تزداد متانة العلاقات بين روسيا وتونس منذ فترة مع شبه جمود في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي الذي حاولت تونس معه أواخر السنة الماضية لعقد اتفاقية تبادل حر شامل وعميق تهدف للحد من الحواجز الجمركية وتبسيط وتسهيل الإجراءات الجمركية عبر تحرير تجارة الخدمات بضمان حماية الاستثمار وتقريب القوانين الاقتصادية في مجالات عديدة، إلا أن تلك المحادثات لم تحرز تقدمًا بما يفيد الاقتصاد التونسي.
ومما يؤكد متانة العلاقة بين تونس وروسيا ومحاولة تطويرها أكثر الأرقام التجارية والسياحية الدالة على ذلك، حيث تؤكد أرقام السياح الروس الذين زاروا تونس خلال الشهر الماضي والاتفاقيات الجديدة التي تحاول كلا البلدين إبرامها، حيث زار تونس خلال شهر يوليو/ تموز الماضي ما يقرب من 131.5 ألف سائح روسي وهو أكثر من ضعف الرقم خلال نفس الفترة في العام 2014.
وبحسب البيانات التونسية فإن الفترة الممتدة من يناير/ كانون الثاني إلى يوليو/ تموز العام الحالي زار تونس نحو 318.5 ألف سائح روسي أي بنسبة 95% أعلى من العام الماضي الذي كان عامًا استثنائيًا على تونس واقتصاد تونس بسبب ما شهدته المنتجعات والمناطق السياحية من تفجيرات وأعمال إرهابية.
ينتظر كل من تونس وروسيا توقيع اتفاقية بين البنك المركزي التونسي وبنك عمومي روسي للمباشرة في اعتماد الروبل الروسي والدينار التونسي في المبادلات التجارية بين البلدين
وقد ذكر الاتحاد الروسي للسياحة أن تونس أصبحت بديلًا عن مصر وتركيا لهذا العام كوجهة سياحية بديلة للسياح الروس بعد تعرض كلا البلدين لحوادث منعت السياح الروس من التوجه إليها، ففي تركيا تم إسقاط طائرة سوخوي نهاية العام الماضي وحصلت تفجيرات إرهابية في مناطق سياحية أودت بوفاة سياح، وفي مصر أُسقطت طائرة سياح روسية بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ توفي كل من كان على متنها.
كذلك تعرضت تونس العام الماضي لانخفاض حاد في أعداد السياح من روسيا إلى المناطق السياحية التونسية بنسبة 83% بعد هجومين إرهابيين كبيرين ضد السياح، الأول في مارس/ آذار استهدف متحف بوردو والثاني استهدف منتجعًا سياحيًا في سوسة أسفر عن مقتل 60 شخصًا بينهم 2 من المواطنين الروس.
وتؤكد الأرقام أن عدد السياح الروس الذين يزورون تونس كل عام يبلغ 300 ألف سائح روسي إلا أن تونس تسعى للحصول على نسبة أكبر من عدد السياح الروس وخصوصًا من الـ 2.5 مليون متقاعد روسي.
خط بحري يربط تونس بروسيا
في خضم هذا التحسن في العلاقات ترجو الحكومة أن يتحسن الميزان التجاري مع روسيا بالشكل الذي تستفيد منه كلا البلدين في التأسيس لعلاقة استراتيجية مستدامة، حيث يجري استغلال خط بحري يربط بين ميناء صفاقس بميناء نوفرسيسك الروسي عبر البحر الأسود، إذ تبلغ الرحلة بين الميناءين قرابة 3 أيام.
وتتوقع وزارة النقل التونسية في حكومة تصريف الأعمال أن يتيح هذا الخط دفع عمليات تصدير المواد الاستهلاكية والغذائية التونسية في اتجاه روسيا في ظل الركود الاقتصادي الذي تعرفه بلدان الاتحاد الأوروبي.
أما الميزان التجاري بين تونس وروسيا في العام 2014 فهو مائل لصالح روسيا بشكل كبير حيث صدرت روسيا إلى تونس نحو نصف مليار دولار فيما لم تتجاوز الصادرات التونسية إلى روسيا نحو 23 مليون دولار، علمًا أن روسيا تعد الشريك الاقتصادي الثالث لتونس منذ العام 2008 على صعيد التجارة الخارجية وسادس مزود للسوق التونسية.
حيث تستورد تونس الأخشاب والورق والسبائك الفولاذية والنفط ومشتقاته والكبريت والأمونيا من روسيا وتصدر لها زيت الزيتون والمنتجات الزراعية بأنواعها ومنتجات النسيج، وتمثل المواد والصناعات الغذائية 82% من صادرات تونس نحو روسيا.
تشمل الصادرات التونسية إلى روسيا التمور 36% والخضراوات 13% وزيت الزيتون 5% علاوة على منتجات أخرى مثل النسيج والجلود والغلال والأسماك
وكشفت الوزارة عن وجود مخطط تنموي يبدأ في العام الحالي حتى العام 2020، تسعى من خلاله الشركة التونسية الحكومية للملاحة، لاقتناء 4 سفن جديدة بمبلغ يفوق ربع مليار دولار لتشغيلها في الخط البحري الجديد مع روسيا، وأكد وزير النقل التونسي أن الخط البحري الجديد من شأنه أن يوفر خيارات إضافية أمام السائحين الروس على وجه الخصوص الذين يأتون بنسبة 57% منهم عن طريق الجو، لذا تأمل الحكومة من خلال هذا المشروع زيادة عدد السياح القادمين إلى تونس خصوصًا في ظل عدم توافد السياح الروس إلى مصر وتركيا بسبب الاضطرابات في كلا البلدين وبحثهم عن وجهة بديلة.
ومن ضمن خطة المشروع أن تقوم الحكومة بتطوير قطاع النقل وتطوير الأسطول وملاءمة البنية التحتية في الموانئ وذلك عبر إنجاز ميناء المياه العميقة بالنفيضة الواقع في سوسة والمعروفة بواجهة تونس السياحية، بالإضافة إلى المنطقة اللوجستية وتنفيذ برامج لتحسين نوعية الخدمات بميناء رادس ومنطقة الخدمات بالميناء نفسه إلى جانب إنجاز قطب متخصص في حركة البتروكيماويات بميناء الصخيرة وقطب اقتصادي بجهة جرجيس.
ومن مظاهر الانفتاح الحاصل في العلاقة بين البلدين المباحثات المقررة على صعيد التبادل التجاري بين البلدين وما أشار إليه وزير التجارة التونسي محسن حسن عن قرب انطلاق مفاوضات تونسية روسية لتوقيع اتفاقيات للتبادل الحر بين البلدين واتفاقيات شراكة في مجالي السياحة والتجارة وتوقيع اتفاقية بين البنك المركزي التونسي وبنك عمومي روسي للمباشرة في اعتماد الروبل الروسي والدينار التونسي في المبادلات التجارية بين البلدين، وهذا سيساهم في رفع الصادرات التونسية المتوجهة إلى روسيا.
في النهاية يدرك كلا البلدين أن علاقة البلدين السياسية والاستقرار الذي يشوبها لا يعبر إطلاقًا عن العلاقات الاقتصادية بينهما ممثلاً بحركة السياحة والتجارة بينهما ومن هذا المنطلق يسعى كلا البلدين زيادة المصالح الاقتصادية بما يعود بالفائدة عليهما.