“لنجعل أمريكا عظيمة من جديد” هذا هو شعار حملة دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري الانتخابية، وهو ما ينهي به أغلب خطاباته في تجمهرات الحزب، وهو أيضًا ما يتبعه عقب تصريحاته العنصرية ضد المسلمين في أمريكا أو ضد اللاجئين والمهاجرين بوجه عام، ليصفق أتباعه بحرارة عند سماعهم شعاره المشهور “لنجعل أمريكا عظيمة من جديد”، ولكن هل المسلمون هم من يعطلون أمريكا عن مسيرتها نحو العظمة بالفعل؟
ردت ميشيل أوباما في اجتماع الحزب الديموقراطي على الحملة الانتخابية لدونالد ترامب بثلاث عبارت عاطفية، وهي “لا تجعلوا أحد يخدعكم بأن أمريكا ليست عظيمة وأنها تحتاج أن تكون عظيمة من جديد، لأن الولايات المتحدة الأمريكية ببساطة هي أعظم دولة على وجه الأرض”، حيث تابعت ميشيل أوباما بأن الآن تستطيع بناتها الأمريكيات من أصل إفريقي اللعب والتجول في البيت الأبيض، وهو الحلم الذي ظنّ الكثيرون أنه مستحيل التحقق في الولايات المتحدة، وهو ما كان لقرون طويلة، إلا أنه في النهاية تحقق، وهو ما يثبت عظمة هذه الدولة.
هل أمريكا عظيمة بالفعل؟ يتطاحن الحزبان الجمهوري والديموقراطي الآن في جعل أمريكا عظيمة مجددًا، أو في كونها بالفعل عظيمة، بل أعظم بلاد العالم على الإطلاق، ويبقى السؤال هنا، هل هي بالفعل عظيمة بهذا القدر الذي يتحدثون عنه؟ ماذا عن رأي الأمريكيين في ذلك إذن؟
13 ألف تريليون مليون دين على الطلاب الأمريكيين
بلغت ديون الطلاب الأمريكيين حوالي 13 ألف تريليون مليون دولار اقترضها حوالي 43 مليون مدين من الطلاب بحسب بنك نيويورك الفيدرالي، وهي الديون المستمرة في الزيادة منذ عام 2003، تعاني تلك الديون من زيادة سنوية بمبلغ 97 بليون دولار أمريكي، بالإضافة إلى نسبة 11.6% من الديون المتأخرة على الطلاب، وهو ما جعلها تصل إلى تلك الأرقام التاريخية في عالم الديون.
لا تنتهي إحصائيات الديون على الطلاب الأمريكيين المفاجئة عند هذا الحد، فقد كانت نسبة الطلاب الخريجين والمديونين للبنك الفيدرالي في عام 2012 هي 71%، وهي النسبة التي تساوي 1.3 مليون طالب في ذلك الوقت، وهو أيضًا ما يعتبر الحمل الثقيل الذي يبدأ فيه الشاب الأمريكي حياته العملية بعد تخرجه من الجماعة، في محاولة بائسة لتأمين مستلزمات حياته اليومية، ولتسديد ذلك الدين كذلك.
تغلب نسبة الديون الخاصة بتكاليف برامج الدراسات العليا كالماجستر والدكتوراة أكثر من طالب البكالريوس العادي، وبخاصة مجالات العلوم ومجال إدارة الأعمال، أما كانت النسبة الأعلى من الديون هي تلك الخاصة بالطب والعلوم الصحية كالتمريض والإسعاف والهندسة الطبية.
“نحن نناضل لكي نبقى على قيد الحياة” هو عنوان لتقرير على صحيفة الغارديان على لسان الطلاب الأمريكان أنفسهم، وعن مدى معاناتهم مع تسديد ديونهم للبنوك المختلفة بعد تخرجهم من الجامعة، تقول فيه ديانا فوكس وهي امرأة في عمر الثلاثين وتعيش في ديلانسون، منطقة سكنية في مدينة نيويورك، بأنها تناضل هي الأخرى لتبقى على قيد الحياة، حيث تقتطع 700 دولار من راتبها الشهري لكي تسدد ديونها، على الرغم من أنها لم تذهب إلى جامعة باهظة الثمن، حيث لم تجد أمامها أي فرصة للحصول على منحة دراسية، كما لم تستطيع عائلتها توفير المبلغ اللازم لدراستها من جيوبهم الخاصة، لذا كان الحل في اقتراض قرض خاص وليس حكومي، والذي غطى 75% من تكاليف الدراسة بحسب قول “ديانا”، والتي تناضل الآن من أجل تسديدها.
بدأت الشركات الخاصة بالقروض في الدخول إلى اللعبة بعد خروج الحكومة الفيدرالية منها، وهو ما كان عقب فترة بسيطة من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومع بداية ثورة التكنولوجيا وحالة الكساد الاقتصادي، ولذلك تظهر الإحصائيات الديموغرافية أن شريحة المديونين من الطلاب، هم في عمر الشباب ما بين 20-30.
خمسة أسباب تجعل نظام التأمين الصحي الأمريكي نظامًا فاشلًا
- 1- يدفع الأمريكان أغلب ما يملكون من أجل نظام تأمين صحي، ولا يتلقون الخدمة المطلوبة في المقابل.
يضيع 3 سنتات من كل دولار أمريكي يتم صرفه على التأمين الصحي في الولايات المتحدة، وهذا يعني خسارة 750 بليون دولار سنويًا، وهو المبلغ الذي حددته وزارة الدفاع الأمريكي بأنه تمت خسارته في حرب العراق، حيث يضيع ذلك المبلغ في مصروفات إدارية، وسوء الخدمة الطبية في بعض المراكز الطبية، كما يعود نسبة كبيرة منها إلى الإهمال الطبي، كما يصف الأمريكان أن أكبر سارق لتلك المبالغ الضائعة هي شركات الأدوية.
لا يستطيع 53% من الأمريكيين دفع فواتيرهم الطبية، كما أفلس ثلثي تلك النسبة السابقة بسبب عدم القدرة على دفع الفواتير الطبية، وهو ما يتذمر منه الأمريكان باستمرار، حيث إنهم لا يجدون إشكالية التأمين الصحي في الولايات المتحدة تقلق المسؤولين أو المرشحين الحاليين للانتخابات الأمريكية، فبمقارنة الولايات المتحدة بالبلاد المتقدمة، فتكون الولايات المتحدة في ذيل القائمة بالنسبة لجودة التأمين الصحي، وذلك لامتلاك معظم البلاد المتقدمة نظام تأمين صحي حكومي لا تتلاعب به الشركات الخاصة كما يحدث في الولايات المتحدة.
- 2- تحتل الولايات المتحدة المرتبة الثانية في انتشار الأمراض المزمنة
تثير إحصائيات أكثر البلاد التي تنتشر بها الأمراض المزمنة الخاصة بالولايات المتحدة القلق حول نظام التأمين الصحي فيها، فكيف يمكن أن تحتل الولايات المتحدة المرتبة الثانية في قائمة انتشار الأمراض المزمنة مع كل تلك الأموال المهدرة على النظام التعليمي، والتي يفلس أغلبية المواطنين العاديين بسبب عدم القدرة على دفعها، تأتي أستراليا في المرتبة الأولى، تليها الولايات المتحدة، وهذا يعود سببه إلى العادات المجتمعية الخاطئة التي يتبعها الشعب الأمريكي، بداية من ثقافة المأكولات الجاهزة والوجبات السريعة، إلى قلة الحركة والاعتماد الدائم على التكونولوجيا.
- 3- الأمريكان هم أكثر الشعوب الضحايا بسبب الأخطاء الطبية
يمكن اعتبار أن الأخطاء الطبية هي أحد الأسباب الرئيسية لمعدل الوفيات في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تفوقت نسبة الأخطاء الطبية المؤدية للوفاة عن نسبة الوفيات الناتجة بسبب أمراض القلب والسرطان، حيث يموت كل يوم 1000 مريض في أمريكا بسبب الأخطاء الطبية.
- 4- الأطباء الأمريكان لا يستمعون لمرضاهم
يشتكي معظم الشعب الأمريكي من معاملة أطبائهم لهم، فهم لا يستمعون إليهم بطريقة جيدة، ولا يستخدمون العبارات الملائمة أخلاقيًا لتفسير المرض إليهم، كما أنهم لا يقضون الوقت المطلوب معهم، فهم غير صبورين، وعكس ما يتم تصويرهم في الأفلام الأمريكية للعالم.
- 5- أغلب الأمريكيين غير راضيين عن نظام التأمين الصحي الحالي
بحسب نتائج استفتاءات محلية، كانت النتيجة أن 16% فقط من الشعب الأمريكي راضون عن نظام التأمين الحالي، في حين تتفاوت أسباب النسبة الباقية عن عدم رضاهم التام عن النظام الحالي، حيث أشارت النتائج إلى رغبة حوالي 43% من الأمريكيين في التغير الكامل لنظام التأمين الصحي وليس فقط تعديله.
إذا كانت الصحة والتعليم أمران لا يشغلان الأحزاب المتطاحنة، في حين يهمهم إثبات عظمة أمريكا لبعضهم البعض، فما الذي يمكن أن يثبت عظمة الولايات المتحدة الامريكية الحقيقة سوى مبالغ الديون التي تقيد الشباب الأمريكي، ومبالغ التأمين الصحي المهدرة ما بين الأخطاء الطبية المؤدية للوفاة ونظام التأمين الصحي الفاشل.