جاءت دعوات تعديل بعض مواد الدستور المصري من خلال جمع توقيعات 40 مليون مصري لمد فترة الولاية الرئاسية للرئيس عبدالفتاح السيسي لثماني سنوات بدلًا من أربعة فقط، لتثير الجدل داخل الأوساط السياسية والشعبية – داخل مصر وخارجها – فضلًا عما واجهته من حملات سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.
مطالب تعديل الدستور أو تغييره ليست الأولى في تاريخ مصر، بل سبقها العديد من المحاولات منذ دستور1971 وحتى الآن، لكن الجامع المشترك في معظم هذه المطالب أنها جاءت لتكريس نظام الحاكم، والحيلولة دون خروجه من القصر الرئاسي مهما كان الثمن، وبصرف النظر عن رغبة السيسي في تغيير الدستور أم أن المبادرة تطوعًا من بعض الراقصين على سلالم السلطة، إلا أن الاهتمام بها إعلاميًا يضع العديد من علامات الاستفهام، فعلها بالأمس السادات ومبارك، فهل يسير السيسي على خطيهما؟ وهل يقبل المصريون محاولات اغتيال إرادتهم من خلال التلاعب بالدستور عبر توقيعات مخالفة للقانون وتفتقد لأدنى مبادئ الديمقراطية؟
ليست الأولى
المتابع لتاريخ الدستور المصري المعاصر منذ إقراره في سبتمبر1971، يجد أن هناك عدة محاولات لإجهاضه، وتزوير بعض بنوده، والالتفاف على رأي الجماهير، من خلال استفتاءات مزيفة، أو تعديلات تبدو في ظاهرها قانونية لكنها تخفي بباطنها جريمة دستورية، وإلى أن تم تجميد العمل بهذا الدستور في 11 فبراير 2011 حين تمت الإطاحة بالمخلوع مبارك، فقد مر الدستور المصري وعلى مدار 40 عامًا تقريبًا بثلاث تعديلات فجّة، كرست لحكم الفرد، وأرست المبادئ الأولى للديكتاتورية العسكرية بصورة غير مسبوقة في تاريخ مصر.
- حقبة السادات
داعب كرسي الحكم عقل وقلب الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وبات ما كان يتحدث عنه بالأمس من تداول السلطة وعدم التفرد بها، والاكتفاء بدورتين رئاسيتين فقط، محض خيال، وحبرًا على الورق، فإذ به يطالب بإجراء بعض التعديلات في الدستور تخدم منظومة حكمه، وبقاء نظامه لأطول فترة ممكنة، حيث أجرى عددًا من التعديلات كان أهمها، التعديل الذي سمح بتجديد مدة الرئاسة لأكثر من مدة تالية على عكس ما كان معمولًا به.
في يوليو عام 1979 تقدم أكثر من ثلث أعضاء مجلس الشعب بثلاث طلبات متضمنةً مقترحات لتعديل الدستور استنادًا لنص المادة 189، وتضمنت هذه المقترحات تعديل بعض المواد، وإضافة مواد جديدة، حيث أوكل مجلس الشعب إلى لجنة خاصة مشكلة من رئيس المجلس، و17 عضوًا من أعضائه مهمة النظر في هذه الطلبات، وأنهت هذه اللجنة عملها، وعرضت تقريرها على المجلس الذي أقر التعديلات.
عُرضت هذه التعديلات الدستورية على الشعب المصري للاستفتاء عليها في يوم 22 مايو 1980، وتمت الموافقة عليها بأغلبية بلغت 98.86%، علمًا بأن المواد التي خضعت للتعديل هي المادة 1 – المادة 2 – المادة 4 – المادة 5 – المادة 77 وتم إضافة باب جديد هو الباب السابع الذي تضمن أحكامًا جديدة تخص إنشاء مجلس الشورى وسلطة الصحافة.
- حقبة مبارك
على مدار ما يقرب من ثلاثين عامًا كرّس مبارك لنظام حكم الفرد، والسيطرة على كافة مقادير الأمور في البلاد، وتحول الشعب إلى أسياد وعبيد، كما صارت مصر حينها أشبه بـ “الوسية” التي يسيطر عليها الحاكم، وجميع الشعب لديه ليسوا أكثر من خدم في بلاط صاحب السمو والفخامة.
واستمر الوضع على هذا المنوال حتى عام 2005، حيث تصاعدت أصوات المعارضة تطالب بإجراء بعض الإصلاحات السياسية والديمقراطية، وتراوحت مطالبها ما بين إدخال تعديلات على البنية الدستورية والتشريعية للحياة السياسية في مصر، ومعارضة التجديد لمبارك لفترة رئاسية خامسة، ومواجهة احتمالات توريث السلطة لابنه جمال أمين السياسات والأمين العام المساعد بالحزب الوطني الديمقراطي الذي كان مسيطرًا على الحكم آنذاك.
وعلى الفور وفي محاولة لامتصاص غضب الشارع، أعلن مبارك في فبراير من نفس العام 2005 عن مبادرة لتعديل المادة 76 من الدستور، بحيث يكون انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السري العام المباشر من جميع أفراد الشعب الذين لهم حق الانتخاب، بدلًا من اختيار رئيس الجمهورية بطريق الاستفتاء، بعد ترشيح مجلس الشعب لشخص واحد للرئاسة، ووفقًا للمادة لنص المادة 189 تقدم بطلب إلى مجلس الشعب بشان التعديل المذكور، وبإضافة مادة جديدة برقم 192 مكررًا.
وفي 10 مايو 2005 أقر مجلس الشعب تعديل المادة 76 من الدستور بعد موافقة 405 من الأعضاء على هذا التعديل، كما طُرحت المادة بشكلها الجديد للاستفتاء الشعبي في 25 مايو 2005، وجاءت الموافقة عليها بنسبة تقريبية بلغت 83% من إجمالي نسبة المشاركين في الاستفتاء.
إلا أن الشروط التعجيزية التي تضمنتها المادة 76 في صيغتها النهائية التي وافق عليها مجلس الشعب دفعت العديد من الأحزاب السياسية وبعض الحركات السياسية المعارضة إلى مقاطعة الاستفتاء الشعبي والدعوة إلى ذلك، وأيضًا مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر 2005 تطبيقًا للتعديل المذكور، وتنافس فيها تسعة من مرشحى الأحزاب السياسية مع الرئيس السابق الذي حصل على 88.5% من نسبة الأصوات.
ولم يتوقف سرطان التعديل الدستوري عند هذا الحد، فبعد أقل من عام على التغيير الدستوري السابق في 2005، طالب مبارك بتعديل 34 مادةً من مواد الدستور، بما يعادل “سدس” النصوص الدستورية التي يحتويها الدستور، وذلك عبر رسالة نصية لرئيس مجلس النواب في ديسمبر 2006.
وكعادة المجالس النيابية المصرية التي لا ترفض للحاكم طلبا، فقد وافق مجلس الشورى في 13 مارس 2007، ومجلس الشعب في 19 مارس 2007 بالأغلبية على التعديلات الدستورية المطروحة، حيث أُجري الاستفتاء على هذه التعديلات للمواد الـ 34، ووافق عليها الشعب بنسبة بلغت 75.9%، وذلك في 26 مارس 2007.
وقد شملت التعديلات حزمة من المواد جاءت كالتالي: المادة 1 – المادة 4 – المادة 5 – المادة 12 – المادة 24 – المادة 30 – المادة 33 – المادة 37 – المادة 56 – المادة 59 – المادة 62 – المادة 73 – المادة 74 – المادة 76 – المادة 78 – المادة 82 – المادة 84 – المادة 85 – المادة 88 – المادة 94 – المادة 115 – المادة 118- المادة 127- المادة 133- مادة 136- مادة 138- المادة 141- المادة 161 – المادة 173- المادة 179 – المادة 180- المادة 194 – المادة 195- المادة 205.
حقبة ما بعد الثورة
كانت أول قرارات ثورة يناير 2011 تجميد العمل بدستور 1971، والسير من خلال إعلان دستوري جديد تم في مارس 2012، وبناء عليه فإن الجمعية التأسيسية هي الهيئة المنوط بها إعداد دستور جديد للدولة، وقد نصت التعديلات الدستورية التي تمت في مارس 2011 على أن يقوم البرلمان المنتخب باختيار أعضاء هذه الجمعية لوضع الدستور الجديد، كما نصت على أن يبدأ العمل على صياغة دستور جديد لمصر، بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأولى في مصر بعد الثورة.
وقام حوار استمر لمدة ستة أشهر حول مشروع دستور مصر الجديد “مشروع دستور مصر 2012” بعد انتخابات الرئاسة المصرية في 2012، حيث تباينت ردود فعل الشارع المصري بين مؤيد ومعارض للمسودة النهائية لمشروع الدستور الجديد، الذي أقرته الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، حيث انتقدتها قوى المعارضة،
ومن ثم تم استفتاء الشعب المصري في استفتاء عام علي مرحلتين يومي 15 و22 ديسمبر 2012 علي الدستور الجديد لمصر “دستور 2012″، وفي 25 ديسمبر 2012 تم إقراره بموافقة نحو 64% واعتراض 36% من الذين ذهبوا للجان الاقتراع (32.9%).
دستور النوايا الحسنة
“دستور مصر كتب بنية حسنة والدول لا تبنى بالنوايا الحسنة” بهذه الكلمات أستهل عبدالفتاح السيسي حديثه خلال لقائه بالشباب في أسبوع شباب الجامعات بجامعة قناة السويس والذي عقد في سبتمبر من العام الماضي، ليفتح الباب لجميع التكهنات بشأن رغبة الرئيس في إجراء تعديلات دستورية جديدة.
وكعادة الأحزاب والائتلافات التي ولدت من رحم الفوضى التي خيّمت على الشارع السياسي خلال الفترة الماضية، انبرت العديد من هذه الكيانات السياسية للترويج لهذه الدعوة ، حيث بدأت حملات إعلامية مكثفة من أجل تعديل بعض مواد الدستور، التي رأت أن وجودها “يحول مصر إلى لبنان آخر” تتصارع فيه القوى السياسية والسلطات ويتعطل تشكيل الحكومة ربما لسنوات بسبب الخلافات، على حد قولهم.
وبالرغم مما واجهته هذه الحملات من رفض شعبي إلا أنها لازالت تتمتع ببعض الحضور، لاسيما وأن هناك قطاع كبير من الأحزاب والجمعيات السياسية يدعمها الإعلام المؤيد للنظام، فضلاً عن شريحة ليست بالقليلة من الشعب، تؤيد كل ما يصدر عن الرئيس دون النظر إلى آثاره السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية، فضلا ًعن مدى تعارض ما يريده الرئيس مع القانون والدستور، وهو ما أوصلنا إلى الحالة التي نحن بصددها الآن، والتي تتمحور في تشكيل حملة لجمع توقيعات 40 مليون مصري لتمديد فترة ولاية الرئيس إلى ثماني سنوات.
4 سنوات غير كافية
في بيان صحفي له، أشار منسق الحملة ياسر التركي أنه قد تم تشكيل مجلس إدارة للحملة للتنسيق مع كل محافظات مصر، والحصول على توقيع المصريين على هذه الاستمارات، وإعادة تجميعها بواسطة أعضاء الحملة المنتشرين في المحافظات المختلفة.
التركي أشار إلى أن 4 سنوات غير كافية لإنهاء الخطوات الجادة والديمقراطية التي يقوم بها السيسي، ملفتًا إلى أن المواطنين يباركون خطوات السيسي ويؤكدون ثقتهم فيها من أجل مصر وبناء دولة قوية تقوم أركانها على الشفافية والديمقراطية والكرامة والحرية، على حد قوله.
جريمة دستورية
المحامي والحقوقي الدكتور عصمت سيف الدولة، علق على هذه الحملة بقوله: إنها جريمة دستورية، تستبدل نصوص الدستور، بلعبة أمنية محروقة ومبتذلة، وهى لعبة جمع توقيعات وتزوير استمارات وهمية، والادعاء كذبًا وتضليلاً أنها بالآلاف والملايين، ثم يروج لها إعلام الشؤون المعنوية، فيتبناها البرلمان الموالى ويحولها إلى تعديل دستوري واستفتاء، ينال 99%.
سيف الدولة أشار في تصريحات صحفية له إلى أن كل شيء ممكن في دولة مبارك القديمة ونظام السيسي الحالي، كل شيء ممكن بعد الثورة المضادة، سياسة قديمة منذ أيام السادات ومبارك، حين طالب مرتزقة النظام بإلغاء شرط المدتين الرئاسيتين وإطلاقه إلى أي عدد من المدد ثم إلى مدى الحياة، وحين أرادوا التمهيد لرئاسة جمال مبارك، طبخوا تعديلات دستورية عام 2007 وهكذا، على حد قوله.
وأضاف الحقوقي القومي إلى أن طرح التعديل الدستوري اليوم أكثر ابتذالاً، فمرتزقة اليوم – على حد وصفه -، شديدو الصغر مقارنة بمرتزقة زمان، إنهم من صبيان الفرز الثالث والرابع في نظام مبارك، وهي ظاهرة أصبحت واضحة في غالبية مؤسسات الدولة، ملفتًا إلى أن الذين يحكمون اليوم ويسيطرون على مقاليد الأمور، تنقصهم الحنكة والخبرة وفنون الإخراج وجودة الصنعة التي كان يتمتع بها أشخاص مثل فتحي سرور وكمال الشاذلي ومفيد شهاب وآخرين.
محاولة لتجميل وجه النظام
“في اعتقادي أن مثل هذه الحملات لا تعدو عن كونها محاولة ساذجة وسخيفة من أجل تجميل وجه النظام السياسي الذي يعاني في الوقت الحالي تراجعًا كبيرًا في شعبيته” بهذه الكلمات استهل الكاتب والمحلل السياسي أسامه الهتيمي حديثه معقبًا على هذه الحملة التي باتت حديث الشارع السياسي خلال اليومين الماضيين.
الهتيمي أشار في تصريحات خاصة لـ “نون بوست” إلى أن الراقصين على سلالم السلطة يستهدفون إظهار تأييد ودعم غير حقيقيين لهذا النظام مستغلين في ذلك أجواء غير ديمقراطية تسمح لهؤلاء الجامعين للتوقيعات بابتزاز الجماهير المصرية من أجل التوقيع تفاديًا لتعرضهم لمشكلات أمنية هم في غنى عنها، أو على الأقل تفاديًا لإثارة الشبهات حولهم بأنهم ينتمون للمعسكر المناوئ للسلطة والذي بكل تأكيد سيكون منحازًا للإخوان والإسلاميين الموصومين بالإرهاب.
برّر المحلل السياسي رؤيته بأن الموقف الدستوري والقانوني من هذه الحملة أكبر دليل على أنها غير ذات جدوى ولا قيمة، إذ إن جمع توقيعات لتمديد فترة رئاسة السيسي من أربع إلى ثماني سنوات لا يعطي الحق مطلقًا للقفز فوق المادة 140 من الدستور المصري والقاضية بأن تكون مدة الرئاسة أربع سنوات فحسب ولا يشفع في ذلك ما أعلنه القائمون على الحملة عن اعتزامهم تقديم التوقيعات إلى مجلس الشعب، إذ الأصل أن يستفتي الشعب في إجراء أي تعديل دستوري، ويضاف إلى ذلك فإن هذه الحملة التي انطلقت من محافظة المنيا وجمعت حتى الآن نحو 120 ألف توقيع ليست الأولى بهذا الشأن بل كان قد سبقها العام الماضي حملة مماثلة لم تتمكن وفق تصريحات القائمين عليها سوى من جمع 2 مليون توقيع ثم توقفت فيما أعقبها مطالبات بعض الرموز السياسية ومن بينهم اللواء الراحل سامح سيف اليزل للعمل على تمديد فترة الرئاسة وهو أيضًا ما لم يتم التفاعل معه حينئذ.
واختتم الكاتب والمحلل المصري حديثه بأن الاهتمام الإعلامي بهذه الحملة والترحيب بها يثير الكثير من التساؤلات حول ما ينتويه النظام السياسي بشأن هذه المسالة بل وربما تحمل إشارة قوية على التوجه نحو إعادة ترشيح السيسي لفترة رئاسية ثانية بدعوى أن مدة الأربع سنوات لم تكن كافية لاستكمال ما كان قد بدأه .
مواقع التواصل الاجتماعي تشتعل
شنّ عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي حملة ساخرة ضد دعوات تمديد فترة الولاية الرئاسية للرئيس المصري إلى ثماني سنوات بدلاً من أربعة، مؤكدين أن هذا لم يحدث في عصر مبارك نفسه الذي جلس على صدور المصريين 30 عامًا، حيث أعرب الدكتور عصام حجي العالم في وكالة الفضاء “ناسا” عن رفضه لهذه الدعوات، مشيرًا أن التمديد يأتي بصندوق الانتخاب وبالدستور وليس بجمع التوقيعات، كما سخر الإعلامي باسم يوسف أيضًا من هذه الحملة، داعيًا إلى بقاء السيسي في منصبه لولايات جديدة دون الاكتفاء بثماني سنوات فقط.
#التحرير | #عصام_حجي يعلن إطلاق حملة توقيعات رفضًا لمقترح مد الفترة الرئاسيةhttps://t.co/yWrO62Tz0N@essamheggy pic.twitter.com/zpNncyXlE2
— التحرير الإخباري (@TahrirNews) August 8, 2016
أحب أسجل تأييدي لهذه المبادرة العظيمة. و ليه ٨ سنين بس. يا ريس ما انا قاعد معانا . ماهو بيتك . لا بجد ، ما… https://t.co/kB0QnGpSd2
— Bassem Youssef (@Byoussef) August 8, 2016
وبالرغم من غياب السند القانوني والدستوري لمثل هذه الحملة إلا أن الاهتمام والترحيب الإعلامي بها – كما قال الهتيمي – يثير الكثير من التساؤلات حول ما ينتويه النظام السياسي بشأن هذه المسألة، بل وربما تحمل إشارة قوية على التوجه نحو إعادة ترشيح السيسي لفترة رئاسية ثانية بدعوى أن مدة الأربع سنوات لم تكن كافية لاستكمال ما كان قد بدأه، فهل يسير السيسي على خطى السادات؟