سان بطرسبورغ تحتفي اليوم باللقاء الأول للزعيمين بوتين وأردوغان منذ الأزمة التي نشبت بين البلدين على خلفية إسقاط الطائرة الروسية، ومن المتوقع أن يتمحور اللقاء حول سبل تحقيق الأهداف التجارية ودفعها باتجاه الأمام بالإضافة لمحاولة إيجاد صيغة اتفاق معينة لحل الأزمة السورية.
فكلا الزعيمين يختلفان على الحل في سوريا، فلكل واحد منهما وجهة نظر مختلفة للوضع القائم وإمكانية حل النزاع هناك كما أن كل بلد ترتب أولوياتها وفق مصالح مختلفة وهذا أبعد سبل التوافق بينهما.
بعد ذلك تم إسقاط تركيا لطائرة السوخوي بذريعة أنها دخلت المجال الجوي التركي في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي 2015، بدأت العلاقة تتقهقهر بين البلدين على خلفية الحادثة، حيث فرضت روسيا إجراءات أشبه بالعقوبات على تركيا فيما يخص منع السياح الروس من السفر إلى تركيا لقضاء عطلهم، ووضعت حظرًا على استيراد المنتجات الزراعية التركية وأوقفت العديد من رجال الأعمال والشخصيات التركية في روسيا وقامت بتسفيرهم إلى بلادهم، ومع احتداد الخلاف بين البلدين إلا أنه لم يصل لدرجة القطيعة الدبلوماسية.
وقد بدأت العلاقة تلين مع الوقت خصوصًا بعد إرسال القيادة التركية في أنقرة اعتذارًا رسميًا عن إسقاط الطائرة، وتبعها زيارات واتصالات من الطرفين على عدة مستويات، ومن ثم حدث الانقلاب في ليلة 15 يوليو/ تموز الماضي، وسارعت روسيا لتعلق على الحدث على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف لتكون بهذا أول دولة أجنبية تعلق على الحادثة، وهي إشارة لدعم شرعية السلطة في تركيا، وبعد يوم من الانقلاب تلقى أردوغان اتصالًا من بوتين ليعلن موقفه الرافض للانقلاب وتأييده للسلطة الشرعية وتم تحديد موعد اللقاء في 9 أغسطس/ آب.
“روسيا ستقدم لتركيا اقتراحات بإنشاء قنوات لتبادل المعلومات بين عسكريي البلدين وبروتوكولات الأعمال في الجو لمنع تكرار حوادث في الأجواء السورية”
ترمق الولايات المتحدة اللقاء بعين الريبة، فعلاقة تركيا بعد الانقلاب الفاشل ليست كما قبله، فالواضح أن تركيا تسعى لتأمين الورقة الروسية كما يرى علي باكير، إذ إن مرحلة ما بعد الانقلاب ستشهد على الأرجح تدهورًا في العلاقات التركية الأمريكية، وكذا التركية الأوروبية أيضًا بعد الموقف السلبي الذي سجلته أوروبا مما جرى، خصوصًا في حال إعادة حكم الإعدام حيث خرجت تصريحات عديدة من مسؤولين أوروبيين أن عودة حكم الإعدام تعني بالضرورة إلغاء مفاوضات ضم تركيا للاتحاد الأوروبي، وفي نفس الوقت كان أردوغان قد لوح في تصريح لصحيفة لوموند الفرنسية أمس الإثنين بإنهاء اتفاق إعادة اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي إذا لم يلتزم الأخير بما يترتب عليه، خصوصًا بما يتعلق برفع تأشير الدخول عن المواطنين الأتراك الراغبين في دخول فضاء شنغن، قائلاً “إن لم يتم تلبية طلباتنا، عندها لن يكون هناك أي إمكانية للاستمرار باتفاقية إعادة اللاجئين”.
أجندة الزيارة السياسية
يحمل كلا الرئيسين أجندة مهمة سيتم مناقشتها في اللقاء، ولكن لا تزال إمكانية التوافق على حل الملفات الشائكة في المنطقة بين البلدين يحفها قدر كبير من التعقيد، وأحدها الملف السوري، حيث قال وزير الخارجية الروسي لافروف بعد انقلاب 15 يوليو/ تموز إن مستقبل العلاقات التركية الروسية يعتمد على موقف تركيا من سوريا.
أردوغان قال إن الزيارة ستكون ميلادًا جديدًا للعلاقات بين البلدين وأن فتح صفحة جديدة بين البلدين سيمشل مجالات سياسية وعسكرية واقتصادية وتجارية وثقافية وأمور يمكن للاعبين إقليميين القيام بها
وإذ يرى رئيس الائتلاف السوري المعارض أنس العبدة في تصريح للأناضول أن الزيارة المنتظرة للرئيس أرودغان إلى روسيا ستكون “إيجابية” وتدفع لإيصال رسائل سياسية واضحة للرئيس الروسي حول الأزمة السورية، إلا أن روسيا لا يبدو أنها غيرت ولو قيد أنملة من موقفها حيال الأزمة السورية حيث لا تزال تدعم بشار الأسد عسكريًا والطائرات الروسية تكاد لا تتوقف عن قصف المدنيين في حلب وغيرها.
حيث يأمل العبدة أن يطلب أردوغان من روسيا التوقف عن استهداف المدنيين والتوجه إلى عملية سياسية يكون فيها الشعب السوري صاحب قرار ضمن ما سماها ثوابت الثورة المتمثلة في وحدة التراب السوري ورحيل الأسد وبناء نظام سياسي مدني ديمقراطي تعددي.
التناقض بين موقفي روسيا وتركيا لا يزال قائمًا و”توقع حدوث تحول كبير في الموقف الروسي من الملف السوري جراء إعادة وصل ما انقطع مع تركيا سيكون إفراطًا في التفاؤل” كما يقول باكير في مقالة له.
مع التنويه أن موقف تركيا الثابت على رحيل بشار الأسد قد يلين قليلًا في عدم الاعتراض على قبول بقاء الأسد في فترة محددة بمثابة فترة انتقالية، مع إدراة تركيا في أن يصبح شمال سوريا ضمن نطاق سيطرتها لإنهاء التوسع الكردي في شمال سوريا ومكافحة تنظيم الدولة الإسلامية الذي بات خطرًا يهدد أمن تركيا.
“روسيا هي العنصر الأول والأهم في مسألة جلب السلام إلى سوريا، وأنه ينبغي حل المسألة السورية من خلال إقدام تركيا وروسيا على خطوات معًا في هذا الصدد”
ويبقى التقدم الكبير على الأرض ضد قوات الأسد والميليشيات الإيرانية هو سيد الموقف وما قد يثني الأطراف الحليفة للأسد على إعادة دوزنة علاقتها بالأسد وتعريفها من جديد.
أجندة الزيارة الاقتصادية
على الصعيد الاقتصادي سيتم مناقشة ملفي السيل التركي ومشروع بناء المحطة النووية في تركيا بقيمة 25 مليار دولار، وكان أردوغان قد أكد لوكالة الأنباء الروسية تاس استعداد بلاده لاتخاذ خطوات بناءة وفورية لتحقيق مشروع السيل التركي لنقل الغاز الروسي إلى تركيا، حيث يساعد هذا المشروع روسيا على الحد من اعتمادها على أوكرانيا في نقل الغاز إلى أوروبا أما تركيا فتحقق طموحها بأن تصبح مركزًا إقليميًا لعبور الغاز عبر أراضيها وتغطي حاجياتها المتزايدة من الطاقة، إلى جانب السيل التركي فإن أنقرة وموسكو سيسعيان إلى زيادة التبادل التجاري بينهما ليصل بحلول عام 2023 إلى 100 مليار دولار.
بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا وتركيا في العام 2014 نحو 31 مليار دولار منها 17.8 صادرات روسيا إلى تركي،ا تعد الطاقة حصة الأسد منها
كما سيبحث الجانبان القيود المفروضة على استيراد روسيا للمنتجات التركية الزراعية وغيرها ورفع الحظر عن الرحلات السياحية ورحلات الطيران “التشارتر” التي فرضتها موسكو في أعقاب حادثة إسقاط الطائرة.