“نساء الله” هي سلسلة فنية مصورة من الفنانة “شيرين نشأت” الإيرانية، التي تركت إيران قبل الثورة الإسلامية بخمس سنوات في رحلة دراسية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تزوجت وعاشت بها، قبل أن تُقرر العودة إلى إيران بعد مرور11 عامًا على الثورة الإسلامية لتتفاجأ بالتغيير الجذري في البلاد، وتقرر تصوير أول سلسلة فنية تصور النساء الإسلاميات المسلحات، ممن شاركن في الثورة الإسلامية، لتصبح تلك السلسلة هي أقوى أيقونة فنية عن النساء المسلحات في عالم الفن.
سلسلة “نساء الله” هي أول عمل يصور الإناث المحاربات في الثورة الإيرانية عام 1979، كانت المصوّرة شيرين في كثير من الأحيان هي المرأة التي تظهر في الصور أمام الكاميرا، كما أنها أدمجت بين فن الكتابة بالحروف العربية على وجوه وكفوف وعيون وأرجل النساء في الصور، لا تكون العبارات عشوائية، فالعبارات مأخوذة من الشعر الفارسي المعاصر لشاعرات ثوريات شاركن في الثورة الإسلامية كذلك، وكتبن أشعارهن عن الشهادة وعن دور المرأة في الثورة.
كانت الصورة الأساسية للسلسلة هي صورة أسمتها الفنانة شيرين بـ “الصمت المتمرد”، وهي صورة تصورها نفسها بغطاء للرأس أسود وبندقية تشطر وجهها نصفين في الصورة، تملأ العبارات الشعرية وجهها، وهي تحدق بنظرات صارمة للناظر.
تصور سلسلة “نساء الله” تعقيدات هوية المرأة في خضم المشهد الثقافي المتغير في الشرق الأوسط، من خلال عدسة غربية تحملها امرأة مسلمة، ومن خلال القناعة الشخصية والدينية للمصورة وما تصوره، فقد صورت “شيرين” التناقضات التي تحملها نفس الثوريات من النساء المسلحات في أغلب صورها، فقارنت بين الخمار الأسود أو كما يسمونه بالفارسية “الشادور” والخلفية البيضاء، كما شطرت وجه المرأة نصفين بالبندقية، وهو ما يدل على اضطراب نفسي عنيف في نفس كل واحدة منهن.
لا تقارن شيرين بين الاضطرابات الداخلية فقط للنساء المسلحات في الصور، بل عبرت عن الحداثة والتقليد، الشرق والغرب، الجمال والعنف، فقد قالت شيرين نفسها عن الصور في أحد اللقاءات بأن كل نظرة تنظرها المرأة للكاميرا تُعبر عن تعقيدات داخلية شديدة العنف تناقض ما يظهر على السطح.
تصور سلسلة “نساء الله” ذلك الواقع المتناقض من خلال الصور التي تحمل الأبيض والأسود بين إطارها، تحتوي كل صورة على أربعة رموز للصورة النمطية التي يتصورها الغرب عن العالم الإسلامي، وهي الحجاب، والسلاح، والكلمات بالحروف العربية، وتلك النظرة الخاوية لحاملي الأسلحة، وهي الرموز التي حددها الغرب للمسلمين في ما تلى أحداث 11 سبتمبر، إلا أنه تم تصوير السلسة قبل ذلك بين عامي 1993- 1997.
صورت السلسلة كذلك مشاهد التغيير الثقافي في المجتمع الإيراني وبخاصة النساء، حيث تم فرض الحجاب على كل النساء في الأماكن العامة من بعد عام 1979، حيث صوّرت شيرين مشاعرها المتناقضة تجاه الحجاب، فهي كمسلمة تربت في المجتمع الإيراني تعرف مدى قوة الحجاب وتأثيره على المرأة المسلمة في اعتزازها به في كونه يعزز هويتها الإسلامية، كما أنها أيضًا المصورة التي تعيش في الغرب سنوات عدة، وبالذات في الوقت الذي قامت فيه ثورات تحرير المرأة في الولايات المتحدة وأوروبا، وعايشت اعتبارهم للحجاب بكونه صورة قمعية تضطهد المرأة في الإسلام، لذا قامت شيرين بتصوير الجانبين خلال تصويرها لسلسة “نساء الله”.
تؤمن الفنانة شيرين نشأت بنظريات النسوية الحديثة، لذا فهي تعلم جيدًا تحويل المرأة إلى أداة سلعية تسويقية في الإعلانات والإعلام سواء كان في السينما أو التليفزيون، والسماح للإعلام بتصوير جسدها وكأنه أداة تُستخدم للفت نظر الرجال فقط، ليحدقوا فيه كيفما شاءوا، لذا استخدمت شيرين مبدأ “النظرة” والتي ركزت عليه أثناء تصويرها السلسلة.
يعتبر فنانو التصوير الفوتوغرافي أن النظرة هي أداة للندم والحزن وهي إيحاء بالإغراء، كما تعبر أحيانًا عن الخطيئة، لذا فأن “شيرين” الفنانة التي تؤمن بالثورة النسوية، ركزت على نظرات كل النساء في إطار التصوير، بل صورت نفسها كذلك بنفس تلك النظرة التي قالت عنها “إن كان الرجال سيحدقون فينا بشراهة، فسنحدق نحن أيضًا فيهم بتحٍد”.
كان تصوير السلاح في أيدي النساء مهمًا في تلك السلسلة، حيث عبرت عنه شيرين بأنه جزء من الثقافة الثورية في إيران في ذلك الوقت، كما أنه تعبير عن التحكم والسيطرة، كما كانت تحمله أكثر من امرأة في الصورة بشكل مهمل، وأحيانًا بشكل عنيف وهي توجه إلى عدسة الكاميرا مباشرة، حيث يحمل السلاح هنا معنين، الأول هو السيطرة، والثاني هو التذكير بالشهداء.
يمكن لكل من لا يفهم الفارسية، أن يعتقد أن تصوير الكلمات على وجوه النساء في الصور هو إشارة إلى أهمية فن الخط في الحضارة الإسلامية، وفي الفن الإسلامي، ولكن معظم النصوص التي اقتبستها شيرين قبل أن تُكتب على وجوه النساء هي أشعار لشاعرات إيرانيات، تحدثن فيها عن إيران قبل وبعد الثورة الإسلامية، كما تحدثن عن الشهداء، وما فعلته المرأة في الثورة الإسلامية.