ترجمة وتحرير نون بوست
لم يسبق، منذ دخول روسيا في الحرب الأهلية إلى جانب النظام السوري بقيادة بشار الأسد، أن عرفت المعارضة حصارًا وعزلاً مثل الذي حدث، فقد خسرت المعارضة في شباط/ فبراير أهم طريق نحو تركيا، وبعد أسبوعين تم عزل المقاتلين الموجودين شرق المدينة، التي يقطنها قرابة 250 ألف سوري، والذي كاد أن يكون هذا الحصار الأكبر والأشرس منذ خمس سنوات من انطلاق الحرب.
وفي خضم ذلك اليأس، أجبرت مجموعات المعارضة بمختلف أطيافها، تحت تأثير الغارات، على العمل معًا، ففي يومي 6 و7 آب/ أغسطس، استخدمت المعارضة والجماعات الجهادية القنابل الانتحارية، والمدفعيات والدبابات لكسر مواقع النظام، كما حاصر الثوار مركبًا عسكريًا واستولوا على الأسلحة والذخيرة وفتحوا ممرات ضيقة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة وتغلقها منذ أسبوع.
جوبه التقدم الذي جدّ بسرعة من قبل القوات الحكومية السورية، بردّ غاضب، فقد كثّف النظام من غاراته ضد مواقع المعارضة في المدينة وذلك في محاولة منهم للتصدي لتقدم الثوار، ويقول ناشطون في شرق حلب إنهم شنّوا أكثر من 100 غارة خلال اليومين السابقين، وقد كان القصف عنيفًا جدًا حتى إن عمال الإغاثة لم يعثروا على طريق يقود إلى شرق المدينة، كما تقلصت عملية نقل الإمدادات بسبب خطورة الوضع، وفي هذا السياق، قال أحد الناشطين: “على الرغم من كسر الحصار، إلا أن الطرقات غير آمنة بالكامل لذا لم يصل الطعام والوقود إلى أجزاء داخلية في المدينة”.
ولكن مع استعادة الثوار للأرض يبدو أن قوات الطاغية بشار الأسد، المتمركزة في الجانب الآخر من المدينة، والتي يقطنها 1.2 مليون سوري، قد حاصرت نفسها، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية في ذلك الجزء بسبب خوفهم من حدوث أزمة إنسانية هناك.
كل هذه المأساة تحولت لصالح قوات الثوار، فقد كانت هذه المدينة أكبر مدن سورية ومحورها التجاري، وكانت حلب ساحة معركة منذ سنة 2012 منذ أن وقعت معركة ضارية بين المعارضة والقوات الموالية للطاغية بشار الأسد في المدينة وقسمتها إلى جزأين: جزء غربي يسيطر عليه النظام وشرقي تسيطر عليه المعارضة.
وقد تصاعدت وتيرة المعارك في الأشهر الأخيرة في محاولة من الطرفين للسيطرة على باقي المدينة، ربما هي ورقة أراداها لكسب بعض الدعم في محادثات السلام القادمة، إلا أن تقدم الثوار جعل العودة إلى محادثات السلام التي تدعمها الأمم المتحدة هذا الشهر أمرًا مشكوكًا فيه.
كان نجاح الهجوم المضاد، والذي قام به الثوار والذي أطلق عليه اسم “المعركة العظمى في حلب”، بفضل تدفق الأسلحة والأموال التي عبرت بشكل كبير من تركيا خلال الأسابيع الماضية، كما أن التعاون غير المسبوق بين فصائل المعارضة، التي تلقى البعض منها دعمًا من أمريكا، والتحالف مع المجموعات الإسلامية المعروفة بجيش الفتح، ساهم هو الآخر في نجاح هذا الهجوم.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المجموعات – جيش الفتح – تضمّ أعضاءً من جبهة فتح الشام، التي غيّرت اسمها أخيرًا والذي كان جبهة النصرة وأعلنت قطعها مع تنظيم القاعدة، ويُعتقد أن المجموعة غيّرت اسمها على أمل أن تتجنب الغارات الأمريكية والروسية، وعلى ما يبدو كانت هي العقل المدبر للتقدم الذي أحرزه الثوار في حلب.
إلى أي مدى قد يتواصل هذا التحالف؟ ما زالت الإجابة عن هذا السؤال مبهمة، من المحتمل أن يحول الثوار نصرهم إلى كسب دبلوماسي، ولكن الدور البارز الذي لعبته جبهة فتح الشام في حلب، قد يقلق البعض، وبينما تحاول الأمم المتحدة العودة لمحادثات السلام ما زالت كلّ من روسيا، وأمريكا والحكومة السورية تعتبر جبهة النصرة تنظيمًا إرهابيًا، فمن جهتها صرحت أمريكا أنها ستواصل استهداف المجموعة ولو غيرت اسمها.
ونتيجة لهذا فلا أمل في أن يُقدم لها مقعد في أي طاولة محادثات مستقبلية، وعلى الرغم من أنه تم منح سكان حلب مهلة للملمة جراحهم، إلا أنه لا يبدو أن الحرب المطولة ستنتهي قريبًا.
المصدر: الإيكونومست