عقد يوم الإثنين الماضي رؤساء كل من روسيا وإيران وأذربيجان، فلاديمير بوتين وحسن روحاني وإلهام علييف اجتماعًا ثلاثيًا في العاصمة الأذربيجانية باكو، وبعيدًا عن القضايا السياسية التي كانت على طاولة نقاشات القمة الثلاثية، برز مشروع عملاق آخر حاز على نصيب الأسد في هذه القمة.
ممر مائي دولي يصل طوله إلى 7200 كيلومتر، ليربط شمال أوروبا بالهند، والخليج العربي عبر إيران، وروسيا وأذربيجان، ليصبح أحد أرخص الطرق من قارة آسيا إلى أوروبا، ما سيُمكن الدول الأوروبية وروسيا من الاتصال عبر الخليج العربي وخليج عمان بطريقة اقتصادية للغاية، هذا الممر الذي سيمر جزء منه، على طول الساحل الغربي لبحر قزوين، من روسيا إلى إيران، عبر الأراضي الأذربيجانية.
وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف صرح أن هذا المشروع سيخدم مصالح شعوب إيران وأذربيجان وروسيا، ومصالح المنطقة بأسرها، حيث سيقوم المشروع، بتوفير بديل فعال من حيث التكلفة والوقت للطريق البحري عبر قناة السويس المصرية.
تاريخ هذا المشروع
يعود هذا المشروع إلى خارطة قديمة وضعت في العام 2000 لإنجازه من قبل إيران والهند وروسيا، إلا أن العقوبات المفروضة على كل من طهران وموسكو حالت دون إتمام بناء الممر (الشمال – الجنوب) الذي يتكون من خطوط بحرية وبرية وسكك حديدية.
وقد خضعت هذه الفكرة للاختبار الأولي عبر نقل بضائع من الهند إلى العاصمة الأذربيجانية باكو وأستاراخان عبر ميناء بندر عباس عام 2014، حيث أشارت نتائج هذه التجربة إلى أن تكاليف النقل تقلصت بمقدار 2500 دولار مقابل كل 15 طنًا، إضافة إلى أنه استغرق 14 يومًا فقط، في مقابل 40 يومًا عبر طريق قناة السويس.
إلا أن الانتهاء من تنفيذ هذا المشروع أمر في غاية الصعوبة بحسب خبراء، لأن هذا المشروع يكتنفه كثير من الصعوبات، التي تتمثل في المسافة الكبيرة التي تقدر بنحو ألف كيلومتر، بالإضافة إلى التكلفة العالية، والتضاريس الصعبة، حيث ذهب البعض للقول أن هذا المشروع يعد “مغامرة بيئية خطيرة على إيران”.
إصرار على التنفيذ
ورغم ذلك أصرت موسكو وطهران وباكو على الاستمرار في التعاون لتنفيذ هذا الممر الجديد، عبر الانتهاء من مشاريع لربط خطوط السكك الحديدية، ضمن خطط تطوير وتحسين أداء ممر النقل الدولي “الشمال – الجنوب”.
ويضم الممر خطوطًا للسكك الحديدية من أذربيجان وإيران وروسيا ضمن المشروع، ويخطط ضمن المرحلة الأولى، لنقل 5 ملايين طن من البضائع سنويًا، على أن تبلغ كمية البضائع والشحنات التي ستنقل في المستقبل على أساس سنوي ما يقرب من 10 ملايين طن.
وكان الجانبان الروسي والإيراني أكدا قبل قمة باكو في خطوات تنفيذية استمرار التعاون من أجل تحقيق مشاريع مشتركة وتعزيز التعاون وزيادة حركة الشحن بممر “الشمال – الجنوب” الدولي للنقل.
وتطرق اللقاء إلى آفاق التعاون بين روسيا وإيران في تطوير البنية التحتية لمنطقة حوض قزوين، وأيضًا زيادة حركة الشحن بواسطة السكك الحديدية.
كما بدأت الثلاث دول المعنية ببحث تفاصيل الجوانب العملية، لتنفيذ مشروع النقل الدولي العملاق، على طول ساحل بحر قزوين الغربي، وذلك بعمل التصورات للممر، بمشاركة وزارات النقل، التي تبحث المعايير الفنية والمالية للمشروع، كما اتفقوا أيضًا على التصورات للتعاون بين الجمارك والخدمات القنصلية.
وعلى وجه الخصوص، سرعة تشكيل خط سكك حديدية مباشر على طول الفرع الغربي لممر النقل الدولي “الشمال – الجنوب”، ويتضمن هذا المشروع بناء خط (رشت – استارا) للسكك الحديدية الذي سيربط خطوط السكك الحديدية بين روسيا وأذربيجان وإيران، وكذلك تطوير البنية التحتية الجديدة لتسهيل التبادل التجاري، ونقل البضائع بين دول أوروبا، والخليج العربي، وجنوب آسيا.
الأهمية الاستراتيجية
ترى هذه الدول وفي مقدمتهم إيران أن العمل على هذا المشروع ذو أهمية استراتيجية كبيرة، حيث يمكن أن تتحكم هذه الدول في حلقة وصل بين شرق آسيا والمحيط الهندي والخليج من جهة والدول في شمال شرق ووسط أوروبا.
كما تراه إيران بعد اكتماله بديلاً لمصدر الدخل النفطي الأساسي، بسبب التوقع أنه سيحتل مكانة متقدمة عالميًا في تجارة المرور الدولية، لأنه سيقلص الوقت والمسير في نقل البضائع والحاويات من أوروبا إلى الخليج وجنوب آسيا.
أما على الجانب الروسي سيمنح روسيا مدخلًا استراتيجيًا لمياه المحيط الهندي، وهو ما سيعزز النفوذ الروسي بين الدول التي تعمل على تقليل الاعتماد على خط قناة السويس المصرية، بسبب موجة الكساد العالمي التي أجبرت شركات النقل إلى البحث عن ممرات أوفر، فعلى سبيل المثال تعتزم الصين حث شركات الملاحة على استخدام “الممر الشمالي الغربي” عبر القطب الشمالي لتقليل الزمن الذي تستغرقه الرحلات البحرية بين المحيطين الأطلسي والهادئ، حسب ما أفادت به صحيفة الصين اليومية الرسمية في وقت سابق.
وهذا الطريق الجديد يمكنه حمل البضائع من الهند إلى أوروبا، مع توفير 50% من الزمن الذي تحتاجه عن طريق ممر قناة السويس، لذا سيكون بديلًا ومنافسًا قويًا كما يتوقع القائمون عليه.
كما تستهدف روسيا أيضًا الوصول إلى المياه الدولية في المحيطين الهادئ والأطلسي بطرق أكثر أمنًا، لذلك فان الوصول إلى هذه المناطق من خلال المياه الدافئة هو هدف استراتيجي للروس، بالرغم من استطاعتهم الوصول إليها عبر المياه الباردة.
مسارات محتملة للممر العملاق
المسار التقليدي وهو العبور من بحر الخزر من أوروبا عن طريق روسيا ثم بحر الخزر من الشمال – الجنوب، وصولًا إلى موانئ إيران في منطقة بحر الخزر أبرزهما مينائي أمير آباد وأنزلي، ومن ثم العبور من الأراضي الإيرانية عن طريق القطارات أو النقل البري وصولًا إلى بندر عباس من هناك إلى دول الجنوب والجنوب الشرقي لآسيا.
ثمة مسار آخر وهو المسار الغربي عن طريق العبور من غرب بحر الخزر، وتنقل الحمولة الأوروبية عن طريق روسيا أو من خلال المرور بالبحر الأسود وجورجيا، وصولًا إلى أذربيجان، وتدخل إيران من خلال معبر آستارا الحدودي، وهذا المسير من أوروبا إلى بندر عباس هو الأقل من حيث الزمن، من بين البدائل للربط بين أوروبا – الخليج – شبه القارة الهندية.
والمسار الأخير المتوقع هو المسار الشرقي عبر المرور من شرق بحر الخزرعن طريق روسيا مرورًا بتركمانستان وصولًا إلى إيران وينتهي إلى بندر عباس.
كما يُلاحظ من المسارات المحتملة أن إيران تلعب دورًا استراتيجيًا في أي من تلك المسارات، لذا تسعى إيران للاشتراك في أحد أقوى المشاريع المقترحة للربط التجاري بين الصين وأوربا.
وجدير بالذكر أن هذه الرؤية تنبع من أفكار الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني والتي أوردها في كتابه “الأمن القومي الإيراني والنظام الاقتصادي” الصادر بالفارسية والذي لم يترجم إلى العربية حتى الآن، وقد قامت الباحثة الدكتورة فاطمة الصمادي المتخصصة في الشؤون الإيرانية بنقل وترجمة جزء من هذه الأفكار المتعلقة بالمشروع ونشرتها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تعليقًا على خبر مناقشة مشروع ممر (الشمال – الجنوب).