ترجمة وتحرير نون بوست
وُجهت أصابع الاتهام لرجل الدين التركي المتواجد في الولايات المتحدة فتح الله غولن بتدبير محاولة الانقلاب التي جدّت في تركيا الشهر الماضي، لكن ما حدث في الفترة الفارطة أظهر لنا حجم العداء الذي تكنه حركة فتح الله غولن لإيران.
إن موقف الغولينيين المعادي لإيران متجذّر في الفرق الشاسع بين كلتا الإيديولوجيتين، كما إنه ينحدر من المبادئ الغولينية التي تنظر إلى التشيع السياسي كتهديد.
وفي مقابلة جرت عام 1997 مع يني يوتزيل، انتقد غولن بشدة ترويج إيران للطائفية والفهم الإسلامي المتعصب باسم الدين والثورة الإسلامية، وأشار غولن أيضًا إلى خطورة التوسع الفارسي في المنطقة وحتى للتنافس التاريخي لتركيا مع إيران.
وقد استخدم الغولينيون على مرّ السنين مصطلح “إيرانفوبيا” كأداة في الصراع على السلطة مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، حيث اعتبرت حركة غولن رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان، أحد المقربين من الرئيس رجب طيب أردوغان، عدوًا رئيسيًا، عندما عُقدت محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني المتشدد، وذلك لأن تنظيم فتح الله غولن يعتبر أن حزب العمال الكردستاني يشكل تهديدًا لوجود شبكته، وخصوصًا في منطقة جنوب شرق تركيا ذات الأغلبية الكردية، وبالتالي، نشب أول صدام وصراع بين غولن والرئيس التركي أردوغان على المسألة الكردية في فبراير/ شباط 2012.
وقد استُدعي فيدان للإدلاء بشهادته حول ما يسمى بـ “مفاوضات أوسلو” في السلسلة الأولى من المحادثات بين المخابرات التركية وحزب العمال الكردستاني في الفترة التي جرت بين 2008-2009 والتي أدت في نهاية المطاف إلى انهيار عملية السلام، وبناء على نصيحة أردوغان، اختار فيدان عدم الإدلاء بشهادته، لأن المدعي العام الذي كان مسؤولاً على التحقيق كانت له علاقة مع حركة غولن، وعندما اكتُشف أمر هذا المدعي وبعلاقاته المشبوهة في وقت لاحق قام بالهروب من تركيا.
ومنذ ذلك الوقت، بدأت وسائل الإعلام التابعة لغولن باستهداف إيران علنًا، شملت هذه الادعاءات أن طهران تدعم حزب العمال الكردستاني، مما دفع السفير الإيراني في أنقرة لإرسال بريد إلكتروني احتجاجًا على ما يحاول هذا الإعلام الموجه ترويجه، كما كتبت صحيفة واشنطن بوست مقالاً سنة 2013 أشارت فيه أن فيدان سلّم إلى طهران قائمة تشمل عشرة أسماء من الإيرانيين الذين كانوا يعملون مع وكالة الاستخبارات الإسرائيلية الموساد، واتهمت فيدان أيضًا أنه على اتصال سري بعميل إيراني، وعلى إثر هذه الاتهامات تم القيام بالتحقيق للتأكد من صحة هذه المعلومات، وفي عام 2014، أمرت النيابة باعتقال المسؤولين عن هذا التحقيق، معتبرة إنه تم ابتداع القضية أساسًا لتبرير مخطط التنصت.
وقد اتهم ضباط الشرطة الذين هم يعملون تحت جناح غولن بالتنصت على أكثر من 2500 أرقام هاتف لأكثر من ثلاث سنوات كجزء من هذه العملية، بما في ذلك على أعضاء من الجمعيات الشيعية التركية وعلى صحفيين ووزراء ومركز الاستخبارات التركية وحتى على الرئيس التركي أردوغان.
وكل الاتهامات التي وجهت للمدعي العام وحتى إثباتات تورط بعض قادة الشرطة والقضاة وصفته حركة غولن بالمؤامرة، وزعمت أن الهدف لم يكن مجرد إحداث عملية سلام كردية، ولكن مبادرة مبادلة للوقود النووي مع إيران التي كانت بقيادة مشتركة بين الرئيس التركي أردوغان والرئيس البرازيلي لويس ايناسيو لولا دا سيلفا.
وفي لقاء أجراه حقي أويجور، من مركز أنقرة للدراسات الإيرانية مع صحيفة المونيتور، أشار إلى أن دبلوماسي تركي تابع لحركة غولن، لا يزال يعمل في تركيا في الوقت الراهن، قام بزيارة دبلوماسية في طهران في أواخر سنة 2014، هو من كان يقف وراء محاولات معاداة إيران المستمرة التي يحبطها تدخل الرئيس التركي أردوغان دائمًا، وقد سلّط الضوء أويجور على هذا الحادث ليظهر محاولات حركة غولن المستمرة لتخريب العلاقات الثنائية مع إيران وذلك باستخدام جناحهم الدبلوماسي المندّس.
وقد استُخدم التعصب السني المتشدد للحركة الغولينية بشكل منهجي ليجعل من إيران كبش فداء بالتعاون مع المجتمع العلوي التركي، وفوجئ معظم المراقبين منذ تاريخ 23 يوليو/ تموز بمرسوم الحكومة التركية الذي أمر بغلق 13 جمعية علوية، ووفقًا لنائب حزب الشعب الديمقراطي السابق علي كينانوغلو، كانت هذه الجمعيات في الواقع تابعة لحركة غولن.
وقد ادعى رئيس إحدى هذه الجمعيات العلوية في عام 2013 في صحيفة تابعة للجناح الإعلامي لفتح الله غولن، أن 700 شخص من الزعماء العلويين قد سافروا إلى إيران بين 2010-2013، والتقوا مع الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي. لكن نفى كينانوغلو هذه المزاعم وأكّد لصحيفة المونيتور أن الجمعيات المرتبطة بغولن تم تشكيلها للترويج لمثل هذه البيانات الخاطئة، وأضاف أن هدفهم كان الترويج للتعاون العلوي التركي مع إيران وذلك من أجل خلق الاضطرابات بين البلدين.
لكن الباحث بيرم سنكايا من مركز أنقرة للأبحاث الإيرانية من جامعة يلدريم بايزيد لا يتفق مع فكرة أن المؤسسات العلوية تشكلت لمواجهة النفوذ الإيراني، وبدلاً من ذلك، صرّح في لقاء مع صحيفة المونيتور أن خطوة غولن في التأثير على العلويين يمكن تفسيرها بأنها محاولة لتوسيع قاعدته.
ومستفيدًا من المشاعر المعادية لإيران في الولايات المتحدة وإسرائيل، أطال غولن الإقامة في منفاه الذي اختاره بنفسه في ولاية بنسلفانيا وربما ذلك من أجل محاولة التأثير على واشنطن وسياسة تل أبيب تجاه طهران، وفي الواقع، بالإضافة إلى استهداف إيران كوسيلة لتقويض حكومة أردوغان، تحاول حركة غولن الاستفادة من موقفها المعادي لإيران لإقامة علاقات جيدة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى ما يبدو أن الحركة الغولينية كانت تلعب دورًا رئيسيًا في اعتقال رجل الأعمال الإيراني التركي رضا زراب، المحتجز حاليًا في الولايات المتحدة بشأن انتهاكات مزعومة تتعلق بتجاوز العقوبات المسلطة على إيران، وفي ديسمبر 2013، قاد رجال من الشرطة ومن النيابة العامة التركية الذي يعتقد أنهم على صلة بحركة غولن، حملة مناهضة للكسب غير المشروع لكل من رجل الأعمال الإيراني رضا الزراب وضد ثلاثة وزراء تركيين آخرين، وقد أثارت قضية هذا الرجل الإيراني، جدلاً كبيرًا لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استطاع إنهاءها بإقالة وزرائه.
وفي هذا السياق، صرح الصحفي الإيراني عباس أصلاني، في حوار أجراه مع صحيفة المونيتور، على أن حركة غولن هي بمثابة عميل لأمريكا في إيران، وقد أشار خامنئي مؤخرًا إلى تكهنات أن الانقلاب التركي كان بتخطيط ومساعدة أمريكية.
ونظرًا لتصاعد التوتر بين تركيا والولايات المتحدة بشأن غولن وخاصة بعد تقاربها في الآونة الأخيرة مع روسيا، قد يجعل ذلك تركيا تعيد النظر في علاقاتها مع واشنطن، وعلى هذا النحو، قد يؤثر مصير غولن في نهاية المطاف على العلاقات المستقبلية بين تركيا، الولايات المتحدة وإيران.
المصدر:المونيتور