تميزت بداية الألفية بانبهار غير مسبوق من لدن المشاهد العربي لا سيما الشباب مع بدء الفضائيات، وأبرز الدوافع كانت تتركز حول الحاجة إلى الجديد والرغبة في الابتعاد عن رتابة الإعلام العربي الرسمي الذي ظل لفترة طويلة أسير أطروحاته وتصوراته لما يجب أن يقوم به الإعلام تجاه المواطنين.
ثم إن جرأة الإعلام الفضائي الخاص في تناول موضوعات ظلت محرمة على المشاهد في المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية ساهمت في الاندفاع نحوه كما وقد عززت الاستفادة من ثورة التكنولوجيا الرقمية في إعطاء أبعاد جمالية للعرض التلفزيوني الفضائي وجعلته أكثر تفضيلاً.
لكن مع مرور السنوات ومع تعدد القنوات التي ثبت للمشاهد العربي، فإن الفضائيات الجديدة وفي أغلبها هي مجرد إعادة استنساخ لما هو موجود من القنوات والبرامج، باستثناء بعض الفضائيات التي حملت على عاتقها تطلعات الشباب وأدخلت في مضامينها كل ما يتعلق بقيم المجتمع ومعانيه الثقافية التي تشكل هويته وانتماءه إلى بيئة حضارية ذات أبعاد إنسانية عملية.
ولكن السؤال لماذا أخفقت الفضائيات عن ملامسة تطلعات الشباب العربي، هل في الأمر علاقة بغياب الوعي عن معرفة احتياجات الجماهير بما فيها فئة الشباب وإشباعها لدى القائمين على الفضائيات، وعدم ربطهم مسألة إعداد البرامج بالدراسات الميدانية ونتائج قياس المشاهدة وبقاء الوضع في نطاق مخاطرة رأس المال المادي فقط؟
أم أن الاعتماد على التكنولوجيا والعناصر المرئية من صورة عالية الوضوح وديكور افتراضي بعيدًا عن الاهتمام بالمحتوى والرسالة البرامجية كان كفيلاً في اعتقاد القائمين على الفضائيات بإرضاء المشاهد، بالرغم من أن ذلك الانبهار اللوني بالصورة لا يستمر سوى إلى حين؟!
ثم أين تأثير البيئة المحيطة من الفضائيات بكل ما تحمله تلك البيئة من مدلولات سياسية وثقافية واجتماعية، فهل الفضائيات العربية كوسائل للاتصال الجماهيري تراقب هذه البيئة، أم أن البيئة هي التي تراقب عمل الفضائيات؟!
ومع كل هذه الأسئلة فإن العقد الأول من الألفية بات يشرف على الانتهاء بدون أن يستفيد الشباب العربي من عصر الفضائيات التي أخذ نجمها في الأفول بسبب تغيّر أنماط استخدامات وسائل الاتصال الجماهيري ومزاحمة الشبكات الاجتماعية.
نعم، لا مناص من الاعتراف بأن الفضائيات قد قدمت للشباب التسلية والترفية، ولكن أية تسلية وأي ترفيه؟ وأين هي من أولويات الشباب وقضاياهم في العمل والبطالة وفرص التعليم والصحة والهجرة؟
من هنا تذهب بعض الآراء إلى أن العديد من الفضائيات العربية نجحت في قلب أولويات الشباب العربي وأعادت ترتيبها من خلال المزيد من الابتعاد عن الواقع والاغتراب عنه والتكريس لقيم جديدة هي قيم الاستهلاك والمغامرة واقتناص الفرص بواسطة برامج التسلية والترفيه التي وللأسف غرست في الشباب العربي قيمة أن النجاح “ضربة حظ” بفضل الكم الهائل من برامج تلفزيون الواقع وبرامج التسلية والمسابقات.
في المقابل ظل الإعلام الفضائي الرسمي على وجه الخصوص حبيس سياسات جامدة ومغيبًا في أغلبيته للمشاهدين ومنهم الشباب في صنع المحتويات والمضامين الإعلامية.
ونافل القول أن الإعلام الفضائي العربي الرسمي والخاص وإذا كان قد حقق طفرة نوعية في امتلاك الوسائل وتطوير القاعدة التقنية، فإن المحتويات والرسائل بقيت سجينة السياسات الرسمية ومغامرات القطاع الخاص، ولم تواكب هذا التوجه والامتداد، من هنا فلا غرو أو مبالغة لو قلنا إن الشباب العربي سيودع العقد الأول من الألفية الثالثة بالانشغالات والتوقان نفسه إلى غد إعلامي عجزت الفضائيات العربية عن رسم بعض ملامحه وسيهاجر إلى فضاءات أخرى في الإعلام الجديد باحثًا عن إجابات لأسئلة كثيرة فشل الإعلام الفضائي العربي في الإجابة عنها رغم بعض الاستثناءات طوال عقدين من المشاهدة والتعرض والاستخدامات.