 1998، ومن أفراد أسرة بن لادن الذين كانوا في إيران ابنه سعد وأسرته وإخوانه وأخواته وأبنائه محمد وحمزة ولادن وأخواتهم وخالتهم، وهناك أيضا محمد إسلامبولي وزوجته، إضافة إلى القيادي عبدالحكيم الأفغاني الملقب بـ”هارون”.
لماذا الآن ؟
السؤال الأبرز الآن، ألم تكن الولايات المتحدة تعلم تمام العلم بحقيقة علاقة القاعدة وإيران قبل 15 عاما؟، ألم تكشف مخابراتها عن وثائق سرية مسربة من خطابات بن لادن ضبطت خلال الغارة في مايو 2011 على المجمع الذي كان يقيم فيه في مدينة أبوت أباد الباكستانية، عن وجود علاقة قديمة ومستمرة بين القاعدة وإيران، باعتبارها أحد مصادر التمويل؟.. إذا لماذا صمتت كل هذا وعادت الآن.. والآن فقط للحديث عنها؟ .
ففي خطاب عام 2007 بعنوان “خطاب إلى كارم”، يقدم بن لادن المبررات التي تستوجب عدم الهجوم على إيران قائلا: “إيران هي شرياننا الرئيس الذي يمدنا بالأموال والرجال وقنوات الاتصال، إضافة إلى مسألة الرهائن، ولا يوجد ما يستوجب الحرب مع إيران إلا إذا اضطررت إلى ذلك”، مطالبا أي عناصر طموحة في التنظيم على طلب المشورة أو الإذن في أي مواجهة مع إيران.
وأظهرت عدة وثائق قضائية، استند إليها قاضي محكمة نيويورك الفيدرالية في شهر مارس الماضي، التي أصدرت حكماً بتغريم إيران مليارات الدولارات تعويضاً لعوائل أميركيين قتلوا في هجمات 11 سبتمبر، ولشركات التأمين التي تحملت أضراراً مالية، لدورها في تسهيل مهمة تنفيذ العمليات الإرهابية التي استهدفت نيويورك وواشنطن، مدى تورط إيران وعملائها في المنطقة، وبينها حزب الله في هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، وأشارت بالدليل القاطع إلى أن إيران قامت بتسهيل انتقال عملاء القاعدة إلى معسكرات التدريب في أفغانستان، وهو ما كان ضرورياً لتنفيذ عملية 11 سبتمبر.
كما بينت الوثائق أن عماد مغنية – أحد قادة حزب الله اللبناني – زار المنفذين في أكتوبر عام 2000 ، ونسق سفرهم إلى إيران بجوازات سفر جديدة؛ لتأمينهم قبل تنفيذ العمليات، كما أثبتت أن الحكومة الإيرانية أصدرت أوامر إلى مراقبي حدودها بعدم وضع أختام على جوازات سفر المنفذين، لتسهيل عمليات تنقلهم.
الأزمة الحالية بين الجانبين جاءت للتغطية على الفضيحة الأساسية الخاصة بأموال الحرس الثوري، والتي وضعت إدارة أوباما في مأزق ربما يطيح بمرشحة الديمقراطيين هيلاري كلينتون من سباق الرئاسة المشتعل
وأشارت الوثائق إلى أن اجتماعاً عقد في الخرطوم عام 1993 ضم أسامة بن لادن زعيم “القاعدة” السابق، وأيمن الظواهري، الزعيم التالي للتنظيم الإرهابي، مع عماد مغنية ومسؤولين إيرانيين لإقامة تحالف للتعاون المشترك ودعم الإرهاب.
رعب روسيا
الرد على التساؤلات السابقة يربط بين المحاولة الأمريكية الحالية لمحاصرة طهران، وبين فضيحة “أموال الصناديق الخشبية” الأمريكية للحرس الثوري الإيراني؛ في محاولة للتغطية عليها وتجاوزها، لكنها تربطها بشكل أكبر بتحركات إيران الأخيرة بالمنطقة، بعدما أصبح وجود عناصر تنظيم القاعدة في إيران بمثابة قوة تفاوضية، خاصة في علاقتها مع الولايات المتحدة، وبعدما سهلت طهران من انتقال هذه العناصر إلى العراق وسوريا، وبعض دول الخليج خاصة المملكة؛ للقيام بعمليات ضدها من خلال التعاون مع الجماعات المناهضة للنظام السياسي.
وبعدما بدا للجميع هيمنة الحشد الشعبي الإيراني على الأوضاع في العراق، بدأت أمريكا في الاستفاقة؛ لكي لا تفقد موطئ قدمها بالدولة المحتلة لصالح عدوتها روسيا الحليفة القوية لطهران.. فهل تشهد إيران اتفاقا قريبا مع الديمقراطيين المهادنين، أم مواجهة دامية مع الجمهوريين الصداميين ؟.. الإجابة ستحملها أصوات الأمريكيين نوفمير المقبل.