لم يتوقع تنظيم داعش أن تتاح له هذه الفرصة وأن يسمح له باستعادة أنفاسه، فاستراحة المحارب التي فرضت عليه من قبل التحالف الدولي والقوات العراقية بإيقاف أو فتور العمليات جنوب الموصل، وفرت له الوقت الكافي لاستثماره في استعادة نشاطه، داعش تستعيد عافيتها خلال أيام في ولاية نينوى – آخر ولاية بقيت لها في العراق وبالتحديد في مدينة الموصل عاصمتها والتي تضم مراكزها الإدارية والمالية والسياسية والإعلامية والخدمية -.
بسرعة بدأ التنظيم بإعادة تنظيم عناصره وأوراقه واستعاد نشاطه خصوصًا داخل المدينة، وعادت الحسبة والأمنية إلى ممارسة دورها في مضايقة الأهالي وممارسة الانتهاكات بحقهم، فعادت عناصر ديوان الحسبة لملاحقة الأهالي ومحاسبتهم على مخالفتهم لتعليمات التنظيم وتعاقبهم وتفرض عليهم الغرامات، واستعاد جهاز الأمنية نشاطه من جديد في إقامة المفارز وملاحقة المدنيين ومداهمة المنازل والاعتقال جزافًا على الشبهة، مفارز ما يسمى بديوان الزكاة التابعة لتنظيم داعش تنفذ حملة واسعة على أصحاب المحال والتجار والصناعيين لجمع الأموال وابتزازهم باسم الزكاة ومضاعفة المبالغ التي يجبونها لمن يحاول التهرب من الدفع أو مصادرة بضاعته.
نشاطات التنظيم تراجعت بشكل كبير ولمس الناس تراخي التنظيم عند بدء عمليات جنوب الموصل في حزيران الماضي حتى أيقن أهالي الموصل أن انهياره بات مسألة وقت، لكن نشاطات داعش عادت من جديد إثر توقف العمليات جنوب الموصل.
فمنذ أكثر من ثلاثة أسابيع لم تقم القوات الأمنية بأي عملية عسكرية أو تحرز أي نصر جديد، سوى تعرض هنا وتعرض هناك لعناصر داعش، بل تحول الهجوم والانقضاض على التنظيم إلى صد الهجمات التي بدأ يشنها التنظيم على القوات الأمنية، حيث أسفر توقف العمليات عن فسح المجال لداعش لتعيد تنظيم صفوفها وتقوية دفاعاتها وإعادة التخطيط للمعارك من جديد، بل ومهاجمة القوات التي تمكنت من الحصول على موطئ قدم في مناطق لأول مرة منذ أكثر من عامين.
فالمعروف عن التنظيم سرعة بديهته في مواجهة التحديات العسكرية والأمنية وسرعة تكيفه مع الأوضاع، داعش بدأت تهاجم القوات العراقية في مناطق جنوب الموصل بعد أن كانت تتقهقر أمامها، وعادت أيضًا لمهاجمة المنشآت النفطية جنوب الموصل وفي كركروك، فشنت هجمات عدة على القوات العراقية.
إن توقف المعارك اليوم أشبه بعمليات القصف الجوي المتقطعة الذي تشهده الموصل منذ عامين، فهي لم تؤثر كثيرًا بداعش قياسًا بحجم القنابل والقصف التي تلقتها وكذلك حجم الدمار الذي شهدته المدينة، بل بالعكس أعطتها مناعة وحصانة ضد القصف، فعرفت كيف تتمترس بين المدنيين.
إن توقف العمليات العسكرية جنوب الموصل ضد تنظيم داعش، مثل إيقاف الدواء عن المريض دون إكمال الفترة العلاجية، فهذا يعطي فرصة للجراثيم والبكتريا بإعادة تقوية نفسها وإنتاج جيل جديد وطرق جديدة للمناعة والمقاومة، وهذا ما تقوم به داعش الآن بالضبط، توقف العمليات جنوب الموصل غير المعلن والذي لا تعترف به الحكومة العراقية ولا التحالف الدولي أسفر عن جرعة منشطة لداعش، أما الأسباب فهي متعددة.