جاء فوز لاعب الجودو الإماراتي “توما سيرجيو” بالميدالية البرونزية في مسابقة وزن تحت 81 كجم للرجال، في إطار مسابقات أولمبياد ريو 2016، والمقامة حاليًا بمدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل، ليثير الجدل مجددًا حول ملف التجنيس في الرياضة العربية.
“توما” المولدافي الأصل، نجح في التغلب على الإيطالي ماتيو ماركونتشيني في مباراة المركز الثالث، ليقدم للعرب أول ميدالية لهم في أولمبياد ريو، ليضع معها العديد من علامات الاستفهام حول أخلاقيات تجنيس اللاعبين الأجانب لتمثيل البلدان العربية في البطولات الرياضية، ومدى انعكاس هذه الظاهرة على مستقبل الرياضة العربية لاسيما فيما يتعلق بروح الانتماء والمواطنة لدى الناشئين، إضافة إلى تأثيرها على المساولة والعدالة بين المنتخبات المشاركة، فضلًا عن مدى إحساس المواطنين العرب بالفخر بميداليات تم تحقيقها عن طريق لاعبين كل علاقتهم بالعرب هو جواز سفر مؤقت، فهل تستوي الفرحة هنا وهناك؟
التجنيس ظاهرة عالمية
“التجنيس الرياضي حق لكل دولة ما دام يتم بتراضي الطرفين، والقضية لا تختص بقطر فقط، بل تجدون هذا التجنيس في كل دول العالم وفي كل المجالات، فهناك من يجنسون الأطباء والعلماء والعمال المهرة، والرياضة مجال كأي مجال آخر” بهذه الكلمات استهل سعود بن خالد رئيس اللجنة الأولمبية القطرية، حديثه عن التجنيس الرياضي الذي تقوم به بلاده، حيث كان الموضوع في تلك الفترة جديدًا على الساحة العربية، وذلك خلال استضافته في برنامج تلفزيوني على قناة الجزيرة عام 1999، ملفتًا أن ما يتم طبيعي وعالمي.
لم يكن التجنيس ظاهرة عربية فحسب كما يظنها البعض، بل هي ظاهرة بشرية تاريخية، تختلف مناحيها باختلاف العصور، حيث عرف العالم منذ مئات السنين تجنيس الشعراء والأدباء، وتجنيس الفلاسفة والفقهاء، وتجنيس المقاتلين والمحاربين، وتجنيس العلماء والمهندسين والأطباء، مع اختلاف طريقة التجنيس عبر العصور، ولو لم يكن هناك ما يسمى جواز سفر، لكن اشتركت كل هذه الظواهر بأمر واحد، “تعزيز المجتمع وقدراته”.
وقد ظهر مفهوم التجنيس القائم على منح جنسية وجواز سفر في العقد الثاني من القرن العشرين، وذلك نتيجة الحرب العالمية الأولى، التي تحركت على إثرها فئات كبيرة من البشر عبر الحدود كلاجئين، مما اضطر الدول التي استقبلتهم لتنظيم أمورهم وجعل إقامتهم قانونية.
وبعد مرور 14 عامًا على تصريحات بن خالد كتب الصحفي المصري جمال هليل في مقال له بصحيفة “الجمهورية” تحت عنوان “التجنيس الرياضي… لغة عالمية: “أن التجنيس الآن أصبح لغة عالمية تلجأ لها كل الدول في العالم إلا مصر التي تعتبر الجنسية المصرية خطًا أحمر لا يمكن الاقتراب منه، لذلك تتقدم الدول الأخرى بفكرها، ونحن نتأخر في وقت نضبت عندنا مراكز التفريخ الرياضية وتحولت الأندية الكبيرة إلى استيراد اللاعبين من إفريقيا، فتاهت المنتخبات لأنها لا تجد الخامات البدنية الصالحة لتمثيل البلد.
وفي بحث مشترك، نشر في موقع Sage Journals عام 2001 للباحثين اليابانيين ناوكي تشيبا وأوسامو إبيهارا وشينجي مورينو، أشاروا إلى ظهور مفهوم “رياضيون بلا حدود” عام 1993 في اليابان، وأعادوا ذلك بشكل مباشر إلى اختلاط بلادهم بنظام العولمة، حيث قالوا “لم يكن من الممكن تخيل قبول اليابانيين التجنيس الرياضي بسهولة، فهم أصحاب نزعة قوية تجاه الهوية الوطنية، لكن اختلاط كافة مستويات البلاد بالعولمة الحديثة، والنظر إلى الرياضة كصناعة ترفيه ساعد على قبول التجنيس في رياضات عديدة”.
لذا باتت عملية تجنيس اللاعبين والانتقال من بلد لآخر أمرًا غاية في السهولة، فضلاً عن مرونة الدول في منح جنسيتها لعدد من الأجانب رأت فيهم إفادة وقدرة على تسويق نفسها من خلالهم في شتى المحافل الدولية، فالمسألة باتت في وعيهم كاستقدام أي موظف، فالعولمة أضعفت كثيرًا من هيبة الحدود، والنزعة الوطنية لم تعد مستخدمة بشكل كبير في الإعلام أو السياسة إلا في حدود المصلحة.
العرب في أولمبياد ريو 2016
نجحت المشاركات السابقة للعرب في الدورات الأولمبية ، في حصاد 94 ميدالية متنوعة منها 23 ذهبية و24 فضية و47 برونزية، ولكن القدر الأكبر من الميداليات الذهبية جاء عن طريق ألعاب القوى، حيث بلغ حصاد أم الألعاب 13 ذهبية، من بين 38 ميدالية متنوعة، حصدها رياضيو العرب في ألعاب القوى بالدورات الأولمبية.
ويمكن تقسيم الفرق العربية المشاركة في أولمبياد ريو 2016 إلى نوعين، الأول، الفرق ذات الأصول الوطنية الخالصة والتي لا تتضمن أي لاعبين مجنسين، الثاني، المنتخبات المشاركة بلاعبين حصلوا على جنسية الدولة لتمثيلها في البطولة وفقط.
البعثات العربية “غير المجنسة”
- مصر
تعد البعثة المصرية الأكبر بين البعثات العربية المشاركة في أولمبياد ريو 2016، حيث تضم 120 لاعبًا ولاعبة، إضافة إلى الإداريين والفنيين والأجهزة الطبية المعاونة، وتشارك مصر في كافة الألعاب الفردية داخل البطولة، إضافة إلى مشاركة منتخبي كرة اليد والكرة الطائرة.
- الجزائر
بعثة الجزائر تضم 64 رياضيًا ورياضية كلهم من أصل جزائري يتنافسون في 13 لعبة، وتتصدر بعثة ألعاب القوى قائمة الألعاب المشاركة حيث تضم 15 رياضيًا منهم 3 سيدات،كذلك 8 ملاكمين، إضافة إلى عدد من اللاعبين في منافسات الدراجات، والسلاح، والجودو، والشراع، والرماية، والسباحة، ورفع الأثقال والمصارعة، بالإضافة لمنتخب كرة القدم الأوليمبي وصيف بطولة إفريقيا تحت 23 سنة العام الماضي.
- العراق
تضم بعثة منتخب أسود الرافدين 23 رياضيًا في 6 ألعاب، بواقع لاعب واحد في كل من الملاكمة، والجودو، والتجديف، ورفع الأثقال والسباحة، بالإضافة لبعثة كرة القدم التي تضم 18 لاعبًا.
- السعودية
تضم بعثة السعودية 14 لاعبًا ولاعبة، يتنافسون في ألعاب القوى، ورياضات السلاح والجودو والرماية ورفع الأثقال، في غياب لمنتخب الفروسية الذي لم ينجح في التأهل.
كما تضم البعثة السعودية 4 سيدات، منهن لاعبتين في ألعاب القوى، ولاعبة في كل من الجودو والسلاح، ويذكر أن تاريخ السعودية الأوليمبي يضم 3 ميداليات، منها اثنتين في الفروسية، من بينهما برونزية قفز الحواجز في لندن.
- سوريا
تشارك سوريا بـ 6 لاعبين، موزعين على خمسة ألعاب، بواقع لاعبين في السباحة ولاعب في كل من ألعاب القوى، والجودو، وتنس الطاولة ورفع الأثقال، بينما أمل سوريا في تمثيل مشرف متعلق بلاعب الوثب العالي مجد الدين غزال، صاحب ذهبية التحدي العالمي 2016.
- تونس
تشارك تونس بـ 61 لاعبًا ولاعبة، يشاركون في 17 لعبة، 7 منهم في ألعاب القوى، وخمسة في السلاح، وأربعة في الجودو، وعدد من اللاعبين في منافسات الملاكمة، والكانوي، والدراجات، والتجديف، والشراع، الرماية، وتنس الطاولة، والتايكوندو، والكرة الطائرة الشاطئية، ورفع الأثقال، والمصارعة والتنس، إضافة إلى منتخب اليد، وسط طموحات وآمال كبيرة بتكرار إنجاز لندن 2012 والعودة بعدد من الميداليات.
- الأردن
تتكون بعثة النشامى من 8 لاعبين فقط، 2 في السباحة ومثلهما في الملاكمة، ولاعب واحد في كل من ألعاب القوى، والجودو، والتايكوندو، والترياثلون، علمًا بأنه لم يسبق للأردن الفوز بأي ميدالية عبر تاريخها الأوليمبي.
- الكويت
تضم بعثة الكويت 9 لاعبين، منها 6 في الرماية و2 في السباحة ولاعب وحيد في السلاح، يذكر أن بعثة الكويت هي الوحيدة التي لم ترفع علم بلادها في أولمبياد ريو، حيث إنها ستشارك تحت العلم الأوليمبي دون علم الدولة، بسبب إيقاف اللجنة الأوليمبية الدولية للكويت نظرًا للتدخل الحكومي في أعمال اتحاداتها الرياضية.
- لبنان
تضم بعثة لبنان 9 رياضيين يشاركون في سبعة ألعاب، بواقع 2 في كل من السباحة وألعاب القوى، ولاعب (أو لاعبة) واحد في الكانوي، والجودو، والمبارزة، والرماية، وتنس الطاولة، علمًا بأن آخر ميدالية أوليمبية لبنانية تحققت في موسكو 1980.
- ليبيا
تتكون البعثة الليبية من 7 رياضيين، بواقع 2 في السباحة ورياضي واحد في ألعاب القوى، والجودو، والتجديف، والتايكوندو، والقوس والسهم.
- المغرب
تضم بعثة المغرب 51 رياضيًا، 18 منهم يتنافسون في مسابقات ألعاب القوى، أبرزهم عبد العاطي إيكدير صاحب برونزية سباق 1500 متر في لندن 2012، إضافة إلى لعبات الملاكمة، والكانوي، والدراجات، والفروسية، والسلاح، والجولف، والجودو، والرماية، والسباحة، والتايكوندو، ورفع الأثقال والمصارعة.
- عمان
تضم بعثة سلطنة عمان أربعة رياضيين، بواقع لاعبين في ألعاب القوى ومثلهما في الرماية، دون أي حلم أو فرصة في المنافسة.
- فلسطين
تتكون بعثة فلسطين من ستة رياضيين، لاعبان في السباحة ومثلهما في ألعاب القوى، ولاعب واحد في الفروسية والجودو، ويكفي شرفًا للبعثة رفع العلم الفلسطيني على مرأى ومسمع من العالم أجمع.
- اليمن
تشارك اليمن بثلاثة لاعبين، بواقع لاعب واحد في ألعاب القوى ولاعبان في السباحة، وبالرغم من الأزمة السياسية والأمنية والاقتصادية التي تواجهها اليمن يحسب لها المشاركة في هذه البطولة ورفع العلم اليمني عالميًا.
- جزر القمر
تشارك جزر القمر في الأولمبياد بلاعبين فقط في منافسات السباحة، هما عثمان سول وزميلته نازلاتي محمد، ويكفي شرف التأهل لهذا المحفل الرياضي العالمي لمنتخب جزر القمر، أحدث دولة عربية في ريو دي جانيرو.
- جيبوتي
تضم بعثة جيبوتي 5 لاعبين، منهم لاعب واحد في الجودو وأربعة في ألعاب القوى، أبرزهم حسن أيناله سليمان صاحب برونزية بطولة العالم 2013 في سباق 800 متر، وذهبية بطولة العالم داخل الصالات 2015 في سباق 1500 متر.
- السودان
تضم بعثة السودان أربعة رياضيين، لاعب في كل من ألعاب القوى والجودو، ولاعب ولاعبة في السباحة.
- موريتانيا والصومال
بعثة كل من موريتانيا والصومال لا تضم أي لاعب أو لاعبة، وتكتفي فقط على الإداريين والتمثيل والحضور وفقط.
البعثات العربية “المجنسة”
- البحرين
تعد البحرين أكثر الدول العربية المشاركة في أولمبياد ريو 2016 ضمًا للاعبين مجنسين، حيث تضم البعثة البحرينية 25 رياضيًا ورياضية، من بينهم 16 في ألعاب القوى، جميعهم من جنسيات مختلفة عدا لاعب واحد فقط.
بعثة ألعاب القوى البحرينية تضم ستة لاعبين إثيوبيين، خمسة كينيين، ثلاثة من أصل نيجيري ومغربي، بالإضافة للاعبة التي يطلق عليها “أسرع امرأة عربية” هاجر العميري.
الأبرز من بين كتيبة المجنسين تلك هي كيمي أديكويا ذات الأصل النيجيري، وصاحبة ذهبية بطولة العالم داخل الصالات في سباق 400 متر عدو، كذلك مريم جمال (ذات الأصل الإثيوبي) صاحبة أول ميدالية أوليمبية في تاريخ البحرين ببرونزية 1500 متر في لندن 2012، والتي اعتزلت بعدها، أما بقية الألعاب التي تشارك فيها البحرين هي الرماية، والسباحة، والمصارعة، التي تعتمد فيها على بطل آسيا 2016 آدم باتيروف، الروسي الأصل.
العداءة البحرينية ( نيجرية الأصل) كيمي أديكوبا
- قطر
أطلق على بعثة قطر في هذه الاولمبياد “منتخب العالم” لما تضمه من كوكبة من اللاعبين المجنسين، حيث تضم البعثة 38 رياضيًا يشاركون في 10 ألعاب، أولها ألعاب القوى والتي يشارك فيها 9 رياضيين.
من أبرز اللاعبين المجنسين في البعثة القطرية والتي تأمل الدوحة حصولهم على ميداليات أولمبية في هذه البطولة، عبد الرحمن بله (سوداني الأصل) الذي يخوض سباق 800 متر عدو، والذي حل سادسًا في بطولة العالم 2015 ثم خامسًا في بطولة العالم داخل الصالات 2016.
فريق ألعاب القوى القطري يضم لاعبين من أصول سودانية ونيجيريية ومغربية وكينية، ويضم أيضًا لاعب رمي المطرقة أشرف أمجد الصيفي، صاحب ذهبية بطولة العالم للشباب 2014 المصري الأصل.
أما قائمة المنتخب القطرى لكرة اليد فتضم 14 لاعبًا منهم 8 لاعبين من جنسيات أخرى وهم: دانييل ساريتش من البوسنة والهرسك، وجوران ستوجانوفيتش من صربيا، ورافايل كابوتى من كوبا، وزاركو ماركوفيتش من الجبل الأسود، وبيرتراند روان من فرنسا، وواليدر ميميسيتش من البوسنة والهرسك، وكمال الدين ملاش من سوريا، وبورخا فيدال من فرنسا.
منتخب قطر لكرة اليد والملقب بـ “منتخب العالم”
- الإمارات
تضم بعثة الإمارات 12 لاعبًا ولاعبة يمثلون دولة الإمارات في أولمبياد ريو، في ألعاب القوى هناك عالية سعيد (إثيوبية الأصل) حصدت المركز الثالث لسباق 3000 متر في بطولة العالم داخل الصالات 2016، ومعها عداءة الماراثون بيتليم ديسالين (إثيوبية الأصل)، كما أن هناك ثلاثة لاعبين في الجودو، كلهم في الأصل من مولدوفا، من بينهم سيرجيو توما صاحب برونزية وزن تحت 81 كيلو جرام في بطولة العالم 2011، والحاصل على برونزية هذه البطولة أمس، وإيفان ريمارينكو صاحب برونزية وزن تحت 100 كيلوجرام في بطولة العالم 2014.
لاعبو الإمارات في أولمبياد ريو والغالبية من المجنسين
قتل للمواهب الرياضية
لا شك أن تجنيس اللاعبين يحمل العديد من الآثار السلبية على المواهب الرياضية الوطنية داخل الدولة، وهو ما أشار إليه الناقد الرياضي بصحيفة “المصريون” محمد عمر، ملفتًا أن التجنيس ليس ظاهرة عربية فحسب، بل ظاهرة عالمية سبقتنا إليها فرنسا وأمريكا.
عمر أكد في تصريحات خاصة لـ “نون بوست” أن هذا “الفيروس” الذي انتشر في العديد من المنتخبات العربية ساهم وبشكل كبير في قتل طموح اللاعبين “أبناء البلد” وأفقدهم الأمل في تمثيل بلادهم في المحافل الرياضية، طالما استسهل القائمون على أمور الرياضة في بلدانهم تجنيس اللاعبين الأجانب والسماح لهم بشرف تمثيل الوطن هنا وهناك.
كما حذر الناقد الرياضي من خطورة ما تحمله هذه الظاهرة مستقبلاً، حيث نوّه إلى أنه وفي غضون سنوات قليلة وفي حال استمرار الدول في تجنيس لاعبين أجانب لن تجد لاعبًا وطنيًا واحدًا، وهو ما يهدد مستقبل الرياضة الوطنية والمحلية داخل الدولة.
ظاهرة صحية لكن بشروط
الناقدة الرياضية المغربية نجوى سايل، أكدت أن ظاهرة التجنيس في الرياضة العربية سلاح ذو حدين، لكنها ليست مرفوضة على طول الخط كما يؤمن البعض، فهناك الكثير من الضرورات التي تجعل من هذه الظاهرة حلاً وحيدًا للنهوض برياضة دولة من الدول، مستشهدة بالتجربة اللبنانية في أمم آسيا 2000، فمع استضافة البلد العربي الخارج من حروب مدمرة وطويلة البطولة القارية، كان لا بد من تدعيم صفوفه ببعض الأسماء، فتم جلب عدة أجانب ومنحهم الجنسية.
وتؤكد مصادر أن أولئك تقاضوا مبالغ مالية مقابل ذلك، ليضمنوا أداءً مشرفًا، وهو ما كان بالفعل، فليس من المعقول أن يفقد منتخب عربي قوته وحضوره بسبب عجز لديه في لاعب أو أكثر، مما كان الحاجة لتجنيس لاعبين لسد هذه الثغرات أمر طبيعي لا مشكلة فيه.
سايل أشارت في تصريحات خاصة لـ “نون بوست” إلى أن الواقع الرياضي العربي يختلف عن نظيره في بقية دول العالم فيما يتعلق بنظرته للتجنيس، ملفتة أن الطبيعي في دول العالم حصول اللاعب الأجنبي على جنسية وإقامة وجواز سفر الدولة التي سيمثلها في المحافل الدولية، ويصبح اللاعب الأجنبي مواطنًا عاديًا له كامل الحقوق وعليه كامل الواجبات، أما في منطقتنا العربية فالأمر يختلف، إذ إن هناك ما يسمى بـ “جواز سفر المهمات”، هو التسمية الرائجة لمفهوم جواز السفر المؤقت في الإعلام الرياضي، وهو وسيلة لتمكين اللاعب من تمثيل فريق بلد معين دون حصوله على جنسية حقيقية، وما إن ينتهي تمثيله، يتم سحب ذلك الجواز منه، ويصبح أجنبيًا بالنسبة لذلك البلد، حيث يحول جواز المهمات تمثيل اللاعب للقميص الوطني إلى عقد احتراف، فهو يلعب من أجل المال أو من أجل نيل فرصة أفضل للفوز وحصد المجد الشخصي، ثم ما إن ينتهي من تلك الصفقة، قد لا يستطيع العودة إلى زيارة البلاد التي حمل قميصها إلا بعد الحصول على تأشيرة دخول، وهو المعمول به في معظم الدول العربية، فاللاعب
التجنيس ليس حلاً
في مقال له تحت عنوان “التجنيس ليس حلًا”، قال الكاتب السعودي محمد الشيخ إن: “التجنيس وإن كان مطلوبًا، ليس على المستوى الرياضي فقط، بل حتى على المستوى الإنساني والتنموي في كافة جوانبه؛ لكنه لن يكون حلًا ما لم تكن هناك خطة ناجعة للاستفادة منه بالشكل الصحيح الذي يعود على الوطن بالنفع من جميع أوجهه”.
رياضيًا رأى الشيخ في مقاله المنشور بجريدة الرياض السعودية أن هناك قفز على الواقع بالقول أن تجنيس بعض المقيمين من أصحاب المواهب سيكون أحد الحلول الناجعة لأزمتنا الرياضية، فمثل هذا الطرح المعوّم يوحي وكأن الرياضة السعودية تعاني على مستوى العنصر البشري، وهذا غير صحيح، فديموغرافيًا تعد السعودية دولة ثرية بسكانها، إن على مستوى العدد، أو الأجناس والأعراق، وكذلك من حيث نسبة الشباب إلى مجموع السكان.
من هنا فإن من يظن بأن التجنيس كافٍ لحل الأزمة الرياضية فإنه واهم، حتى وإن استند على وجود عملية استقطاب للمقيمين من قبل الدول المجاورة كما يحدث من قطر، لأن الفارق كبير وواضح بين البلدين من الناحية الديموغرافية، لذلك فإن الحل ليس في التجنيس لمجرد التجنيس، وإلا فإن السعودية تعد خزانًا بشريًا، لا سيما على مستوى الشباب، واستنادًا على إحصائيات عام 1431هـ – 2010م يُلحظ ارتفاع واضح في عدد الشباب، حيث بلغ عدد الشباب البالغ أعمارهم ما بين 15- 24 عامًا فقط نحو 4 ملايين، وهذه المرحلة العمرية هي التي يصدق عليها رياضيًا مصطلح موهبة في حال امتلاك اللاعب لها.
ولأن التجنيس الرياضي بات حقيقة، فلعل الأولى أن يكون تجنسًا طويل الأمد من حيث فائدته، أي أن تم توظيف بطل لخدمة القميص الوطني، ثم يبقى هذا البطل مستقبلًا ليكون عضوًا فاعلًا في اتحاد اللعبة أو ما ينبثق عنه من أندية وأكاديميات، هكذا تبقى الخبرة والقدرات في البلاد، ولا تكون المسألة مثل رحلة تسوق قصيرة، ما إن نستهلك ما اشتريناه حتى اضطرنا للعودة إلى التسوق من جديد.
ويبقى السؤال: إلى متى ستظل المنتخبات العربية معلقة أحلامها وطموحاتها الأولمبية والدولية على غير العرب؟ ومتى يشعر المواطن العربي أن الانتصارات التي يفخر بها جاءت بأيدٍ عربية؟