وقف حزب الله خلف النظام السوري داعمًا له لمدة ثلاث سنوات في حصاره لحلب، “ويدرك حزب الله أن من خسرها خسر كل شيء ومن ربحها ربح كل شيء”، وهكذا يظن النظام السوري والروسي بحلب، لذلك سعى النظام لحصارها حتى سيطر على طريق الكاستيلو وهو الشريان الرئيسي للمحافظة الذي تمر من خلاله البضائع والأدوية وكل شيء.
وبعد أن عاش الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله وهم الانتصارات في معارك حلب خرج ليعد أنصاره بالنصر مجددًا بعد الانتصار الذي أحرزه محوره هناك قبل فترة بفضل الغطاء الجوي الروسي وغض الطرف الأمريكي والصمت الدولي المخزي، ظنًا منه أن سيبقي قائدًا يعد بالنصر فيتحقق!
تحولات إقليمية
استمد نصر الله وهمه باستمرار النصر من جملة معطيات دولية وإقليمية، حيث تزامنت معركة حلب التي تخوضها إيران ومليشيات حسن نصرالله خلال مهرجان تأبين القيادي إسماعيل زهري في النبطية في إطار تحولات إقليمية ووسط مواجهات ضارية سياسيًا وميدانيًا بين إيران والسعودية تتجلى بعض ملامحها في حرب اليمن التي انعطفت في الأيام الماضية من المفاوضات السياسية في الكويت إلى تصعيد المعارك على أكثر من جبهة، حيث صرح قائد حركة “أنصار الله” عبد الملك بدر الدين الحوثي أكثر من مرة بفشل حوار الكويت وعدم الوصول لاتفاق.
وترافقت هذه المواجهة المفعمة بالغرور من جانب حزب الله بتوجيه مسؤول إيراني صيحات تهديد وتحذير نحو الحرميّن مكة والمدينة، فقد دعا محمد جعفر أسدي مساعد دائرة التفتيش بالحرس الثوري وقائد القوات البرية السابق في الحرس إلى إعلان حملة إسلامية “نقول فيها للمسلمين بأن مدينتيّ مكة والمدينة هي ملك لجميع المسلمين، ويجب ألا تكون بيد من يخدم اليهود وغير المسلمين.”
انتظرونا في مكة!
لا شك أن ما جرى في تركيا من انقلاب عسكري فاشل انعكس في تداعياته على المشهد في المنطقة لا سيما معارك السيطرة على حلب ومحاولة إحكام الحصار عليها، وغير الكثير من لعبة التوازنات في المنطقة، حيث بدا أن زيارة الرئيس التركي أوردغان لخصمه الروسي مؤشر قوي على ترجيح لميزان القوى الروسي في ظل الفراغ الكبير الذي تركه الانسحاب الأمريكي في المنطقة، مما ينعكس بالضرورة على ميزان القوى الذي تتولى موسكو إقامته لصالح الطغاة وفي مقدمتهم بشار الأسد، مما جعل حسن نصر ينتشي زهوًا وكأنه يقول للسعودية إذا لم تدركوا ما جرى في حلب فانتظرونا في مكة.
تحول جوهري في الصراع
لكن مع شعور المعارضة السورية بالخطر، قاموا بما طالب به السوريون منذ سنوات وهو الاتحاد الذي كان يقف أمامه عثرة الاختلافات الأيدولوجية، فتوحدت قوى جيش الفتح وغرفة عمليات حلب لتنفيذ عمليات مشتركة والتنسيق فيما بينهم وهو ما تسبب في تحقيق مكاسب على الأرض.
وبرغم الغارات الروسية الكثيفة لمنع تقدم قوات المعارضة حتى اللجوء لأسلحة محرمة دوليًا مثل الغازات السامة دون أن يكون للمعارضة وسائل ترد بها على سلاح الطيران، إلا أنها سيطرت على نقاط جديدة جنوب غربي حلب ما يجعلها على بعد خطوات من فك الحصار على الأحياء الشرقية، كما سيطرت فصائل المعارضة على أجزاء واسعة من ريف حلب الجنوبي والجنوبي الغربي، بجانب السيطرة على قرية العامرية وتل الجمعيات بشكل كامل.
وأعلنت المعارضة السورية يوم الخميس الماضي بدء مرحلة جديدة من المعارك في إطار فك الحصار عن المناطق الشرقة لمدينة حلب شمال غربي سوريا، مستهدفة السيطرة على تلة المحروقات، من أجل استكمال فك الحصار عن حلب.
صفعة على وجه نصر الله
لعل من أهم تداعيات تحرير حلب انكسار غرور حسن نصر الله، حيث يشكل تحرير المدينة صفعة على حزب الله وزعيمه الذي وعد بالنصر مجددًا ولكنه باء بالهزيمة، حيث تتوالى البشارات المؤكدة على دحر مليشياته وانكسارها.
حيث تكبد حزب الله في المعارك الأخيرة بريف حلب، خسائر بشرية كبيرة، فقد بلغ عدد قتلى الحزب الطائفي 35 قتيلاً بينهم قياديين بارزين، إضافة إلى فقدان الاتصال بسبعة من مقاتلي الحزب في محيط بلدة خلصة بريف حلب الجنوبي، يعتقد أنهم وقعوا في كمين نصبته المعارضة السورية.
وأدت هذه الانتكاسات المتتالية التي تلاحق الحزب المذهبي إلى غضب شعبي في لبنان وخارجه، مشيرة إلى أن بعض الأهالي أبدوا استياءهم من زج أبنائهم في الحرب السورية، كاشفين أن حزب الله أوهمهم بأنه يأخذهم للتعليم الديني فحرف مسارهم باتجاه المعارك السورية.
حسن نصرالله بات عديم الأهمية
وصفت صحيفة “يديعوت آحرونوت” الإسرائيلية، حسن نصر الله، بأنه بات “عديم الأهمية” بعدما أُنهكت قواته بسبب الحرب في سوريا، وانصرف اهتمام المحسنين إليه في إيران إلى معاركهم الاقتصادية والسياسية ضد المملكة العربية السعودية.
وأوردت الصحيفة ضمن مقال للكاتبة سميدار بيري، أنه بينما يجلس نصر الله في مخبئه، أصبح يدرك بكل تأكيد أنه عديم الأهمية، حيث فقدت تهديداته لإسرائيل تأثيرها، كما يجري تحذيره من قبل ليبرمان حاليًا من محاولة فعل أي شيء ضد إسرائيل.
وأضافت الصحيفة أنه لم يعد خافيًا على أحد أن قدرة المناورة العسكرية لدى حزب الله أصبحت محدودة، فالحرس الثوري في طهران يُحكم قبضته عليه بقوة، بالضبط مثلما يحكم قبضته على الرئيس السوري بشار الأسد، وتعاني تلك المنظمة “الإرهابية” اللبنانية من صراع داخلي، حول عدد الشباب الذي يجب تجنيده للحرب القاتلة في سوريا.
وأصبح نصر الله، بحسب الصحيفة، شخصية مكروهة في منازل بيروت، ومن يستمع إلى السياسيين والتجار والإعلاميين والأكاديميين سيجد وابلًا من الشتائم، موجهًا للرجل الذي يمنعهم من انتخاب رئيس لهم، ويجعل دولتهم معطلة منذ أكثر من عامين.
بعوضة تحاول لدغ فيل
وأشارت الصحيفة إلى وجود شيء غريب يجري على طول الحدود المفتوحة بين سوريا ولبنان، حيث يتواصل هروب المدنيين الذين يتعرضون للقصف من الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي، وفي الاتجاه المعاكس تواصل الشاحنات نقل مقاتلي حزب الله إلى سوريا، لتعزيز جيش الأسد.
وشبهت “يديعوت أحرونوت” نصر الله في هجومه البائس الأخير على الأسرة المالكة السعودية، بالبعوضة التي تحاول لدغ فيل.
نكسة وانكسار
أليست تقتضي النكسة التي طالت محور المقاومة في حلب كما يحب أن يسمّيه نصرالله، أن يتقدّم نصر الله باتجاه الجبهة التي تقتضي في هذه اللحظات أن يكون موجودًا ليشدّ من أزرِ مقاتلي الأسد ومليشياته، ومن بأس الأخوة الروس وطائراتهم.
أوليست هذه المعركة كما قال نصرالله نفسه أنّها سترسم معادلات إقليمية قبل عشرة أيام؟ الوقائع الميدانية تتطلب وجوده لا سيما أنّ المخاطر على طريق القدس باتت كبيرة في حلب، ذلك أنّ فصائل المعارضة السورية ليست في وارد الاقتناع بأن طريق القدس تمر بتدمير مدينتهم بمستشفياتها وبيوت سكانها.