يمكن وصف الأوليمبياد في التاريخ بأنها أكثر الأحداث درامية في ذلك الوقت، ولكن مادام الحاكم في ريو دي جانيرو لا يتدخل في أوليمبياد 2016 لكي يفوز لنفسه بالميدالية الذهبية، ولا يدخل اللاعبون وزيت الزيتون يغطي أجسادهم النصف عارية إلى المباريات، فهذا يعني أن أوليمبياد العصر الواحد والعشرين لن تكون درامية كما كانت الأوليمبياد في عصر ما قبل الميلاد.
تمّ تسمية الأوليمبياد بهذا الاسم نسبة إلى المكان الذي كانت تقام فيه تلك الاحتفالات الدينية في مدينة أوليمب جنوب اليونان، كما تروي الأساطير أن هرقل أوهركليس في الميثولوجيا الإغريقية، وهو ابن الإله اليوناني زيوس إله السماء عند الإغريق والبشرية ألكمينى، هو من قام بتأسيس ألعاب الأوليمبياد في القرن السادس قبل الميلاد، والتي كانت تُقام كل أربعة سنوات ما بين 6 أغسطس/ آب و19 سبتمبر/ أيلول، كجزء من الاحتفالات الدينية التي كانت تقام في ذلك الوقت لعبادة وتكريم الإله زيوس، فمن يشاركون فيها يشاركون من أجل إرضاء الإله وتحقيق سعادته.
بدأت الأوليمبياد برياضة العدو للمسافات الطويلة، ومن ثم بدأ بالتدريج إضافة رياضات أخرى كانت تتميز بها تلك العصور قبل الميلاد، كالملاكمة، ورمي الرمح أو رمي القرص، والوثب الطويل، بالإضافة إلى المصارعة.
سألت مجلة الـ “TIME” العديد من خبراء الآثار وتاريخ الألعاب القديمة عن الأوليمبياد في التاريخ، وكيف كانت في الحقبة من 776 قبل الميلاد وحتى 393 بعد الميلاد وما هو الاختلاف بينها وبين ما يُقام في ريو دي جانيرو في البرازيل الآن، ليجيب ديفيد جيل مان رومانو أستاذ التاريخ الإغريقي في جامعة أريزونا بأن الألعاب الأوليمبية كانت أكبر احتفال ديني في التاريخ في ذلك الوقت، فقد كان أساسها الدين، وكان الدين هو أيضًا ما أنهاها، فقد أدى الخلاف الديني إلى إبطال فكرة الألعاب، خصوصًا بعد الحكم الروماني للمنطقة، حيث قام الإمبراطور ثيودوسيوس الأول آخر إمبراطور الإمبراطورية الرومانية الموّحدة، باعتبار الأوليمبياد احتفال وثني، وأقرّ ببطلانه تمامًا وتحريمه.
تماثيل منحوتة في جدران متحف الآثار الإغريقية لرياضة المصارعة في أوليمبياد 510 قبل الميلاد في أثينا باليونان
صورة لرياضة القفز، حيث كان يحمل اللاعب أحجارًا في يديه كشرط من شروط اللعبة سابقًا
صورة تعبر عن رياضة الملاكمة، حيث ينزف أنف أحد الملاكمين في الصورة، كما كان يرتدي اللاعبين حبال جلدية يلفون بها كفوفهم أثناء اللعب
جائزة الأوليمبياد عند الإغريق، الإكليل المصنوع من الشجر
كانت جائزة الفائزين في الأوليمبياد هي إكليل من أوراق الشجر، واستقبالهم كاستقبال أبطال الحروب في بلادهم، وله الحق في أن يتزوج أي امرأة غنية يريد أن يتزوجها، كما يكون لهم الطعام بالمجان، ويحق لهم دخول المسارح بالمجان والجلوس في أفضل المقاعد فيها.
كان انتهاء الألعاب بمثابة العيد في ذلك الوقت، حيث يتم شواء الكثير من الثيران العملاقة وتقديمها للعامة، كما تزدهر المدن بالتجار يبيعون بضاعتهم الجديدة، كما كانت هناك عروض راقصة كما يحدث في أوليمبياد العصر الحالي، إلا أنها احتوت على فقرات للسحر أكثر من الرقص، كما تضمنت الكثير من الألعاب البهلوانية، وكان انتهاء الأوليمبياد في ذلك العصر يمثل فرصة ذهبية لخطابات السياسين للحشود المتجمعة.
ربما من المضحك أن أشهر بطل في أوليمبياد ذلك التاريخ لم يكن رياضيًا على الإطلاق، فقد كان نيرون إمبراطور روما حريصًا ليتم تتويجه بطلًا للأوليمبياد، فكان بائسًا لدرجة أنه قام برشوة جميع اللاعبين لكي لا يضطر للمنافسة مع أي لاعب، وتوّج نفسه بطلًا عام 67 بعد الميلاد، ليصبح بذلك أشهر حاكم وبطل للأوليمبياد في التاريخ.
كان للمرأة وضع خاص في الأوليمبياد في ذلك الوقت، حيث كان الهدف الأساسي من مشاركة المرأة في الألعاب هو أن تكون أقوى جسديًا وبذلك تكون قادرة على إنجاب أطفال أصحاء، كما كان من الممنوع على المرأة المتزوجة أن تشارك في الألعاب، وممنوع أيضًا أن تشاهد المرأة المتزوجة أو الحامل الألعاب، وإذا تم ضبط من تحاول التسلل من أجل المشاهدة، تنال عقوبة الرمي من فوق جبل عال.
تقول إحدى الأساطير إن سر ممارسة اللاعبين لرياضتهم في الأوليمبياد وهم عرايا هو “أورسيبوس”، أحد اللاعبين الذي سقطت عنه ملابسه أثناء اللعب، فقرر استكمال اللعب وهو عاري الجسد، لينتشر التقليد بين الكثير من اللاعبين، ليكون تقليد معروف في الأوليمبياد في ذلك العصر، حتى إنه أثّر على اللغة اليونانية القديمة، فكلمة gymnasium المعروفة بصالة الألعاب الرياضية في اللغة العربية تعني كلمة عاري في اللغة اليونانية القديمة.
لم تعد الأوليمبياد احتفالًا دينيًا كما كان من قبل، بل اختلف الأمر الآن كليًا، فالألعاب الأوليمبية تحتوي على العديد من الرياضيات التي لم يعرفها الإغريق، وتجمع بلدان العالم أجمع، كما تم تخصيص ألعاب أوليمبية لفصل الشتاء وفصل الصيف يفصل بينهم عامان، كما تختلف الجوائز من إكليل من أوراق الشجر المقدسة عند الإغريق، إلى المعادن النفسية من الذهب والنحاس والبرونز.