سادت في الآونة الأخيرة نبرة عجيبة في الأوساط الإعلامية المصرية، مفادها أن الصرافات هي عدو النجاح، وأن الجنيه بدون صرافات سيفتك بالدولار، وهذا ما ترجمه رئيس مجلس البرلمان المصري في جلسة المجلس، الثلاثاء، عندما قال إن “شركات الصرافة سرطان في جسم الاقتصاد المصري، ولا بد من إلغائها، وأتمنى أن يتقدم أحد النواب بقانون لإلغاء هذه الشركات التي تدمر الاقتصاد”، مؤكدًا على أن “مصر تتعرض لحرب اقتصادية كبيرة ومؤامرة تحاك بنا لا بد أن نواجهها بكل حسم”.
هذا الموقف يمكن تشبيهه بمن يرى شخصًا يُذبح بسكين، ثم يلوم السكين على حادث الذبح بل يطالب بإعدام السكين لارتكاب هذا الجرم المشؤوم، تاركًا من يمسك بالسكين دون حساب أو حتى عتاب، وهنا يكون السكين هو كبش الفداء، هذا بالضبط موقف مجلس النواب المصري الذي وافق، الثلاثاء، على مشروع قانون لتغليظ العقوبة على من يبيعون العملة الأجنبية خارج القنوات الرسمية في تصعيد لحملة البنك المركزي على السوق السوداء التي يقول إنها تزعزع استقرار العملة المحلية.
القانون الذي أقره المجلس يتضمن تغليظ العقوبات على من يخالفون القانون لتشمل الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن ثلاث سنوات وغرامة تتراوح بين مليون وخمسة ملايين جنيه (115 ألف و565 ألف دولار)، وعقوبة بالسجن لفترة تتراوح بين ثلاث وعشر سنوات لكل من يتعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك أو الجهات المرخص لها بذلك، كل هذه العقوبات والهجمة على شركات الصرافة التي لا أقول إنها بريئة، ولكن ليست هي من صنعت الأزمة وإلغاؤها لن يحل الأزمة بل سيفاقمها أكثر.
ورغم أن هذا العقوبات غير مسبوقة في مصر إلا أن رئيس البرلمان تمنى تغليظ العقوبة لتصل للإعدام وليس السجن فقط، إذا إنه الإعدام، ولكن هل يحل الإعدام أزمة الدولار؟ هل يحسن وضع الاقتصاد المصري؟
بالطبع الإجابة لا، إن المشكلة في الأصل تتمثل في المنظومة الاقتصادية بالكامل، والحل يحتاج إلى خطط عاجلة للنهوض بهذه المنظومة بداية من السياحة ومرورًا بالصادرات والاستثمار… إلخ.
وفي نفس الوقت الذي تسعى فيه الحكومة لإعدام الصرافات، جارى الآن إعدام فقراء مصر بكل الطرق، فوسط الصراع الدائر بين المركزي المصري وشركات الصرافة يتحمل المواطن المصري فاتورة هذا الصراع، سواء من خلال اشتعال الأسعار، أو من خلال رفع الدعم بدعوى ارتفاع الدولار.
فبحسب تصريحات صحفية للدكتور محمد اليماني المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء، فإن زيادة أسعار شرائح الكهرباء، جاءت نتيجة بعض التغيرات في سعر صرف الدولار، نظرًا لشراء أكثر من 30% من الغاز الطبيعي المستخدم في توليد الكهرباء من الخارج بعملة الدولار، بالإضافة إلى أن أسعار السلع تواصل قفزاتها في السوق المصري دون توقف.
لكن ما تداعيات إغلاق شركات الصرافة؟
ذكرنا أن شركات الصرافة ليست سبب الأزمة ولكن المشكلة تكمن في نضوب مصادر الدولار، وإغلاق الصرافات لن يحل المشكلة بل سيصنع سوق سوداء أكبر بكثير من الموجودة الآن، ستتواجد في المقاهي والمحلات والمنازل وكل مكان في مصر سنجد به سوقًا سوداء للدولار، وهذا الأمر لن تستطيع الدولة السيطرة عليه لا بالقوانين ولا بالقبضة الأمنية، وسيستمر الدولار في الصعود.
على الجانب الآخر لا تستطيع الحكومة حل الأزمة في ظل تراجع أرقام الاحتياطي الأجنبي والتي سجلت بحسب المركزي يتراجع بشكل كبير إلى 15.536 مليار دولار في نهاية يوليو بعد أن كان 17.546 في نهاية يونيو، وذلك بعد نزيف الاحتياطات مع سداد آخر المبالغ المستحقة لدولة قطر وهو مليار دولار، إضافة إلى سداد التزامات الديون الخارجية بما قيمته 720 مليون دولار.
هذا التراجع خير دليل على براءة الصرافات من تهمة صناعة الأزمة، حيث من الطبيعي جدا أن يصل الدولار لهذا المستوى بعد كان لدى مصر نحو 36 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي قبل ثورة يناير، وذلك بفضل استقرار السياحة والاستثمار الأجنبي وهما مصدران رئيسيان للنقد الأجنبي في البلاد.
ولا شك أن الحكومة تعي ذلك جيدا لذلك لجأت للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، كما كشفت صحف مصرية عن مفاوضات عربية للحصول على وديعة بقيمة 2 مليار دولار من السعودية والإمارات، في محاولة عاجلة لانتشال العملة المصرية من السقوط حال لجأ المركزي نحو تعويم الجنيه، وربما تكون الحرب الشرسة التي تقودها الحكومة على الصرافات تمهيدا للتعويم، وهذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة.