إسرائيل تطوق غزة: هل سيفجر الجدار الأسمنتي القنبلة الموقوتة؟

o-israeli-gaza-wall-facebook

باتت الأنفاق التي تستخدمها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، تشكل عاملي رعب وقلق كبيرين لدى الحكومة الإسرائيلية المتطرفة برئاسة بينيامين نتنياهو، التي تعلم تمامًا مدى خطر تلك الأنفاق على جنودها المنتشرين على الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة المحاصر، وأي تقاعس أو فشل في السيطرة عليها يعني عمليًا “الموت والهزيمة” في المعركة المقبلة.

حكومة الاحتلال ومنذ أن لحقت بجيشها أكبر الخسائر منذ سنوات طويلة جراء أنفاق المقاومة المنتشرة على طول حدود غزة، وما حققته تلك الأنفاق من مفاجآت كبيرة هزت ووضعت رأس أقوى جيوش العالم في المنطقة في الطين، لم تتوان للحظة واحدة في الحذر من الموت القادم لها من تحت الأرض.

فبدأت بعد انتهاء صيف 2014، بالبحث والتنقيب المكثف عن الأنفاق على طول الشريط الحدودي، ولكن لم تنجح في السيطرة عليها، فهنا بادرت وزارة الأمن الإسرائيلية في البحث عن طرق تعتقد أنها أكثر نجاعة في السيطرة على الأنفاق وهي بناء جدار خرساني حول قطاع غزة.

حصار جديد وفشل أمني

ويعتزم الاحتلال الإسرائيلي إقامة جدار أسمنتي على طول الحدود الفاصلة بين قطاع غزة وأراضي الداخل المحتل سنة 48، سيكون بمثابة “خط دفاعي” جديد ضد أنفاق المقاومة، وكشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن الجدار ضد أنفاق غزة سيدخل حيز التنفيذ في أكتوبر، مشيرة إلى أن وزارة الجيش نشرت بداية الأسبوع عطاءً أول لأعمال الحفر والبناء لخط الحماية الإسرائيلي الجديد ضد الأنفاق الهجومية للمقاومة حول قطاع غزة.

ذكرت الصحيفة أن هذه مناقصة مغلقة أُرسلت إلى 20 شركة مقاولات كبرى في إسرائيل، وأن العطاء يتطرق للجزء الأول المكون من 10 كيلومترات، وجدار تحت أرضي كلها سيتم بناؤها على طول 60 كيلومترًا محيطة بالقطاع.

وعندما عُرِضت قبل أعوام فكرة مقاومة أنفاق غزة عبر إنشاء جدار فاصل تحت الأرض، جوبهت الفكرة بالسخرية، فإسرائيل التي نشأت على مبدأ أن الهجوم أفضل وسيلة للدفاع، كانت ترفض فكرة الجدران فوق الأرض وتحتها، ولكن بعد إنشاء الجدار الفاصل في الضفة الغربية وإنشاء الأسيجة الإلكترونية على طول الحدود، وخصوصًا بعد الفشل في منع العمليات، صارت فكرة إنشاء جدار تحت الأرض معقولة.

والجدار ليس مجرد عائق مادي ضد الأنفاق التي سبق لـ “حماس” أن استخدمتها في تنفيذ عمليات ضد مواقع الجيش الإسرائيلي قرب الحدود، وأيضًا في إدخال مقاتلين خلف خطوط العدو، وإنما هو ذو طبيعة إنذارية، فالجدار تحت الأرض مزود بمجسّات تسمح بتوفير إنذار مبكر لإسرائيل حول أي اهتزازات أو حفريات بقربها، الأمر الذي يسمح للجيش الإسرائيلي بالاستعداد لإحباط أي عمل.

مراقبون فلسطينيون رأوا أن عزم إسرائيل تنفيذ هذا المشروع يدلل على فشل الحلول التكنولوجية التي قالت عنها مرارًا إنها نجحت في اكتشاف بعض الأنفاق الممتدة بين حدود قطاع غزة والكيان.

هاني أبو سباع المختص في الشأن الإسرائيلي، يقول إن: “وسائل الإعلام العبرية نقلت وجود أوامر فعلية للبدء في مشروع بناء الجدار الإسمنتي مع قطاع غزة، رغم المؤشرات والدلالات التي تُعاني منها حكومة بنيامين نتنياهو ماليًا”.

ويضيف أبو سباع:” الجدار له من الدلالات الواضحة المؤكدة على فشل إسرائيل أمنيًا رغم ثلاثة حروب شنتها على قطاع غزة في حفظ أمنها الداخلي، مع إمكانية كشفها لخطوط سير أنفاق المقاومة رغم الإمكانيات الهائلة التي سخرتها لذلك سابقًا.

ويشير المختص في الشأن الإسرائيلي إلى أن الجدار الجديد سيكون ذا مسافة محددة في باطن الأرض، وأن أي مسافة في ذلك لن تكون عائقًا في الولوج إلى أسفلها من قِبل المقاومة، وهو ما يحتم ويجزم بفشل المشروع قبل بدئه من قِبل الاحتلال.

أبو سباع يرى أن فكرة إقامة الجدار فوق وتحت الأرض له من البعد الدفاعي، والمنظور الذي يؤكد أن الاحتلال ورغم تواجده الأمني الكثيف على حدود قطاع غزة، إلا أنه لم يستطع حماية جبهته الداخلية، وتقوقعه دفاعيًا أكثر من حالة الهجوم.

ونبه المحلل السياسي إلى تراكم الخبرات لدى المقاومة التي لديها من الخبرات الكافية للتعامل مع هكذا جدار، وربما لن يقام هذا الجدار من أصله، لا سيما وأن بناءه له ما بعده من إجراءات تشديد الحصار على القطاع.

الأنفاق: موت من تحت الأرض

خبير آخر في بالشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت أكد أن موضوع بناء جدار يمتد من سطح الأرض لفوقها خطة قديمة كانت بتكلفة عالية، واليوم أقر بتكلفة أقل، إلا أن الاحتلال بذل الكثير من أجل القضاء على أنفاق المقاومة، وهذا يأتي كرد تكنولوجي لتدمير شبكة الأنفاق، مشددًا على أن الأنفاق أرهقت الجيش الإسرائيلي بشكل كبير.

شلحت قال: “هناك مخاوف إسرائيلية من ازدياد الأنفاق، وعادة تحاول أن ترد على مثل هذه التهديدات والمخاوف بخطوات استباقية، والتي يكون طابعها ردعي أكثر، وعن مدى نجاح هذا الجدار في تدمير الأنفاق إذا ما تم إنشاؤه، يرى الخبير بالشأن الإسرائيلي أن إسرائيل لديها أمل كبير في هذه الخطة، مستدركًا: لكن هناك مخاوف من أن تفشل كما فشلت القبة الحديدية في التخلص على صواريخ المقاومة التي تنطلق غزة.

وأتم شلحت بالقول: “كما يوجد عند الاحتلال عقول تفكر بالخطوات لمثل هذه التهديدات، فإن هناك أيضًا عقول لدى المقاومة في غزة، تفكر في كيفية التغلب على مثل هذه العوائق”.

تكريس لفصل غزة عن الضفة

في ذات السياق، يقول كايد الغول عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: “إن إقامة سلطات الاحتلال جدار على حدود قطاع غزة له اكثر من مغزى”، مضيفًا: “بالمعنى السياسي، الاحتلال يريد تكريس الفصل بين الضفة وغزة بإجراءات، منها إقامة جدار الفصل”.

ويضيف: “الاحتلال بذلك يستكمل ملامح الحصار للأراضي الفلسطينية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار جدار الفصل العنصري أيضًا في داخل الضفة الغربية”، ويتابع: “نعتقد أن هذا السلوك الإسرائيلي لن يحول دون قدرة المقاومة بابتداع الوسائل والأشكال التي تمكنها من تجاوز هذه العقبة، إضافة إلى أنه لن يحول دون تمسك الشعب الفلسطيني بوحدته ووحدة أراضيه”.

السياسي الفلسطيني يؤكد أن “هذا الجدار يفرض مجددًا على الجميع التوحد في إطار استراتيجية كفاحية تعمل على إنهاء الاحتلال الكامل عن كافة الأراضي الفلسطينية، وقطع الطريق على المزيد من الخطوات التي تريد فقط الفصل القائم بين الضفة والقطاع”.

وطالب الغول، السلطة الفلسطينية التي لها صلة التواصل الرسمي مع المؤسسات الدولية وغيرها بتكثيف جهودها من أجل استصدار قرارات على الأقل ترفض وتدين هذه الخطة، مضيفًا: “علينا كفلسطينيين أن نبحث في كيفية إفشال هذه المخطط الإسرائيلي من خلال مرة أخرى استراتيجية الوحدة وإنهاء الانقسام وإعادة الاعتبار إلى الطابع التحرري الديمقراطي لنضال شعبنا ضد الاحتلال الإسرائيلي”.