ترجمة وتحرير نون بوست
يطمح محمد فوزي بشعره المجعد، وعشقه لرائحة القهوة وشغفه الكبير بالنساء أن يكون طالبًا جامعيًا في أي مكان، يُعتبر محمد الذي يبلغ 21 سنة، ويدرس الهندسة في جامعة القاهرة، محظوظًا لأن مستقبلاً مشرقًا ينتظره، فالعالم لا زال في حاجة إلى فنيين متخرجين من الجامعات، لكنّه يعتقد أن الواقع أكثر قتامة مما يبدو عليه، فهو يعتقد أنه لن تكون هناك وظائف مناسبة توفر له أجرًا كافيًا بعد التخرج يساعده على تغطية مصاريفه، وإعالة والدته الأرملة.
دون أجر كافٍ يتقاضاه، لن يكون محمد فوزي قادرًا على شراء شقة، ودون منزل خاص به لن يتمكن من الزواج، ودون زواج لن يتمكن من ممارسة الجنس.
يقول محمد “لا يمكنني أن أحصل على حبيبة لأسباب دينية، ولأنني لا أوافق على أمر مماثل لأختي، لقد كانت لي بعض العلاقات مع نساء في الماضي، لكنها لم تكن علاقات جسدية أبدًا، حتى إنني لم ألمس يومًا أيديهن أو أقبلهن”، يتحدث محمد دائمًا مع النساء على الفيسبوك، لأن ذلك يضمن له إحساسًا أكبر بالأمان والخصوصية، ويبدو أن هذه النظرة المعقدة تجاه المرأة تتجاوز مشكلة التقاليد والنظم الاجتماعية.
تنتشر في الوطن العربي حالات بائسة من الشباب الذي يعيش حالة محمد فوزي، وتضم الدول العربية أعدادًا كبيرة من الشباب المحبطين بسبب غياب فرص العمل في بلدانهم، ما يدفعهم للخروج عن سلطة العادات والتقاليد في مجتمعاتهم، منبهرين بما يعرفونه عن ضمان الحريات ودرجة تقدم في الغرب، لكن لدى أغلبهم أيضًا قناعة بأن حالهم ليست أسوأ من الشباب في مناطق أخرى حول العالم.
يقول رامي خوري الطالب اللبناني من الجامعة الأمريكية ببيروت “إنّ الشباب لا يرغب سوى في العيش بسلام، لكنهم يجدون أنفسهم عاجزين عن اختراق النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية لبلدانهم، يجب عليهم أن يخلقوا عوالم موازية خاصة بهم، لأنهم لا يستطيعون فعل أي شيء في هذه الأوضاع العادية”.
أدت العديد من العوامل إلى اندلاع الانتفاضات العربية في سنة 2011، وتمكنت هذه الانتفاضات من الإطاحة بالحكام في تونس وليبيا واليمن ومصر، وأدت إلى زعزعة عديد الأنظمة الأخرى، ولكن العامل الرئيسي يرتبط أساسًا بتضخم نسبة الشباب في الدول العربية، مقابل عجز حكومات هذه الدول عن استثمار هذه الطاقات في التنمية الاقتصادية لبلدانها.
بعد أن انتكست بعض الانتفاضات العربية على أعقابها وتحول بعضها الآخر إلى حروب أهلية دموية باستثناء الثورة التونسية، أصبح واقع الشباب العربي أكثر سوءا، في بلدان يزداد فيها القمع السياسي وتتقلص فيها فرص العمل.
شهدت أغلب الدول العربية نموًا اقتصاديًا أقل من النمو الاقتصادي لبعض الدول متوسطة الدخل، بعدما تضررت بعض الدول بسبب انخفاض أسعار النفط، وأثارت الاضطرابات الأخيرة مخاوف المستثمرين الأجانب، بينما تسبب الإرهاب في انهيار القطاع السياحي، ومما زاد الأمر تعقيدًا السياسات الانهزامية للحكومات العربية في التمسك بالسلطة، كما هو الحال في مصر.
يُعتبر ارتفاع نسبة الشباب في التركيبة السكانية عاملاً إيجابيًا، ولكن العالم العربي يتعامل مع الشباب على أنه لعنة يجب التخلص منها، في وقت وجد فيه الشباب العربي نفسه مخيرًا بين خيارين سيئين، أفضلها في الوطن لمواجهة الفقر، وأكثر سوءًا الهجرة أو القتال في بؤر التوتر مثل سورية.
ينحدر الشباب العربي من مشارب مختلفة، لكن الحكومات العربية تتعامل معه على أنه مشرب واحد، رغم تنوع اهتماماته، أولاً، شهد العالم العربي انفجارًا ديمغرافيًا كبيرًا، وتضاعف عدد سكان الدول العربية في العقود الثلاثة الأخيرة منذ سنة 1980 ليبلغ تعداد الدول العربية 375 مليون نسمة في سنة 2010، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد ليصبح 467 مليون نسمة بحلول سنة 2025، بمعدل نمو يبلغ 1.8% ليفوق بهذا المعدل العالمي الذي يبلغ 1%.
شهد العالم العربي انفجارًا ديمغرافيًا بالتوازي مع التوسع الحضري، في سنة 2010، بلغت نسبة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15-24 سنة قرابة 20% من مجموع السكان، ومن المتوقع أن يواصل معدل الشباب ارتفاعه ليبلغ 58 مليون بحلول سنة 2025.
ثانيًا شهدت الدول العربية ارتفاعًا كبيرًا في معدلات البطالة في صفوف الشباب، وفي سنة 2010، التي مهدت لقيام الانتفاضات العربية بلغت معدلات البطالة بين الشباب أرقامًا قياسية هي الأعلى بين كل مناطق العالم، بنسبة تراوحت بين 10% و27%، وقد واصلت هذه المعدلات ارتفاعها منذ ذلك الوقت لتتراوح بين 12 و30%.
إنفوجرافيك يظهر نسبة الشباب من بين مجموع السكان (المحور الأفقي) في مقابل نسبة البطالة بين الشباب (المحور الرأسي)
إن الواقع الذي تشهده الدول العربية يضم العديد من المفارقات الغريبة، فكلما ازدادت سنوات الدراسة، تقلصت حظوظك في العثور على وظيفة مناسبة، ففي مصر على سبيل المثال بلغت نسبة العاطلين عن العمل بين أصحاب الشهادات العليا قرابة 34% في سنة 2014، مقارنة بنسبة 2% للأشخاص الذين لم يتجاوز تعليمهم المستوى الابتدائي، وتتسم معدلات البطالة بعدم المساواة بين الجنسين، حيث تبلغ نسبة البطالة في صفوف الإناث اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و24 سنة أكثر من 68% في مصر، مقارنة بالذكور الذي لا تتجاوز نسبة البطالة في صفوفهم 33%.
.
معدلات البطالة بالنسبة لمستويات التعليم المختلفة في مصر
أما المؤشر الثالث حول أزمة الشباب العربي، فيرتبط بارتفاع معدلات الهجرة، خصوصًا في اتجاه دول الخليج العربي التي تمتلك ثروات نفطية، وتحتكر كل من سورية وفلسطين ومصر أكبر معدلات الهجرة بين الدول العشرين الأولى في العالم في سنة 2015، وهو ما يفسر النسبة الكبيرة للأشخاص الذين يعيشون خارج البلاد، أساسًا بسبب ظاهرة اللجوء.
إذا كان هذا حال الشباب في الدول العربية، فإن إسحاق ديوان من جامعة هارفورد يعتقد أن تفشي الشعور بالتعاسة في صفوف الشباب أمر منطقي، خاصة إذا قارنا وضعهم بما يعيشه الشباب في دول أخرى تعيش نفس مراحل التطور.
وكشفت دراسة نشرها مركز بيو للأبحاث في واشنطن أن دول الشرق الأوسط تشكل استثناءً لاستنتاجها الذي يقوم على الاعتقاد بأن الأشخاص في الدول الأكثر فقرًا يبدون أكثر تفاؤلاً حول المستقبل من الدول الغنية، حيث يعتقد 53% فقط من المستجوبين في الشرق الأوسط أن أبناءهم سيكونون أفضل استقرارًا ماديًا منهم، بينما يوافقهم في ذلك 51% في إفريقيا و58% من آسيا.
يشعر معظم الأشخاص في البلدان العربية بالقلق حول مستوى معيشتهم، عندما تجوب شوارع مصر سيؤكد لك كل سائقي التاكسي أنهم يحملون شهادات في الهندسة، ويعملون أحيانًا في قيادة سيارة الأجرة، بالنسبة لهم هي وظيفة ثانية، يستعينون بها في تغطية التكلفة المتزايدة لنفقاتهم اليومية.
لقد حاولت الحكومات العربية استيعاب الضغط المتزايد للباحثين عن الشغل في القطاع العام، من منطلق أنه سيكون من الأفضل أن يتقاضى الشباب أجرًا زهيدًا مقابل عدم القيام بأي شيء، على أن يتسكع في الشوارع ويتسبب في المشاكل، وفي أوج القومية العربية في عهد جمال عبد الناصر، الذي أطاح بالنظام الملكي في سنة 1952، قامت مصر بتوفير وظيفة حكومية لكل المتخرجين.
دفع تراجع أسعار النفط ممالك الخليج، الذين نجحوا إلى حد الآن في إغراء شعوبهم بالمال والأجور المرتفعة، إلى خفض الرواتب العمومية، وبما أن بعض دول الخليج العربي أصبحت تكافح لضمان عدد كاف من الوظائف لشعوبها، فإنها اضطرت إلى غلق باب الهجرة العمالة في وجه الدول العربية الأخرى، فالمملكة السعودية تحتاج على سبيل المثال لخلق 226 ألف وظيفة جديدة سنويًا، وفقًا لما ذكرته شركة جدوى المتخصصة في الأبحاث، لكن المملكة السعودية لم تستطع سوى توفير 49 ألف وظيفة جديدة في سنة 2015.
على الرغم من كل هذه التحديات والمشاكل التي تواجه الشباب العربي، فإنه لا زال يحافظ على الشعور بالاستحقاق، وفقًا لما ذكره نادر قباني، من شركة سيلاتيك التي تعمل على تسهيل عملية ربط الشباب العربي بفرص العمل، ويفضّل الشباب العربي غالبًا مواصلة العيش مع أسرته على العمل في وظيفة يشعر أنها تؤثر على كرامته. كما تشير العديد من الأرقام إلى تحسن تطلعات الشباب العربي، الذي ارتفعت معدلات التعليم في صفوفه، مقارنة بالمعدلات التي كانت عليها قبل سنوات، كما أن الشباب العربي أصبح أكثر قدرة على الوصول إلى المعلومة أكثر من أي وقت مضى.
أثارت الانتفاضات العربية مخاوف عديدة حول مصير الشباب العربي، وانتقلت هذه المخاوف إلى صفوف الشباب أنفسهم، بعدما اندفعت أعداد كبيرة منهم نحو القتال، وقد عملت دعاية تنظيم الدولة على استهداف هذه الفئة تحديدًا، من خلال الذراع الإعلامية التي تقوم بترويج الإيدولوجيا المتطرفة بينهم، لكن سبر الآراء الذي أجري في الدول العربية حول هذه الظاهرة أثبت أن الشباب العربي يعتقد أن غياب فرص العمل هو السبب الرئيسي الذي يدفع بعضهم للالتحاق بالتنظيمات المتطرفة، وهي مشاكل يقدم لها تنظيم الدولة حلولا عملية، من خلال الأجور المرتفعة، وعروض الزواج.
بعض الحكومات العربية على استعداد لبذل كل ما في وسعها لكسب الشباب، مثل الإمارات العربية المتحدة التي عيّنت فتاة تبلغ من العمر 22 سنة وزيرة للشباب، لكن بعض الحكومات الأخرى لا زالت تعتبر الشباب خطرًا حقيقيًا.
لا زالت الشخصيات المستبدة بالحكم في العالم العربي متمسكة بالسلطة، وليس لديها أي استعداد لتقاسمها مع الأجيال القادمة، الرئيس الجزائري الذي لم يظهر إلا في مناسبات قليلة في السنوات الأخيرة، عبد العزيز بوتفليقة يبلغ 79 سنة، والرئيس السوداني عمر البشير يبلغ 72 سنة، بينما أقصى الجنرال المصري عبد الفتاح السيسي كل أشكال الاختلاف ليستبد وحده بالسلطة.
تستقطب الأحزاب السياسية في العالم العربي عددًا قليلاً من الشباب نظرًا لدورها الهامشي في الحياة السياسية، بينما يجسّد البرلمان السوري نموذجًا للديكتاتورية، وتعاني الأحزاب اللبنانية من الانقسامات، ولا تكتسي الأحزاب السياسية في الخليج العربي سوى صبغة استشارية، وحظرت مصر عمل جماعة الإخوان المسلمين.
في الحقيقة، طغت الحروب والاضطرابات التي هزّت المنطقة العربية خلال الربيع العربي، على الشعور بالتعطش للديمقراطية، وقد تكون النجاحات التي حققتها الثورة التونسية مقارنة بالانتفاضات العربية الأخرى، سببها الرغبة في تحقيق الاستقرار، وقد أكدت نتائج سبر الآراء التي قامت بها مؤسسة بيو في منتصف سنة 2012 أن 53% من المستجوبين يضعون الاستقرار في قائمة أولوياتهم.
المصدر: الإيكونوميست