ترجمة وتحرير نون بوست
شهد شرق المتوسط انقلابين عسكريين في السنوات الثلاثة الأخيرة، حدث الانقلاب الأول في مصر يوم 3 حزيران/ يوليو سنة 2013، بينما حدث الانقلاب الثاني في تركيا يوم 16 حزيران/ يوليو سنة 2016، ويبدو أن القاسم المشترك بينهما هو تدخل الجيش للسيطرة على مؤسسات الدولة بالقوة.
واجه كلا الحزبين الحاكمين اللذين ينتميان لتوجهات إسلامية في تركيا ومصر تهمًا مختلفة باحتكار السلطة، في مصر، واجه حزب الحرية والعدالة تهمة العمل على خدمة أجندات دخيلة، وهي نفس التهمة التي وجهها البعض لحزب العدالة والتنمية في تركيا، رغم إعلانهما عن احترامهما للعملية السياسية في بلدانهما.
رغم التشابه الحاصل بين الحزبين، فإن الانقلابين كانت لهما نتائج متباينة على نطاق واسع، وستكون لهما انعكاسات أكثر عمقًا على المدى البعيد في الشرق الأوسط، والمعادلة الدبلوماسية في المنطقة.
أعلن الفرع المصري لجماعة الإخوان المسلمين عن تأسيس حزب الحرية والعدالة يوم 21 شباط/ فبراير سنة 2011، بعد 17 يومًا على بداية أحداث الربيع العربي في مصر ورحيل حسني مبارك عن السلطة، وقد قام مكتب الإرشاد التابع لجماعة الإخوان المسلمين، والذي يمثل مجلس القيادة العليا في الجماعة باختيار رئيس حزب الحرية والعدالة محمد مرسي، ونائب الرئيس عصام العريان، والأمين العام محمد سعد الكتاتني.
تأسست حركة الإخوان المسلمين سنة 1928 في مصر، بصفتها جماعة إسلامية، سنية، دينية، سياسية واجتماعية تعمل على تطبيق تطبيق الشريعة الإسلامية في المجتمع والدولة.
اتخذ تنظيم الإخوان المسلمين في بداية ظهروه شكل حركة اجتماعية تدور نشاطها حول العمل الخيري والتعليمي في الأحياء المصرية البسيطة، لكنها سرعان ما تحولت إلى حركة سياسية لعبت دورًا رئيسيًا في المشهد السياسي في مصر وفي التحركات المعادية للاستعمار.
تجاوز تنظيم الإخوان المسلمين حدود مصر، متوسعًا نحو الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تدريجيًا، وقد استفادت العديد من البلدان العربية من نموذجها الذي يقوم على المزج بين العمل السياسي والعمل الاجتماعي، بما في ذلك فلسطين التي ظهرت فيها حركة حماس مستفيدة من تجربة الإخوان المسلمين في مصر.
حقق حزب الحرية والعدالة المصري نجاحات سياسية كبيرة في المرحلة التي تلت رحيل حسني مبارك عن السلطة، وقد فاز الحزب بنسبة أقل من نصف عدد المقاعد في البرلمان المصري، لكنه حصل على الأغلبية المريحة بعد تحالفه مع حزب النور السلفي، وقد فاز محمد مرسي بالانتخابات الرئاسية في سنة 2012 عن حزب الحرية والعدالة، بنسبة 51.7 في المائة من الأصوات، وأصبح بذلك أول رئيس مصري منتخب بصفة ديمقراطية في مصر.
أصبحت ولاية مرسي الرئاسية مثيرة للجدل بعد فترة من توليه للرئاسة، بعد أن استغل حزب الحرية والعدالة أغلبيته في مجلس الشعب المصري لتمرير دستور مثير للجدل، ثم أصدر محمد مرسي إعلانًا دستوريًا مؤقتًا تم تعليقه في وقت لاحق، ومنح لنفسه بناء عليه سلطات غير محدودة بما في ذلك سلطة سن القوانين دون الرجوع للسلطة التشريعية، ما جعل جميع القرارات الرئاسية قوانين غير قابلة للدحض.
وفي نفس الوقت، قام مرسي بتعيين أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في المناصب القضائية والإدارية الرئيسية، ما أثار انتقادات عديدة بين خصومه الذين انتقدوا ما عبروا عنه “بالانقلاب الإسلامي”.
وبداية من شهر حزيران/ يونيو سنة 2013، أصبح تنظيم المظاهرات المعارضة لمرسي من جهة، والمساندة له من جهة أخرى في شوارع مختلف المدن المصرية أمرًا عاديًا.
وفي بداية شهر تموز/ يوليو سنة 2013، احتشد أكثر من مليون شخص في ساحة التحرير في القاهرة، وفي نفس ذلك اليوم أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر بيانًا يمهل فيه الأحزاب المصرية للاستجابة لما أسماه “إرادة الشعب المصري”.
بعد يومين من انقلاب الجيش المصري على السلطة وضع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الرئيس المصري محمد مرسي، تحت الإقامة الجبرية، وقام بشن حملة اعتقالات واسعة ضد قيادة الإخوان المسلمين، وقد تم حلّ التنظيم بعد أيام قليلة من الانقلاب وحجز ممتلكاته من طرف الحكومة المصرية، ومنذ ذلك الوقت قامت السلطات العسكرية باعتقال وسجن بين 15 ألف و20 ألف شخص ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين.
وُجهت إلى مرسي عدد من الاتهامات، ومن بينها التحريض على العنف وصدرت في حقه أحكام مختلفة، من بينها حكم الإعدام، بينما لا يزال يقبع في سجون النظام العسكري.
بعد وصول عبد الفتاح السيسي للسلطة في انتخابات فاز فيها بنسبة 93% من الأصوات، استعاد الجيش المصري سيطرته على كل أجهزة الدولة، فيما يذكرنا دائمًا بحقبة تاريخية من الحكم العسكري ميّزت تاريخ مصر منذ ثورة 1952، وقد سيطر الجيش المصري على كل هياكل الدولة التي لعب دورًا رئيسًا في تسييرها، بما في ذلك المؤسسة الاقتصادية، التي افتقر نظام السيسي للكفاءة الضرورية في إدارتها، ففي سنة 2013 منحت الحكومة المصرية مشاريع بناء عملاقة بلغت قيمتها مليار دولار لشركات تابعة للجيش المصري دون الأخذ بعين الاعتبار عدم كفاءتها.
الانقلاب الفاشل في تركيا
تأسس حزب العدالة والتنمية في تركيا سنة 2001 بقيادة عبد الله جول، ورجب الطيب أردوغان وفتح الله جولن، وقد تزايدت شعبية الحزب في تركيا بصفة تدريجية في السنوات الأولى التي تلت تأسيسه، وتمكن من الوصول للسلطة بعد سنة واحدة من ظهوره، عندما نجح في الوصول إلى البرلمان التركي في سنة 2002، وقد تزعم أردوغان الحزب من سنة 2002 إلى سنة 2014، وتمكن من الوصول إلى رئاسة تركيا في سنة 2014.
عند ظهوره لأول مرة، وصف حزب العدالة والتنمية نفسه على أنه حزب منفتح على الغرب والولايات المتحدة، ويدعم النظام الاجتماعي المعتدل والليبرالية الاقتصادية، وقد تزامنت فترة حكم الحزب مع نهضة اقتصادية في تركيا، بينما وجهت بعض الأطراف انتقادات لحزب العدالة والتنمية تتهمه فيها بخدمة أجندات خفية، تهدف إلى الحياد بتركيا عن التوجه العلماني الذي ينصّ عليه الدستور.
وعلى مدى العقد الماضي، وجهت لأردوغان انتقادات عديدة من بينها اتهامه بمحاولة تعزيز نفوذه في السلطة، واحتكارها بطريقة استبدادية، وبناء الحكومة التركية حول مؤسسة رئاسة الجمهورية.
يوم 15 تموز/ يوليو سنة 2016، أعلنت مجموعة من الضباط في الجيش التركي تعرف نفسها على أنها مجموعة “السلام في الوطن”، عن قيامها بانقلاب ضد الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان، ويشير هذا الاسم الذي تطلقه هذه المجموعة على نفسها إلى اقتباس من أحد خطابات كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة، وقد ادعت هذه المجموعة من الضباط خلال بيانها الأول دفاعها عن الحقوق والحريات في تركيا، وعن الطبيعة العلمانية للدولة التركية.
خلال أوّل ظهور له بعد الإعلان عن الانقلاب العسكري في تركيا، دعا أردوغان في حوار على سكايب في قناة سي إن إن التركية، جماهيره من الشعب التركي إلى النزول للشوارع وتحدي حظر التجول الذي فرضه الانقلابيون في الجيش التركي.
بعد ساعات قليلة من الانقلاب في إسطنبول، أعلن الجنرال صالح زكي كولاك قائد قوات الجيش الأول العام، الذي يمثل واحدًا من الجيوش التركية الأربعة أن القوات المسلحة التركية لا تدعم هذا الانقلاب.
بعد 24 ساعة من المحاولة الانقلابية، قامت القوات العسكرية الموالية للحكومة التركية، والشرطة التركية بتطويق الانقلابيين وإحباط المحاولة الانقلابية التي أدت إلى مقتل قرابة 300 شخص وجرح 2100 آخرين، وأثناء مطاردة الانقلابيين في الساعات الأولى من المحاولة الانقلابية طلب 8 ضباط من الجيش التركي اللجوء السياسي في اليونان.
وُجهت أصابع الاتهام في الانقلاب الفاشل في تركيا مباشرة لفتح الله غولن، الداعية والناشط السياسي التركي الذي يعيش في الملجأ في الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات، وقد كان غولن شريكًا رئيسيًا لأردوغان في السلطة، قبل أن يثبت تورطه في قضايا فساد في حكومة أردوغان، وقد طالبت تركيا الولايات المتحدة بتسليمه خلال أكثر من مناسبة.
اتهم أردوغان الولايات المتحدة الأمريكية، ورئيس القيادة المركزية الأمريكية، جوزيف فوتل، بالوقوف إلى جانب الانقلابيين، وفي يوم 2 أغسطس/ آب، اتهم أردوغان أوروبا والولايات المتحدة مرة أخرى بدعم الانقلابيين والوقوف إلى جانبهم، ولذلك قدمت الحكومة التركية في نفس اليوم شكاوى جنائية ضد الجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، وجيمس كلابر مدير الاستخبارات الوطنية، والجنرال جوزيف فوتل، وقد اتهمت الصحف التركية جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية بالوقوف وراء العملية الانقلابية الفاشلة ومحاولة اغتيال الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان. ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، تعتقد شريحة واسعة من الأتراك أن للولايات المتحدة يدًا في العملية الانقلابية الأخيرة.
بعد ثلاثة أسابيع من المحاولة الانقلابية الفاشلة، أعتقل أكثر من 8 آلاف شخص من بينهم 2839 شخصًا ينتمون للقوات المسلحة التركية، و2745 للسلك القضائي، ووضعت تركيا قرابة 8 آلاف شخص آخرين تحت الإقامة الجبرية دون توجيه أي اتهامات رسمية لهم، بالإضافة إلى ذلك، تم استبعاد أكثر من 15 ألف معلم وموظف في المدارس الحكومية ووزارة التربية، وتم سحب التراخيص من أكثر من 21 ألف معلم في المؤسسات الخاصة.
عمومًا، أدى الانقلاب في مصر إلى نتائج مختلفة عن الانقلاب العسكري في تركيا، لكن كلا الانقلابين ستكون لهما نتائج كبيرة على المعادلة السياسية في الشرق الأوسط على المدى المتوسط والبعيد.
المصدر: هافينغتون بوست