ليست فكرة استخدام تعابير الوجه في مسألة الثواب والعقاب بجديدة، فهذا ما كان يعتمد عليه الأخ الأكبر في رواية 1948 للكاتب جورج أرويل، فكان تعبير الوجه البائس بسبب تحقيق انتصار بالنسبة للحاكم الديكتاتور كفيل بإنزال أشد العقوبات بصاحبها، فهل ستستطيع شركة ميكروسوفت في عصرنا الحالي، أن تسير على خطى الديكتاتور في رواية 1948، وأن تكتشف وتحلل تعابير وجهنا، ليس نحن فقط العامة، بل تعابير وجوه الساسة كذلك في خطاباتهم الدولية؟
قرر فرع ميكروسوفت للخدمات المعرفية الاستعانة بخاصيتي الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وهو مصطلح يشير إلى المصادر والأنظمة الحاسوبية المتوافرة تحت الطلب عبر الشبكة والتي تستطيع توفير عدد من الخدمات الحاسوبية المتكاملة دون التقيد بالموارد المحلية بهدف التيسير على المستخدم، وتشمل تلك الموارد مساحة لتخزين البيانات والنسخ الاحتياطية والمزامنة الذاتية، ستستخدم مايكروسوفت الخصائص السابقة في اختراع تقنية تقوم بتحليل معالم وجوه البشر، وتستنبط منها تعابير الوجه، كما يمكنها أن تستنبط منها الكثير عن شخصية صاحب تلك التعابير.
تم تطبيق تلك الخاصية في أحد المعارض من قبل وهو معرض Realtime Crowd Insight، وهو أحد المعارض الخاصة بالتنبؤ عن طريق البرمجيات، حيث تم تحليل وجوه كل من بالقاعة، لتأتي النتيجة بتحديد نوع التعبير على الوجه، والسن، والنوع، كل ذلك بالتنبؤ عن طريق خاصيتي الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية.
يشير التحليل العاطفي الذي ستستخدمه ميكروسوفت ضمن خاصيتي الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية أنه بإمكانه التنبؤ بالغضب والفرح والحزن والمفاجأة والخوف والاشمئزاز، وهو ما يمكن أن تستخدمه الحملات الانتخابية في السياسة لمعرفة تأثير خطابات السياسيين على الناس، كما يمكن أن يستخدمه علماء السياسة لدراسة استجابة الجماهير في التجمعات السياسية، كتجمعات الحزب الجمهوري لسماع خطابات دونالد ترامب على سبيل المثال.
ستستطيع ميكروسوفت بهذا التطبيق معرفة انطباعات الكثير من الجماهير عن أحزاب معارضة معينة، أو عن جماهير محتشدة في مظاهرة، ولن يتطلب الأمر انتظار تعليقاتهم الشخصية على حساباتهم الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يمكن للكثير من الباحثين ألا يجدوها بسهولة وسط ملايين الحسابات الشخصية والحسابات الافتراضية، إلا أن تطبيق ميكروسوفت سيستطيع الكشف عن كل ذلك خلال ثوان معدودة.
سيساعد هذا التطبيق العديد من السياسين وروؤساء الدول قبل إلقائهم لخطاباتهم أمام الجماهير الغفيرة، فلطالما شاهدنا هتافات فجائية من فريق وسط الحشود يهتف ضد الشخص المتحدث على المنصة، بل ولطالما سمعنا عن طرد صحفيين أو مواطنين عاديين من مؤتمرات صحفية قبل أن يصعد المتحدث إلى خشبة المسرح من الأساس، وذلك فقط بسبب توقع فردي من أحد أفراد الأمن أن أشخاص بعينهم يستعدون لإحداث الشغب داخل المؤتمر، وهذا ما حدث كذلك مع دونالد ترامب في شهر فبراير الماضي، حينما فوجئ الحضور بالأمن الأمريكي الخاص بترامب يطرد ثلاثين من الطلبة الأفارقة الأمريكان من قاعة الحضور قبل صعود ترامب لخشبة المسرح، حيث زعمت الشرطة أن حركة الطلاب لم تكن طبيعية، وأنهم من الممكن أن يحدثوا الشغب داخل القاعة.
لا تعد تقنية التعرف على الوجوه بالجديدة على عالم التكنولوجيا، فهي مستخدمة من قبل سلطات عديدة في الدول، مثل الجهاز الأمني والقضائي، حيث يكثر استخدامها في قاعدة بيانات خاصة بالمجرمين، إلا أنه لا شك أن تلك التقنية كانت ومازلت مثيرة للجدل، لدرجة أنه تم منع شركة جوجل من تنصيبها في بعض من تطبيقاتها على أجهزة المحمول الذكية.
لا تعتبر خاصية التنبؤ عن طريق التحليل العاطفي للوجوه ذات تأثير جدلي كتقنية التعرف على الوجوه، فهي لا تقوم بتعريف الشخص باسمه وهويته، ولكنها تقوم بتحليل تعابير وجهه فقط، إلا أن المثير فيها، هو قدرتها على التمييز بين مختلف الوجوه بين أعداد كبيرة من البشر، حيث تقوم التقنية بتسجيل كل وجه برقم سري معين، يمكنها التعرف عليه مرة أخرى حتى بعد فوات ساعات من قيامها بتحليل وجهه.
تعتمد ميكروسوفت سياسة طلب الإذن من المستخدم في السماح للبرمجيات بتسجيل تفاصيل وجهه على تلك البرمجيات، كما هو مُتبع في خاصية الاستشعار الحركي للمستخدم في ألعاب الإكس بوكس على سبيل المثال، وذلك وفقًا لسياسة الخصوصية التي تتبعها شركة ميكروسوفت.
يبقى السؤال هنا إلى أي مدى يمكن أن تكون خاصية التحليل العاطفي للوجوه وتخزينها على قواعد البيانات لدى شركة ميكروسوفت مثيرة للجدل في المستقبل، وهل يمكنها أن تؤثر في قرارات الأحزاب السياسية فيما بعد، تتطلب الإجابة شخصًا متنبأ بالمستقبل، وليس متنبأ بالتكنولوجيا أحيانًا.