ترجمة وتحرير نون بوست
تعَوّد أمير المملكة العربية السعودية، الأمير تركي الفيصل، على أن يكون رجل المهام الصعبة، ففي عام 1979، وعندما قامت مجموعة من المتطرفين بالهجوم على المسجد الحرام في مكة المكرمة، كان الأمير تركي الفيصل أول من وصل إلى المدينة، بما أنه رئيس المخابرات السعودية، آن ذاك. وكاد أن يصاب برصاصة في ذلك اليوم.
أما في الثمانينات، قاد الأمير تركي الفيصل جهود المملكة في دعم المجاهدين الأفغان في حربهم ضد المحتلين السوفييت، وشغل أيضًا، منصب سفير للولايات المتحدة فيما بين 2005-2007، حيث كان رجل المهمة الصعبة للسعودية في واشنطن خلال مرحلة عصيبة للعلاقات الأمريكية – السعودية، خلال تلك الفترة زار سبع وثلاثين دولة ليدافع عن العلاقة السعودية الأمريكية القوية.
مرة أخرى، في الشهر الماضي، عاد الأمير تركي الفيصل ليقوم بدوره كقائد للرياض، حيث دعا الرئيس السابق للاستخبارات السعودية للإطاحة بالجمهورية الإسلامية، في اجتماع للمعارضة الإيرانية في باريس.
أشارت ملاحظاته، إلى جانب التحركات الدبلوماسية الأخيرة، إلى اتباع المملكة العربية السعودية لسياسة جديدة أكثر صرامة تجاه إيران، وعلى الرغم من تقاعدهم رسميًا من الحكومة، لم يقم أي عضو من العائلة الملكية باحتضان المعارضة الإيرانية علنًا، أو الدعوة إلى تغيير النظام في طهران.
يعتبر تحالف مملكة عربية سنية ومنظمة التحرير الوطني الإيرانية الشيعية تحالفًا غير عادي، فعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية دعمت بعض الجماعات الشيعية في العراق، أثبت التحالف السعودي مع منظمة مجاهدي خلق، مرة أخرى أن السياسة الواقعية والمخاوف الجيوسياسية تفوقت على الخلافات الطائفية في منطقة الشرق الأوسط.
اجتمع جمهور يقدر بـ 100 ألف في ساحة كبيرة للاستماع إلى الأمير تركي وإلى غيره من المتحدثين في الاجتماع السنوي للجماعة الإيرانية المعارضة التي تعرف باسم منظمة مجاهدي خلق، وجاءت تصريحات الأمير في 9 يوليو/ تموز بعد لقاء بين رئيس منظمة مجاهدي خلق ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في باريس، يوم 30 يوليو/ تموز، وتعد السعودية ممولاً كبيرًا للسلطة الفلسطينية وربما هي من يسر اللقاء.
أدان الأمير تركي الفيصل، في تصريحه، التدخل الإيراني في الشرق الأوسط، كما اتهمها بالتسبب بمشاكل المنطقة، وأشار إلى أن إيران تدعم الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم، من المتطرفين الدينيين في السودان إلى الجيش الأحمر الياباني، وتفاعل الحشد الكبير خلال كلمته وكان يهتف “الشعب يريد إسقاط النظام”، هو شعار استخدم من قبل المتظاهرين خلال الربيع العربي في ساحة التحرير في القاهرة.
في تلك اللحظة الدراماتيكية والمرتجلة، دعم فيصل، رغبة الحشد في إسقاط النظام الإيراني، وتركت تعليقاته حول تاريخ إيران، خلال خطابه الذي دام ثلاثين دقيقة، الباب مفتوحًا أمام احتمال استئناف علاقة إيرانية – سعودية أكثر ودية مما كانت في 1979، في ظل حكومة جديدة.
تأسست منظمة مجاهدي خلق في عام 1965 لمعارضة الشاه بأيديولوجية تضم الاشتراكية والإسلام الشيعي والعنف ضد حكومة الشاه وحلفائه، لكن تم القضاء عليها من قبل القوات الموالية لآية الله الخميني، بعد الثورة الإيرانية عام 1979، وبعد هذه النكسة، قضت منظمة مجاهدي خلق قرابة عقدين من الزمن تعارض بشكل محدود الحكومة الإيرانية من الخارج، وبحلول عام 1988 أجبر العديد من أعضاء الجماعة على مغادرة فرنسا والاتجاه إلى العراق، في ذلك العام، قام صدام حسين بدعم غزو مجاهدي خلق الفاشل لإيران، وأثبت أنها المعركة الأخيرة من الحرب بين إيران والعراق.
في عام 1997، وصفت إدارة كلينتون منظمة مجاهدي خلق بأنها منظمة إرهابية، وكرد على ذلك، تخلت منظمة مجاهدي خلق عن العنف في عام 2001، وفي عام 2003، سلمت المجموعة أسلحتها المتبقية، أثناء الغزو الأمريكي للعراق، وتم خلاله، نقل بضعة الآلاف من أنصار مجاهدي خلق من قبل الولايات المتحدة إلى معسكر ليبرتي، حيث لا تزال، تأمل في الحصول على حق اللجوء إلى مكان آخر.
أما في عام 2012، غيرت الولايات المتحدة تصنيف مجاهدي خلق كمنظمة إرهابية، في حين لا تزال إيران تعتبرها منظمة إرهابية مسؤولة عن آلاف القتلى.
لذلك، جوبه كلام الأمير تركي الفيصل في باريس، بإدانة قوية من إيران، وعلاوة على ذلك، قامت وسيلة إعلام إيرانية بمقارنة خطاب الأمير تركي الفيصل والدعم السعودي لمنظمة مجاهدي خلق بتحالف تلك المنظمة بصدام حسين.
في 30 يوليو/ تموز عام 2016، التقى محمود عباس، حليف السعودية، برئيس منظمة مجاهدي خلق، مريم رجوي، واستغل كلاهما الفرصة لإدانة التطرف والأصولية في الشرق الأوسط، حاولت منظمة مجاهدي خلق جعل الاجتماع يبدو وكأنه اجتماع لرؤساء دول، حيث تعتبر المنظمة مريم رجوي “الرئيس المنتخب” للمعارضة الإيرانية.
المملكة العربية السعودية هي راعي السلطة الفلسطينية وربما هي من سهل اللقاء الذي عرض فرصة لتقويض النفوذ الإيراني في فلسطين.
استنكر فاليولا نانفاكيناري، عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الإيراني، الاجتماع قائلاً: “دعم جماعة إرهابية (مجاهدي خلق) من قبل أي مؤسسة أو بلد هو أمر مخالف للمعايير والأنظمة الدولية، كما أنه يُغضب الشعب الإيراني”، ومن جهته، ذهب حسين شيخ، مستشار وزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى أبعد من ذلك، حيث اتهم عباس بكونه عميلاً لوكالة المخابرات المركزية السي أي إيه وادعى أن “محمود عباس كانت له علاقات سرية مع الجماعات الإرهابية والإسرائيليين، والآن يتم الكشف عن هذه العلاقات”، الأمر الذي أسفر عن توبيخ رسمي من حركة فتح على موقعهم الرسمي على الإنترنت.
إمكانية امتلاك منظمة مجاهدي خلق لعناصر سرية في إيران لا تزال غير واضحة على الرغم من وجود حرائق غامضة في مرافق البتروكيماويات، من الواضح أن هناك رغبة سعودية جديدة لمواجهة ما تعتبره تهديدًا إيرانيًا.
تدعم القوتان الإقليميتان فصائل المعارضة في منطقة الشرق الأوسط من لبنان إلى البحرين، وفي وقت سابق من هذا العام طرحت المملكة العربية السعودية فكرة إرسال قوات برية إلى سوريا، وحاليًا تجري عمليات عسكرية ضد المسلحين المدعومين من إيران في اليمن.
ويمثل ذلك أيضًا إعادة توجيه شخصي للأمير تركي الفيصل، القائد السعودي، عندما كان سفيرًا للولايات المتحدة، قبل عشر سنوات، قال إنه دعا علنًا إلى تقارب الولايات المتحدة وإيران، وقال أحد الصحافيين الأمريكيين “نحن نتحدث إلى إيران في كل وقت، لماذا لا يمكن فعل ذلك؟”، ومع مواصلة تحول السياسة في المنطقة، بدأت المملكة العربية السعودية في التواصل مع أصدقاء جدد.
المصدر: ناشونال إنترست