قراءة الأخبار الواردة من دمشق تشعر الشخص أن هناك انفصال عن الواقع السوري وكأن شيئًا في البلاد لم يكن، فهل هذا الأمر من قبيل الصدفة أم يأتي وفق استراتيجية مدروسة من قبل النظام السوري في دمشق؟
ففي الوقت الذي تنهار خطوط دفاع النظام السوري في حلب وفك المعارصة السورية الحصار عن حلب المحاصرة وتقدمهم للسيطرة على كامل حلب في معركة هي الأكبر في الزمان والمكان، تخرج أخبار وتطلق بيانات أن اتحاد المصدرين السوريين افتتح مركزًا للصادرات السورية في طهران ووضعه في خدمة المصدرين السوريين لمساعدتهم على تسويق منتجاتهم في الأسواق الإيرانية ويتجهز لإطلاق سلسلة من المعارض في عدد من المدن الإيرانية لبعض القطاعات الإنتاجية القابلة للتسويق في الأسواق الإيرانية على أن تكون البداية معرضًا للمنتجات النسيجية السورية محلية الصنع مطلع الشهر القادم سبتمبر/ أيلول، وسيشارك في المعرض عشرات الشركات السورية التي ستعرض منتجاتها من الألبسة والقطنيات وأصناف المنتجات النسيجية المختلفة، بحسب البيان الصادر منذ يومين عن الاتحاد، والذي أكد أيضًا أن المعرض سيكون واحدًا من أهم وأكبر معارض النسيج السورية التي تقام في الخارج.
تعزيز الصادرات السورية
تأتي هذه الخطوة استكمالًا لفتح خط نقل بحري بين البلدين بعد وضع اتفاقية التجارة الحرة المعقودة بين البلدين في العام 2012 موضع التنفيذ في أبريل/ نيسان الماضي والتي تتيح بموجبها تبادل البضائع برسوم جمركية تنافسية لا تتعدى الـ 4%.
وبعد إطلاق البيان قال رئيس اتحاد المصدرين السوريين محمد السواح إن الدعم الحكومي الكبير للمشروع من شأنه أن يساعد على النهوض بواقع الصادرات ويقفز بأرقامها بسرعة قياسية وخاصة مع وجود إمكانيات حقيقية لدى سوريا للتصدير في عدد مهم من القطاعات الزراعية والصناعية، وهنا إشارة أن النظام السوري يدعم ويضع ثقله في هذه الخطوة، وذكر أن إيران ممكن أن تكون سوقًا موازية وبديلًا عن السوق العراقية في أهميته واستيعابها للمنتج السوري بما يعود على دمشق بالفائدة ومئات المليارات من الدولارات.
صعد حجم التبادل التجاري بين سوريا وإيران من 430 مليون دولار في العام 2010 إلى 869 مليون دولار في العام 2014
الانفتاح على السوق الإيرانية من قبل المصدرين السوريين أو من النظام السوري بشكل أدق، ظهر بشكل واضح بعد وضع اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين سوريا وإيران على سكة التنفيذ، حيث تم إرسال شحنة من 30 مصنعًا سوريًا إلى السوق الإيرانية بعد توفير مستودعًا مجانيًا يتبع لاتحاد المصدرين لاستقبال بضائع المصدرين، حيث أكد السواح في وقت سابق أن اتحاد المصدرين قام بهذه الخطوة لفتح آفاق تجارية أمام التجار والمصدرين، من خلال تنفيذ هذه الاتفاقية وأن المطلوب الآن من التجار والمصدرين التحرك باتجاه السوق الإيرانية الكبيرة خصوصًا أن المصدرين السوريين لديهم كل الميزات التنافسية في السوق الإيرانية الكبيرة على حد تعبير السواح.
وتشير مؤسسة تنمية التجارة الإيرانية إلى صعود حجم التبادل التجاري بين البلدين من 430 مليون دولار في العام 2010 إلى 869 مليون دولار في العام 2014، ويبدو من خلال هذا الرقم مقدار القفزة في العلاقة الاقتصادية بين البلدين فلم تكن العلاقة قبل الثورة على هذا الحد من التوسع بعد اندلاع الثورة عام 2011، في حين صرح معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري أن في العام 2014 بلغت قيمة واردات سوريا من إيران 422 مليار ليرة سوريا أي 2.6 مليار دولار مشكلة نسبة 34% من الحجم الكلي للواردات السورية.
وما يؤكد على اتساع العلاقة بين البلدين افتتاح إيران لخط ائتماني مع سوريا خلال الثورة بقيمة 3 مليارات دولار، وفي العام 2013 تلقت سوريا قرضًا من إيران بلغت قيمته مليار دولار وفي نفس العام في شهر أغسس/ آب عاودت طهران لمد سوريا بقرض آخر مقدراه 3.6 مليارات دولار خصصته سوريا بشكل أساسي لاستيراد المشتقات النفطية والمساهمة في كبح حدة انخفاض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار لتجنب انهيار الليرة السورية.
أهمية سوريا بالنسبة لإيران
والخلاصة أن العلاقة الاقتصادية بين إيران وسوريا اكتسبت بعد اندلاع الثورة السورية في العام 2011 نفوذًا اقتصاديا كبيرًا تعزز بعد العزلة الدولية المفروضة على دمشق، حيث استثمرت طهران في النظام السوري بغية أهداف استراتيجية لها من خلال تقديم كل أشكال الدعم المالي والسياسي والعسكري للنظام السوري حتى أصبحت السمة العامة للعلاقة بين البلدين تتسم بسيطرة إيران على الاقتصاد السوري خصوصًا بعد استحواذ إيران على قطاع واسع من العقارات في سوريا.
أهمية سوريا بالنسبة لإيران تنبع من كونها جزء من محور الممانعة والمقاومة وأحد أركان القاعدة الاقتصادية التي تنوي إيران الهيمنة على أسواقها لتسويق صادراتها غير النفطية وخطط تصدير الغاز الإيراني عبر سوريا إلى منطقة شرق المتوسط وأوروبا مستقبلًا، لذا فحماية لمصالحها في سوريا وأهدافها الاستراتيجية في المنطقة فقد اعتمدت على إنقاذ النظام السوري بمساندته عسكريًا وسياسيًا لمنع سقوطه ودعم الاقتصاد السوري لتلافي انهياره.
اتحاد المصدرين السوريين افتتح مركزًا للصادرات السورية في طهران ووضعه في خدمة المصدرين السوريين لمساعدتهم على تسويق منتجاتهم في الأسواق الإيرانية
أما من الطرف السوري فلم يجد النظام مؤازرة حقيقية ودعم كبير على كافة المستويات السياسية والعسكرية والمالية كما وجده من إيران وروسيا، وخطوة فتح خط تصدير إلى إيران وإقامة معارض للمصدرين السوريين في المدن الإيرانية فهي وتحت هذا الظرف الحاصل في الشمال السوري من فك الحصار عن حلب واقتراب قوات المعارضة من تحرير حلب بشكل كامل، تندرج تحت استراتيجية النظام السوري في القيام بدور الدولة ومسؤولياتها بكل ما تعنيه من تراتبية في كافة المؤسسات وهذا يكسبه صفة شرعية لدى المجتمع الدولي، ومن جهة أخرى، إقناع الحاضنة الشعبية من تجار ومواطنين أن الأمور على ما يرام ولا شيء يدعو للقلق والدولة ماضية في تنفيذ برامجها الاقتصادية إلى جانب حربها ضد من تسميهم “القوات الإرهابية والمتطرفة”.